kayhan.ir

رمز الخبر: 148842
تأريخ النشر : 2022April11 - 21:01

جنين غزة جديدة

 

 ناصر قنديل

 -لا ينفصل التفكير بمخيم جنين في عقول القيادات الإسرائيلية السياسية والعسكرية عن التفكير بغزة، ففي عام 2002 عندما اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بعد قتال امتدّ لأيام وأسابيع، وانتهت بالمجزرة التاريخية التي نفذها شاؤول موفاز رئيس أركان جيش الاحتلال يومها، كانت المعركة التي أطلق عليها جيش الاحتلال تسمية السور الواقي، تشتمل على عمليات توغل في قطاع غزة، سمّيت بمعركة الأنفاق يومها، وكان رهان الاحتلال على مذبحة جنين لردع غزة التي كانت تتنامى فيها ظاهرة المناطق المغلقة بوجه جيش الاحتلال، أملاً بتفادي معركة اقتحام مكلفة لغزة، كان يحاول دائماً تفاديها. ولم يكن من باب الصدفة أن الاحتلال عندما قرّر الانسحاب من غزة وتفكيك مستوطنات غلاف غزة عام 2005، قام بالتزامن بتفكيك أربع مستوطنات ومعسكر في غلاف جنين وهي «قديم وغنيم وحومش وصانور ومعسكر دوثان»، بل إن الاحتلال عندما قرر الانسحاب من طولكرم عام 1995 وضمّها إلى مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، وهي من المناطق المحتلة عام 1948 بخلاف كل مناطق التفاوض في اتفاقات أوسلو المحتلة عام 67، فعل ذلك لقرب طولكرم من جنين، وتشكيلهما معاً ثنائياً للمقاومة، وخشيته من أن تشكل طولكرم لاحقاً لساناً لجنين داخل حدود الـ 48 يشكل الدخول السهل إليها بالنسبة للمقاومين دخولاً الى عمق الكيان.

 -ليس بين قيادات الاحتلال مَن يزعم بأن جذوة جنين قد أطفئت عبر مذبحة عام 2002، ففي كل مرة كانت تشتعل المواجهات بين شباب وصبايا فلسطين وجيش الاحتلال كان النصيب الوافر للحضور لمخيم جنين. وفي كل مرة كانت الضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 48 تشهدان تصاعداً في عمليات المقاومة، كانت عين الاحتلال على جنين، حيث نبع لا ينضب للمقاومين، وعندما تمّت عملية نفق الحرية التي انتهت بتحرير عدد من المقاومين الأسرى لأنفسهم، كانت عين الاحتلال على جنين، فإذا بلغوا المخيم تغيّرت طبيعة المواجهة، وربما تكون قد دخلت في نفق آخر. وفي هذه الموجة الصاعدة الأخيرة من عمليات المقاومة لم يكن خافياً أن لجنين مكانة خاصة، سواء في عدد الاستشهاديين الذين شكلوا عناوين هذه الموجة الصاعدة، أو في حالة النهوض المقاوم التي عرفها المخيم وعبر من خلالها عن الانتقال الى مرحلة جديدة من المواجهة مع الاحتلال.

 -بين كل مناطق الضفة الغربية تشكل جنين مدينة ومخيماً وجواراً بؤرة مثالية للمقاومة، وعقدة صعبة التفكيك على الاحتلال. ففي جنين تتركز الهياكل العسكرية المنظمة لقوى المقاومة بكل فصائلها من سرايا القسام الى سرايا القدس الى تشكيلات الجبهة الشعبية، ولكن أيضاً وقبل كل شيء في جنين تربض البنية الصلبة لكتائب شهداء الأقصى، ويتركز الحضور المقاوم لحركة فتح المتمايز بقوة عن مناخ انخراط الكثير من كوادر فتح في أجهزة السلطة وتورّطها مع الاحتلال عبر التنسيق الأمني. وكل معركة مع جنين مرشحة للتحول الى معركة مثلثة، مع غزة حيث البنى الداعمة لفصائل المقاومة التي تملك رأس حربتها في جنين، ومع فتح التي تملك بنيتها النضالية الصافية وكوادرها المشبعة بروح المقاومة في جنين، ومع الضفة الغربية التي تشكل جنين قلعتها وملجأ مقاوميها الملاحقين من السلطة والاحتلال، ومشكلة الاحتلال أنه إذا أراد تفادي مواجهة مجهولة النهايات وتخرج عن السيطرة، مع غزة وفتح والضفة، فعليه أن يتفادى مواجهة مفتوحة مع جنين، فبعض قادة الاحتلال يقولون إن معركة شاملة للسيطرة الكاملة على جنين وتجريدها من مقاومتها وأسلحتها قد تؤدي الى تفكيك السلطة وفرز حركة فتح بصورة لا يحتملها الاحتلال، وقد تؤدي الى حرب مفتوحة مع غزة، وقد تؤدي الى اشتعال انتفاضة شاملة في كل أنحاء الضفة الغربية.

 -مشكلة الاحتلال في التفكير بـاقتحام وتمشيط جنين لا تقلّ عن مشكلته في التساكن مع جنين، فيوماً بعد يوم تتحول جنين إلى غزة ثانية، حيث تتشكل بنية عسكرية منظمة، وتبدأ الأنفاق بالظهور، وتتحوّل الكهوف والمغر في جوارها الى قواعد عسكرية منظمة، وتتموضع فيها أسلحة نوعية، وتشكل قاعدة انطلاق تملك طرق الوصول السهلة الى عمق الأراضي المحتلة عام 1948، وتشكل تدريجياً قاعدة تقود مواجهات الضفة الغربية، وسرعان ما ستتحول بقوة التشابك السكاني والجغرافي إلى بقعة زيت تكبر فتكبر حتى تلتحق بها مدن ومخيمات جديدة في الضفة.

 -يقول بعض الخبراء في كيان الاحتلال إن نهاية الكيان وتفككه يبدآن من جنين، بمجرد التسليم بأن جنين غزة أخرى لا يجب التورّط في حرب مفتوحة معها، ويقول آخرون إن نهاية الكيان وبدء تفكّكه يبدآن من جنين عندما تقرر حكومة الكيان اقتحام جنين فتشتعل حرب جديدة مع غزة وتتحوّل فتح إلى جسم منتفض ومقاوم، وتشتعل الضفة الغربية في حال انتفاضة وعمليّات مسلحة واشتباكات متنقلة، فبدلاً من خطر خروج جنين عن السيطرة تصبح الضفة وربما كل المنطقة خارج السيطرة.

 -النقاش المفتوح داخل الكيان حول جنين يستعيد النقاش المفتوح حول غزة قبل أعوام، تماماً كما كان النقاش المفتوح حول غزة استعادة للنقاش الذي كان قبله حول جنوب لبنان، وتلك هي شارات انحلال الكيان نحو زوال محتوم لا يملك قادته فعل شيء لردّه أو تفاديه.