kayhan.ir

رمز الخبر: 14529
تأريخ النشر : 2015February03 - 20:18

مثلث قوة جديد يتقاسم النفوذ في السعودية: من القابض على الحكم؟

في ظل صراعات وتحديات داخلية وخارجية لا شك أنّ السعودية "الجديدة” لبست رداءاً يتناسب مع الأوضاع الحساسة والخطيرة التي تمر بها المنطقة والتي هي غير بعيدة عن بيتها وحدودها. فقبل رحيل الملك عبد الله طُرحت الكثير من الأسئلة حول الوضع السياسي الداخلي والخارجي للسعودية بعده. فالرياض لا تُحسد على التحديات التي تواجهها واستحقاق الخلافة الذي تم ترتيبه بأسرع ما يكون وخلافاً للتقاليد قبل دفن الملك الراحل لم يُدخل الطمأنينة الى نفوس الكثيرين. "فالديمقراطية المعهودة” في السعودية انتهت بمراسم البيعة لثلاثي الحكم السعودي الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير مقرن ولياً للعهد والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد بشكل هادئ ولكن… فالصراع الكامن داخل الأسرة الحاكمة لن يطول كتمه طويلاً والتشكيل الجديد للسلطة وقراراتها أول الغيث.

إن فهم دلالات الابتكار الجديد، ولي ولي العهد، سوف يستغرق صفحات من الشروح والاستدراكات واستعادة تاريخ الصراع داخل الأسرة التي انتزعت المُلك من الهاشميين ومن والاهم بحد السيف، في مواجهة المعترضين من الخارج، ثم حفظته داخلها بحد السيف على الخارجين على طاعتها. إنّ مملكة "الذهب والسيف” التي تلفها الأسرار، والتي لا يعرف العالم حتى اليوم، عن الأسرار المكتومة في عائلتها المالكة وعن التراتبية التي غالباً ما يحددها نسب الأم إلا القليل، تحتاج الى الكثير من البحث والتدقيق. ولعل الانتقال الأخير للسلطة والذي شهد لأول مرة اقتحام الأحفاد مركز القرار، سيفتح الأبواب لمعرفة المزيد من أسرار هذه الأسرة الحاكمة.

ولكن من الذي يتحكم بالمفاصل العسكرية والأمنية في السعودية وكيف أنّ الترتيبات الجديدة سوف تواجه التحديات المحدقة بأسوار وفناء المملكة في ظل الصراعات الداخلية في الأسرة ذاتها، خاصة مع صعود التيار التكفيري داخلها. وهل أنّ هذا الثلاثي الجديد هو الذي يحكم ويحدد السياسية الخارجية السعودية؟

على المراقب أن يتابع بدقة ما حصل في السعودية حيث أنّ توازنات جديدة تطوف على السطح لتظهر يوماً بعد يوم أن المشهد السياسي بعد الملك عبد الله يحتاج الى التعمق في تحليل ما أتت به الولاية الجديدة.

فالملك عبد الله كان يريد نقل المُلك الى أبنائه لتنتهي مرحلة السديريين وتسقط معها الثنائية التي حكمت معادلة السلطة منذ العام ١٩٥٣. لكن الملك الجديد أعادها الى الواجهة بإختياره ابن اخيه محمد بن نايف الشقيق السديري لسلمان ليقصي الآخرين، وبإجراءات عملية أخرى تُرجمت بشطب رئيس الديوان الملكي خالد التويجري من مركز صنع القرار نهائياً بعد اعفائه من جميع مناصبه. فقد تمثلت سياسات الملك الراحل في محاولة تقليص النفوذ السديري في الحكم السعودي، وانتعش الأمل في ضم الأمير متعب إلى سلسلة الحكم السعودي مع وفاة الأميرين الراحلين سلطان ونايف وهما في منصب ولاية العهد. كان الطريق صعباً أمام الأمير البالغ واحداً وستين عاماً، فوالده حتى وهو ملك في ملكية مطلقة كان يعي النفوذ التقليدي للكتلة السديرية، وكذلك التعقيد المصاحب لنقل السلطة إلى الجيل الثالث في العائلة، خصوصاً أن متعب ليس الأكبر سناً بين أحفاد الملك المؤسس. كان على الملك الراحل تعويم أخيه غير الشقيق مقرن، كي يعبد الطريق لاحقاً أمام ابنه متعب. فأقال أولاً الأمير أحمد من وزارة الداخلية، وبعدها عين مقرن ولياً لولي العهد في سابقة على توريث الحكم في السعودية.

فالتوازنات الجديدة تعكس انتصار جناح السديريين في العائلة الحاكمة على جناح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وبرغم السرعة والحسم في تثبيت الانتصار السديري، فما زالت التوازنات السعودية الجديدة بحاجة إلى قراءة متأنية على قاعدة مثلث القوة الفعلي، الذي يختلف في الواقع عن ثلاثي الحكم المعلن كما يرى الكثير من المحللين. يتمثل ثلاثي الحكم المعلن في الملك سلمان وولي العهد مقرن وولي ولي العهد محمد بن نايف، لكن ثلاثي القوة الفعلي يتمثل في ثلاثة من أحفاد الملك المؤسس، الأمير محمد بن نايف والأمير محمد بن سلمان والأمير متعب بن عبد الله. يتحكم هؤلاء في الأذرع العسكرية والأمنية الثلاث الأساسية للسعودية، التي تتحكم وحدها في استيراد وامتلاك السلاح في المملكة. فوزارة الدفاع تولاها محمد بن سلمان نجل الملك الجديد، ليصبح أصغر وزير دفاع في العالم (٣٤ عاماً)، حيث يمسك بحقيبة فائقة الأهمية تبرم صفقات سلاح بعشرات المليارات من الدولارات ولها ارتباطات مباشرة بالمجمع الصناعي العسكري الأميركي وشركات السلاح الكبرى في الغرب.

والحقيبة الثانية هي وزارة الداخلية الذي تولاها محمد بن نايف البالغ من العمر ٥٥ عاماً والذي يعد أكبر الرابحين من تراتبية الحكم الجديدة، التي جعلته الثالث بعد الملك المتقدم في السن وولي العهد ذي التأثير المحدود في دائرة السلطة، كأول حفيد من أحفاد الملك المؤسس اقتراباً من العرش السعودي. تخرج الأمير محمد بن نايف من "كلية لويس وكلارك” في الولايات المتحدة الأميركية العام ١٩٨١ وحائزا” شهادة البكالوريوس في الآداب والعلوم السياسية، وبعدها اجتاز دورات تدريبية في جهاز "اف بي أي” الأميركي خلال الفترة بين ١٩٨٥ و١٩٨٨. وهو يعد فرعا” من فروع آل سعود، وبالتالي يملك ولي ولي العهد حضوراً قوياً داخل الأسرة الحاكمة عن طريق والده ولي العهد السابق المنتمي إلى جناح السديريين. وهو يمتلك سمعة طيبة في أمريكا والتقى قبل عامين الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، واعتبرته صحف أميركية آنذاك أقرب وزير في الحكومة السعودية لأمريكا.

أمّا الحرس الوطني الذي تولاها متعب بن عبد الله الذي يعد أكبر الخاسرين من قرارات الملك الجديد، التي أكدت منافسة محمد بن نايف كأول أحفاد الملك المؤسس في سلسلة الحكم، وأطاحت في الوقت نفسه برئيس الديوان الملكي خالد التويجري المقرب من والده الراحل. فهو الذي تخرج من أكاديمية "ساندهيرست” العسكرية البريطانية ويتحكم بالحرس الوطني ويرأسه، وهو قوة عسكرية ضاربة في المملكة ترأسها والده الملك الراحل لعقود، وأسندها إليه قبل سنوات. فلم تسمح توازنات الحكم السعودي بعزله من الحرس الوطني لحسم المعركة مع جناح الملك عبد الله بالكامل. ويعني ذلك أن الأمير متعب ما زال محتفظاً بأوراق قوة لم تشملها قرارات الملك الجديد حتى الآن. فمن المبكر التكهن بإدارة الأمير متعب لعلاقاته مع الجناحين الآخرين لمثلث القوة الجديد، واللذين يبدوان سياسياً وعائلياً أقرب لبعضهما البعض، لكن المعركة اللاحقة لإطاحته من رئاسة الحرس الوطني بغرض إزاحة نفوذ الملك الراحل نهائياً لن تكون سهلة، كون هذه المؤسسة تملك السلاح ولها الحق في استيراده وغالبية ضباطها يوالون الملك الراحل وابنه. وهذا الموضوع له أهميته الفائقة في حسابات القوة الفعلية المستقبلية والصراعات في السعودية. وإذ كثر الحديث في اليومين الماضيين عن خسارة الأمير متعب بن عبد الله لطموحه الملكي بتعيين منافسه محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد، إلا أنه ما زال ممسكاً بالحرس الوطني، ما يضعه في مثلث القوة الفعلي برغم خسارة طموحه الملكي مرحلياً على الأقل. ومن ناحية ثانية وفي غمرة الحديث عن انتصار محمد بن نايف وكونه الأول من أحفاد الملك المؤسس في سلسلة الحكم السعودي، إلا أن تكليف محمد بن سلمان بوزارة الدفاع، التي كانت تقليدياً حكراً على ولي العهد، يحمل مضموناً صراعياً في بنيته، حتى مع تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد.

فالمستقبل في السعودية يعود الرهان الأكبر فيه على الجيل الثالث الذي ما إذا استمرت الأوضاع في السعودية على حالها سوف يشهد صراعاً بين أركانه لكسر حظوظ "فلول” الملك الراحل وصعود السديريين أكثر وتثبيت انتصارهم.

هذا في ما يخص التوازنات الجديدة والصراعات الداخلية على مستوى الحكم. أما ما يتعلق بالتحديات الأمنية الداخلية والسياسة الخارجية للممكلة فيحتاج الأمر الى الكثير من التحليل والتمحيص وإستشراف المستقبل في ظل الخطر التكفيري الذي أنتجته المملكة ولم تعد قادرة على التحكم به حتى أصبحت ألسنة نيرانه تدق أسوارها من الداخل والخارج، خاصةً بعد أن مدّ أبو بكر البغدادي عيونه نحو مملكة النفط لتصبح جزءاً من جغرافيا دولته بعدما أمر مسلحيه باطلاق عنان "جهادهم” ضد آل سعود والرافضة في المملكة حسبما جاء في احد بياناته. والعلاقة مع الإدارة الأمريكية تحتل قسماً بارزاً على جدول الأعمال حيث تراجع منسوب الثقة السعودية فيها بعد سلسلة خلافات بينها وبين القيادة السعودية حول عدة ملفات إقليمية ابرزها الملف النووي الايراني، النفط، سوريا ومصر، حيث تضاربت ولا تزال المقاربات الاميركية مع التوجهات السعودية. هذا بالإضافة الى العلاقة مع دول المنطقة والتطورات الإقليمية في اليمن والبحرين التي سوف تنعكس حتماً على الأوضاع في السعودية والتي سوف يشهد القادم من الأشهرعلى إرهاصاتها.

الوقت