kayhan.ir

رمز الخبر: 139020
تأريخ النشر : 2021October12 - 20:32

إردوغان وبايدن.. هل اقتربت الحرب بينهما في سوريا؟

حسني محلي

 مع اقتراب موعد اللقاء المرتقب بين بايدن وإردوغان في قمة العشرين، باتت العلاقة التركية - الأميركية مرشحة لكثير من المفاجآت.

بعد فشل المباحثات التركية-الروسية في سوتشي بشأن مستقبل الوضع في إدلب والوجود العسكري التركي في الشمال السوري عموماً، فوجئ الرئيس رجب طيب إردوغان بمضمون الرسالة التي بعث بها الرئيس جو بايدن لرئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتمديد حالة الطوارئ الخاصة بسوريا، والتي سبق أن أعلنها الرئيس ترامب في الـ14 من تشرين الأول/أكتوبر 2019.

بايدن أشار إلى "الفعاليات العسكرية التركية شمال شرق سوريا"، فقال "إن ذلك يعرقل مساعينا للقضاء على داعش، ويمثل خطراً على المدنيين، ويستهدف الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، كما يمثّل خطراً كبيراً على الأمن القومي لأميركا ولسياساتها الخارجية".

أقوال بايدن هذه يبدو أنها جاءت رداً على تصريحات إردوغان بعد أن عاد بخُفّي حُنين من نيويورك، حيث اتهم بايدن الذي رفض اللقاء به "بدعم الإرهاب"، ويقصد بذلك وحدات حماية الشعب الكردية. وشنّ إردوغان هجوماً أعنف على ممثل بايدن لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، وقال عنه "إنه حامي حمى الإرهاب والإرهابيين، وكأنه المسؤول المباشر عن الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني، وهو ما يزعجني، لأنه يفعل كل ذلك في منطقة أقاتل فيها الإرهابيين، وقد آن الأوان بالنسبة إلى أميركا للخروج من هذه المنطقة وتركها للشعب السوري".

المد والجزر في علاقات إردوغان بالرئيس بايدن يعرف الجميع أن لها ماضياً سيّئاً بالنسبة إلى إردوغان وتركيا، حيث اتهم بايدن، عندما كان نائباً للرئيس أوباما في الـ3 من تشرين الأول/أكتوبر 2014، تركيا (ومعها السعودية والإمارات) "بتقديم أنواع الدعم كافة للإرهابيين، من القاعدة والنصرة وأمثالهما، والذين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، وتمّ نقلهم إلى سوريا".

وهي الاتهامات التي كرّرها الرئيس أوباما، ولو بكلمات مختلفة، عندما تحدث هاتفياً مع إردوغان في الـ7 من كانون الأول/ديسمبر 2015، ودعاه "إلى وضع حد نهائي لتسلّل الإرهابيين عبر الحدود التركية مع سوريا".

الفتور والتوتر المتوقع لهما أن يحددا مسار العلاقة بين إردوغان وبايدن، تصادفا أيضاً مع المعلومات التي تحدثت عن رفض أميركي لبيع أنقرة 40 طائرة من طراز إف-16، وتحديث حوالى 200 طائرة يملكها سلاح الجو التركي ولم تعد تواكب تكنولوجيا الطائرات المقاتلة. موقف إدارة بايدن هذا جاء لاحقاً لرفض واشنطن بيع أنقرة طائرات إف-35، وهي شريك في تصنيعها بحوالى مليار دولار.

ومع أن البعض يرى في قرار إردوغان شراء صواريخ اس -400 الروسية السبب الرئيسي لهذا الفتور والتوتر بين الطرفين، يعرف الجميع أن في هذه العلاقات الكثير من المعطيات التي يمكن أن يستغلها بايدن ضد إردوغان بعد أن قال عنه نهاية 2019 "إنه استبدادي، وقد حان الأوان للتخلص منه، من خلال دعم المعارضة الداخلية ". ومن بين هذه المعطيات مقولات ومواقف وتصرفات الرئيس إردوغان العقائدية، والتي تعتبرها واشنطن "استفزازية وتحريضية عندما تتحدث عن ذكريات الخلافة والامبراطورية" التي يعتقد إردوغان، وهذا رأي الأميركان، أنها ستساعده لتحدّي أميركا وروسيا، تارة معاً وتارة أخرى على حدة، وكما هي الحال بعد ما يسمّى "الربيع العربي".

وكانت واشنطن تعتقد أن هذه المواقف قد تساعدها لخلق المشاكل لعدوّتها التقليدية موسكو، إلى أن فوجئت بما قام به إردوغان وما زال في سوريا وليبيا والعراق وأماكن أخرى في المنطقة التي كانت ضمن اهتمامات واشنطن دائماً.

ويفسّر ذلك كلام بايدن الأخير عن الدور التركي شمال شرق سوريا، بعد أن اقتنع بأن إردوغان لا يفكر في الانسحاب من المنطقة، كما أنه يرفض أي مبادرة أميركية وأوروبية لمعالجة المشكلة الكردية، تركياً وإقليمياً، وبشكل خاص في سوريا.

وجاء ردّ أنقرة على كلام بايدن على لسان الوزير جاويش أوغلو الذي قال (السبت) "إن الولايات المتحدة تدعم الجماعات الإرهابية في سوريا لتقسيمها، وهي غير صادقة بشأن وجودها في سوريا لمكافحة داعش، وهي التي نقلت مقاتلي داعش من سوريا إلى أفغانستان".

واتهم جاويش أوغلو واشنطن "بانتهاج سياسات أحادية، ظهر أثرها على العراق وسوريا وأفغانستان"، وطالبها "بتغيير سياستها بدلاً من إلقاء اللوم على تركيا". وأضاف: "إذا قررت الولايات المتحدة مغادرة سوريا، فهذا خيارهم. لكنهم يجب أن يعرفوا أنهم ليسوا في سوريا بدعوة، وليس لديهم حدود مشتركة. أما نحن هناك لأن لدينا حدوداً مشتركة، ولدينا الحق في أن نكون هناك، لكننا ندعم وحدة أراضي سوريا".

ومع اقتراب موعد اللقاء المرتقب بين بايدن وإردوغان في قمة العشرين، نهاية الشهر الحالي في إيطاليا، العلاقة التركية - الأميركية باتت مرشحة لكثير من المفاجآت، وخاصة إذا اقتنع إردوغان بأن واشنطن جادة في عدائها له. وهو العداء الذي أحسّت به الأسواق المالية التركية، وباتت تواجه مخاطر التدهور السريع في قيمة الليرة التركية، وهو ما سيؤدي الى كارثة مالية واقتصادية جديدة أخطر من تلك التي عانت منها تركيا قبل عامين، عندما هدّد الرئيس ترامب بتدمير الاقتصاد التركي إذا قامت أنقرة بأي عمل عسكري ضد كرد سوريا. وبعث ترامب آنذاك برسالة شخصية لإردوغان، داعياً إياه إلى "الحديث مع قيادات قسد الكردية"، بعد أن أهانه قائلاً: "كن عاقلاً ولا تكن غبياً". وهي الرسالة التي تجاهلها إردوغان، واعتبرتها المعارضة مهينة له وللدولة والأمة التركيّتين، وناشدت إردوغان الرد عليها، لكنّه لم يفعل ذلك، وأعلن ترامب صديقاً حميماً له عندما التقى به في البيت الأبيض في الـ13 من تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بعد ثلاثة أسابيع من الرسالة الشهيرة.

ويبقى موقف الرئيس بايدن هو الحاسم لمجمل حسابات الرئيس إردوغان، وأكثر من صديقه الرئيس بوتين الذي بقي حريصاً على علاقاته مع إردوغان، فاستغل ذلك وحقّق ما حققه في سوريا وليبيا وأذربيجان وأماكن أخرى استهدف منها الأمن القومي الروسي، وباعتراف الإعلام الموالي لإردوغان.

ويبقى الرهان على موقف نانسي بيلوسي التي خاطبها الرئيس بايدن ودعاها، ولو بشكل غير مباشر، إلى اتخاذ موقف ما ضد إردوغان، إذ سبق للكونغرس الأميركي أن هدّد بالكشف عن أسرار ثروته الشخصية. ويعرف الكثيرون أن واشنطن على دراية تامة بأسرار إردوغان الشخصية من خلال رجل الأعمال الإيراني/التركي رضا زراب، المتهم بقضايا فساد خطيرة تورط فيها نجل الرئيس إردوغان وأربعة من وزرائه في كانون الأول/ديسمبر 2013، حيث كان زراب على علاقة وطيدة بهم، فنقل أسرارهم وأسرار الدولة التركية لأميركا، وهرب إليها لاحقاً، في الوقت الذي كان فيه أتباع الداعية فتح الله غولن في الأمن والاستخبارات يتنصّتون على مكالمات كل المسؤولين السياسيين والعسكريين والاستخباريين، وفي مقدمتهم إردوغان وعبد الله غول وأحمد داود أوغلو، والمئات الآخرون. واتهم الإعلام الموالي لإردوغان غولن وأتباعه بالعمالة للاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والألمانية، وستكون في هذه الحالة على علم بكل أسرار تركيا.

وبات واضحاً أن أنقرة قد تكون بعد الآن في وضع لا تحسد عليه، إذا كان بايدن جاداً في رسالته لنانسي التي ما عليها في هذه الحالة إلا أن تسافر إلى دمشق وتلتقي الرئيس الأسد وتحيي معه ذكريات لقائها السابق به في الـ3 من نيسان/أبريل 2007، وقد يكون ذلك بداية العودة الأميركية إلى سوريا بشكلٍ أو بآخر، بعد أن بدأ الحديث عن مباركة أميركية للانفتاح العربي، بل وحتى الأوروبي، على دمشق، وهو الاحتمال الوحيد الذي يهابه إردوغان، لأن ذلك سيكون بداية النهاية، ليس فقط لوجوده هناك، بل لمجمل سياساته العقائدية (بما في ذلك إدلب والوجود التركي شمال سوريا).

وفي نهايتها سيجد نفسه في وضع أصعب بكثير داخلياً، مع اقتراب تحالف أحزاب المعارضة ضده، بعد أن توقعت كل استطلاعات الرأي له هزيمة أكيدة في أول انتخابات لن تنتظرها تركيا كثيراً بسبب وضعها السياسي والاقتصادي والمالي المأسوي، وسببه الرئيسي هو سياسات إردوغان ما بعد "الربيع العربي"، ولكن بشكل خاص في سوريا، وقد تتحول إلى ساحة لمواجهة ساخنة مع الحليف الأكبر أميركا قبل انسحابها من شرقي الفرات، وبعد انسحابها من العراق، لتعود القضية الكردية من جديد إلى النقطة الصفر كورقة في مهب الرياح الإقليمية، بعد استخدامها دولياً واستهلاكها كالعادة طيلة المئة سنة الماضية!