kayhan.ir

رمز الخبر: 145450
تأريخ النشر : 2022January26 - 20:36

دور محمد بن سلمان في انسحاب الحريري: من التصفية المالية الى السياسية

علي عبادي

 هل فاجأ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أحدًا بإعلانه تعليق مشاركته في العمل السياسي؟ وما هو الدافع وراء ذلك؟

لولا استحقاق الانتخابات النيابية المرتقبة في أيار المقبل، ربما لم يكن هناك ما يدفع الحريري للعودة الى بيروت واتخاذ موقف كالذي أعلنه أمس. ثمة تشوّش واضطراب واضحان في سلوك قيادات ونواب تيار "المستقبل" في التعامل مع هذا الاستحقاق الذي يتطلب تحضيرات لوجستية وشعبية وتحالفات من دون تأخير. لكن الحريري تأخر في الاستجابة لضغوط قيادات التيار للاستعجال في تحديد خطوات التعامل مع الانتخابات. وكان قد أبلغ قياديين أساسيين في "المستقبل" -بحسب تقارير نُشرت مؤخرًا- أنه غير مهتم بما يجري وانه يريد إغلاق مكاتب التيار، ولم ينف الحريري صحة هذه الأنباء.

وصل الحريري الى نقطة يأس بفعل الضغوط السعودية الهائلة التي ألقيت على كاهله، ولم تتزحزح هذه الضغوط برغم حرصه في الفترة الأخيرة على إبداء التضامن مع السعودية في كل مناسبة وعند كل عمل عسكري يمني يطال السعودية وعقب كل تصريح سياسي لبناني يتضمن انتقادًا للقيادة السعودية. كل جهوده لاستدراك وترميم هذه العلاقة واجهها الصدّ.

 تداعيات الصراع الداخلي السعودي

هناك سببان لاستبعاد الحريري من دائرة الحظوة المَلكية السعودية بعد طول احتضان:

الأول سعودي - داخلي، وهو الأساس، والثاني سياسي - لبناني يتعلق بموقف الحريري من حزب الله، حيث طلب ولي العهد السعودي منه مواجهة الحزب، وهو ما اعتبر رئيس الحكومة السابق أنه يعني حربًا أهلية.

من المفيد التوقف مليًا عند السبب الأول لأنه يضيء على الخلفية التي تُحرك العلاقة بين القيادة السعودية الحالية وسعد الحريري. لا شك أن آل الحريري، بدءًا من الرئيس الراحل رفيق الحريري، قد اكتسبوا دورهم السياسي انطلاقًا من الدعم الذي توفرَ لهم في ظل العلاقة الوثيقة مع الملك فهد بن عبد العزيز، والتي نتجت عن شراكة في عالم الأعمال ربطت بين الحريري الأب والملك فهد عبر نجله الصغير المفضل عبد العزيز، وبسببها تنامت أعمال شركة سعودي أوجيه في المملكة بشكل هائل، وبلغت إيراداتها من مشاريع المقاولات مليارات الدولارات، مما وضعها في مقدمة الشركات الكبرى في العالم العربي، بحسب موقع متخصص في مجال الأعمال. وبقيت هذه العلاقة وثيقة بعد اغتيال رفيق الحريري عام 2005 وتسلم ابنه سعد المسؤولية العامة السياسية والمالية محله. وبدأت الأمور تتغير مع تصدّر الجيل الثاني في العائلة السعودية الحاكمة المسؤولية. وكانت علاقة سعد الحريري مع محمد بن نايف وزير الداخلية (ولاحقًا ولي العهد) حساسة بعد تسريب تسجيل صوتي للحريري اعتُبر مسيئًا لبن نايف. كما أن محمد بن سلمان الذي جاء لاحقًا الى مسرح الأحداث كان ينظر الى الحريري على انه متحالف مصلحيًا مع منظومة أمراء وقفت في طريق وصوله الى السلطة.

ولا بأس من الإشارة هنا الى أن كل من يمتّ الى عهد الملك عبد الله بصلة أصبح هدفًا لولي العهد الجديد بسبب توجه عبد الله في أواخر حياته الى توجيه بوصلة خلافته الى نجله الأمير متعب قائد الحرس الوطني عبر تعيين أخيه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبد العزيز وليًا لولي العهد في الترتيب الثاني بعد الأمير سلمان ولي العهد. ولا بد أن الأخير فهم مغزى هذه الخطوة. وتسارعت التطورات بشكل مثير في الشهور الأخيرة من حياة عبد الله، حيث بات السباق للوصول إلى السلطة واضحًا من خلال التعيينات والمراسيم الملكية. وما إن وصل سلمان الى المركز الأول بعد وفاة عبد الله حتى نقض كل ما أبرمه سلفه، وأقال مقرن على الفور وعيّن بدلًا منه ابن شقيقه محمد بن نايف ولياً للعهد (على سبيل المناورة داخل العائلة الحاكمة) ووضع ابنه الأثير محمد بن سلمان على سكة الخلافة بتعيينه وليًا لولي العهد. ثم تلا ذلك بعد شهور قليلة إقالة بن نايف وتعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد، من دون تعيين ولي لولي العهد الى اليوم. وليس بعد هذا ما يمكن أن يقال حول التصدع في العائلة المالكة بفعل النزاع والتمحور حول مركز السلطة.

ولكن الصراع لم يتوقف عند البتّ بالمناصب الأساسية، فما إن وصل ابن سلمان المشبع بالشكوك الى ولاية العهد حتى بدأ حملة لتجريد خصومه من مصادر قوتهم، وأرغمهم على التنازل عن جزء أساسي من ثرواتهم وشركاتهم، ودفع الحريري الثمن في "سعودي أوجيه"، كما دفعه أيضًا أبناء بن لادن أصحاب شركة المقاولات العملاقة، ووليد الإبراهيم الذي يدير مجموعة mbc الإعلامية وهو شقيق إحدى زوجات الملك فهد، وكذلك الوليد بن طلال صاحب الإستثمارات الكبرى، وغيرهم الكثير. ومن المهم هنا الإشارة الى الطريقة التي اتبعها بن سلمان في تطويع سعودي أوجيه وشركة بن لادن، حيث أوقف صرف مستحقاتهما على الحكومة السعودية، مستخدمًا ذرائع مثل وجود سوء إدارة وفساد في سعودي أوجيه، واتهام شركة بن لادن بالإهمال في حادثة سقوط رافعة في الحرم المكي في 11 أيلول 2015 (هل كانت مجرد حادثة؟)، ما أودى بحياة اكثر من مئة أشخاص واصابة نحو 250 آخرين، واتخذ الملك سلمان على أثر ذلك اجراءات صارمة بحق شركة بن لادن أفضت الى تفكيكها ووضع اليد عليها.

واللافت أن هذه الاجراءات جميعًا اتُخذت بشكل متزامن، وتبعتها لاحقًا حملة على مجموعة كبيرة من الأمراء الذين احتُجزوا في فندق الريتز بالرياض. وأخذ بن سلمان على الحريري عدم ولائه له وأنه كان على علم بتحرك مزعوم من بعض الأمراء ضده ولم يبادر الى إخباره. وهكذا، كانت تصفية الحريري ماليًا مقدمة لتصفيته سياسيًا في لبنان، وتم استدراجه الى الرياض في تشرين الثاني 2017 بعدما بقي لمدةٍ بعيداً عنها خشية احتجازه مع الامراء، لكن وقع ما كان يخشاه، وكان ما كان من إجباره على تلاوة بيان استقالة من رئاسة الحكومة اللبنانية. وبالرغم من أن المسألة سُويت ظاهريًا بعد تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمصلحة إطلاق الحريري الذي يحمل الجنسية الفرنسية وعودته الى لبنان ومن ثم التراجع عن الاستقالة، فإن بن سلمان لم يغير طريقة تعامله مع الحريري، واستدعاه مرة أخرى الى الرياض في تشرين الأول 2018 عند الحاجة اليه دعائياً في ذروة أزمة بن سلمان في قضية تصفية جمال خاشقجي.

ومن الامور اللافتة أن عائلة سعد الحريري ما زالت في الرياض، ولم يتمكن -برغم توسيط محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي- من إجلائها الى ابو ظبي لسبب غير مفهوم إلا ان تكون رهينة سياسية بدلاً عنه.

 تزخيم الصراع في لبنان

السبب الثاني الذي أبقى المسافة بعيدة بين الجانبين، هي إصرار بن سلمان على وضع الحريري في مواجهة حزب الله. ولعب رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع دوراً في تهشيم مكانة الحريري لدى ولي العهد السعودي، وأخذ يحل محله باعتباره النموذج المفضل في التعامل مع حزب الله، وصار السفير السعودي يلازم معراب بالسر والعلن، مُوصدًا بابه أمام الحريري. وهذا السلوك السعودي أثار استغراب العديد من القيادات اللبنانية السنية التي تعتبر السعودية قبلة سياسية ودينية، وبالتالي من واجبها أن تساند قادة السنة في لبنان وليس قائد القوات اللبنانية الذي يخاطر من كيس غيره بهدف الإيقاع بين السنة والشيعة، وتحديدًا بين الحريري وحزب الله. 

وليس غريبًا أن مناصري الحريري صوّبوا مباشرة على محمد بن سلمان وهم يتظاهرون للتنديد بعزوفه المؤقت عن العمل السياسي، كما صوَّبوا على سمير جعجع الذي يحلم بقطف أصوات السنة وربما عدد من مقاعدهم النيابية في الانتخابات المقبلة عن طريق ترشيح من يوالون خطه السياسي. وربما أراد الحريري من خطوته إحداث صدمة مزدوجة: لدى الشارع الموالي له والذي كان يندد به منذ بعض الوقت بسبب مآخذ على ادائه السياسي ثم اصبح يتعاطف معه الآن بوصفه "ضحية مؤامرة" داخلية وخارجية، ولدى السلطة السعودية لحملها على إعادة النظر في تعاطيها معه والتخلي عن قرار تحطيمه مالياً وسياسياً. ويستخدم الحريري في ذلك الرافعة الشعبية لخلق موجة احتجاج قوية بهدف إفشال أي مسعى لخلق بدائل عن قيادته وتصعيب المعركة المزمع خوضها من دونه انتخابياً ضد حزب الله برعاية سعودية وأميركية (لا بد من التنويه بأن الحريري اعلن "تعليق" وليس "إنهاء" دوره السياسي، وقرَنَ ذلك بتعليق مشاركة قيادات "المستقبل" معه حتى لا يأخذ أحد من الطامحين مكانه في غيابه). فهل تعيد العواصم المعنية بالقرار النظر بعد هذا التطور الذي قد يحدث تداعيات عدة في الساحة السياسية اللبنانية ولا سيما في الضفة الأخرى المواجهة لحزب الله؟ وهل سيكون لذلك من أثر على مجرى الإنتخابات وربما على قرار إجرائها من أساسه؟