kayhan.ir

رمز الخبر: 136166
تأريخ النشر : 2021August22 - 19:58

صدام الحضارات.. هل يتحدّى إردوغان روسيا والصين في أفغانستان؟

 

    حسني محلي

  قد يكون إردوغان أول من سيعترف بنظام "طالبان" بعد الإعلان عنه رسمياً، كما سيحاول زيارة كابول قبل أي زعيم آخر، بعد أن يعد الحركة بمساعدات واسعة وشاملة، متحدياً بذلك مساعي صينية مماثلة.

"تركيا لديها التاريخ وعدد السكان والمستوى المتوسط من النمو الاقتصادي والتماسك الوطني والتقاليد العسكرية والكفاءة لكي تكون دولة مهمة، ولكن أتاتورك حرم الجمهورية التركية من أن تؤدي مثل هذا الدور، بعد أن حدد ملامح هذه الدولة بنظامها العلماني. وعند نقطة ما، يمكن لتركيا أن تكون مستعدة للتخلي عن دورها المحبط والمهين، وهي تتوسل إلى النادي الأوروبي الغربي، وأن تستأنف دورها التاريخي الأكثر تأثيراً كمتحدث رئيسي باسم الإسلام. لذا، عليها أن تتخلى عن العلمانية كشيء غريب عن وجودها، وبالتالي تحول نفسها من دولة منبوذة في حضارتها إلى دولة زعيمة لها، ولكنها لكي تفعل ذلك، لا بدَّ لها من أن تتخلى عن تراث أتاتورك، وعلى نحو أشمل مما تخلت به روسيا عن تراث لينين، كما عليها أيضاً أن تجد زعيماً بحجم أتاتورك يجمع بين الدين والشرعية السياسية، ليعيد بناء تركيا وتحويلها من دولة ممزقة إلى دولة مركز".

هذا ما قاله صموئيل هنتنغتون في كتابه "صدام الحضارات" الصادر في العام 1996، أي قبل 6 سنوات من استلام حزب "العدالة والتنمية" بزعامة إردوغان السلطة بعد انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2002، وكان أحمد داوود أوغلو، مؤلف كتاب "العمق الاستراتيجي"، مستشاراً له منذ البداية، ليذكره بين الحين والحين بأمجاد الإمبراطورية العثمانية وما سبقها من تاريخ قديم لأجداد الأتراك، من أمثال جنكيز خان، مؤسس الإمبراطورية المغولية، وتيمور لينك (قام بغزو دمشق ثم مصر)، وهولاكو (دمر بغداد)، وصولاً إلى السلطان سليم الذي قام بغزو سوريا، ليصل عبرها إلى فلسطين، ثم مصر، ويعود منها خليفة للمسلمين في كانون الثاني/يناير 1517. وإحياءً لذكراه، أدخل إردوغان الجيش التركي إلى سوريا في 24 آب/أغسطس 2016، أي بعد 500 سنة بالتحديد على انتصار سليم على المماليك في معركة مرج دابق، وهي على بعد 50 كم من جرابلس، والسؤال: لماذا هذه المقدمة؟

بعد استلامه السلطة نهاية العام 2002، ولكن بشكل خاص بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية في العام 2014، ثم تغييره للنظام السياسي برمّته في نيسان/أبريل 2017، ليصبح الحاكم المطلق للبلاد، لم يتأخر إردوغان في تحقيق تمنيات هنتنغتون الذي توقع لتركيا "أن تعود إلى ماضيها العريق"، فقد ابتعد عن أوروبا، وراح يستفزها ويتحداها، وسعى للتخلص من إرث أتاتورك العلماني سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وهو على وشك أن يحقق أهدافه، وأخيراً جمع بين الدين والشرعية السياسية، ليعلن نفسه "حامي حمى الإسلام والمسلمين في العالم"، بعد أن قال إنه "امتداد لكل الحضارات والإمبراطوريات التركية العثمانية". وقد بنى لنفسه قصراً شتوياً، وهو على شكل خيمة، في المكان الذي دخل منه ملك السلاجقة آلب أرسلان أرض الأناضول في العام 1071، بعد معركة مالازغيرت التي هُزم فيها البيزنطينيون.

سياسات إردوغان في المنطقة العربية يمكن أن نراها في هذا الإطار، وهو ما تحدث عنه شخصياً، وأكثر من مرة، متغنياً بأمجاد السلطنة والخلافة العثمانية، ومن دون أن يهمل الحديث بين الحين والحين عن دور بلاده في التصدي "للمد الإيراني الفارسي الشيعي في سوريا والعراق والمنطقة"، وهو ما قاله في مقابلته مع قناة "الجزيرة" في 19 نيسان/أبريل 2017، وقبل 10 أيام من القمة الأطلسية في إسطنبول، التي أكد فيها أيضاً ضرورة التصدي لهذا المد، وهو ما كرره في مقابلته مع قناة "RTP" البرتغالية في 14 حزيران/يونيو 2017.

كلّ ذلك على الرغم من اتّفاقه مع روسيا وإيران على حل الأزمة السورية في إطار ما يسمى مسار أستانة (كانون الثاني/يناير 2017) وما ترتب عليها من اتفاق سوتشي. وقد حقّق إردوغان من خلالهما معظم أهدافه في سوريا، وعبرها في ليبيا والمنطقة العربية عموماً، وبدعم من حركات "الإسلام السياسي" وفصائلها المسلحة المختلفة. واستفاد إردوغان من كلّ ذلك لتحقيق انتصاراته التكتيكية على روسيا في القوقاز عبر تحالفاته العسكرية مع جورجيا وأذربيجان، وفي البحر الأسود مع أوكرانيا ورومانيا وبلغاريا، وفي البلطيق مع لاتونيا ولاتفيا، وفي البلقان مع ألبانيا والبوسنة وصربيا وهنغاريا، وهي جميعاً في الخندق المعادي لموسكو.

حول خطر "النزعة التوسعية التركية على وحدة أراضي روسيا وأمنها"، قال قسطنطين سيفكوف، نائب مدير الأكاديمية الروسية، "إن السياسة الخارجية التي تطبقها القيادة التركية باتت تشكل تهديداً مباشراً لوحدة أراضي روسيا. وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية التركية حتى الآن لا تهدد المصالح الصينية بشكل مباشر، فإنّ توجهها سيؤدي حتماً إلى صدام بين تركيا والصين في ساحات مختلفة، بما فيها أفريقيا".

القلق الروسي، ومعه الصيني، من سياسات الرئيس إردوغان الّذي يحمي إدلب التي يتواجد فيها الآلاف من مقاتلي الشيشان والإيغور وغيرهم من مواطني الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى، يبدو واضحاً أنه سيكتسب طابعاً جديداً ومثيراً مع احتمالات التدخل أو التواجد التركي في أفغانستان عبر الوسيطين القطري والباكستاني، حليفي واشنطن...

قد يكون إردوغان أول من سيعترف بنظام "طالبان" بعد الإعلان عنه رسمياً، كما سيحاول زيارة كابول قبل أي زعيم آخر، بعد أن يعد "طالبان" بمساعدات واسعة وشاملة، وفي جميع المجالات (بتمويل قطري)، متحدياً بذلك مساعي صينية مماثلة، ما دام يعتقد أنه الأكثر حظاً بسبب علاقاته مع الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في آسيا الوسطى والمجاورة لأفغانستان.

وسيستغلّ إردوغان أيضاً علاقاته السابقة عندما كان مساعداً للزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، ورئيساً لبلدية إسطنبول مع قيادات طالبانية مختلفة، ومنها قلب الدين حكمتيار ونجل الرئيس الأسبق برهان الدين رباني وآخرون من المؤثرين الآن في كابول.

إردوغان الذي يتغنى دائماً بتاريخ أجداده الذين أقاموا إمبراطوريات عظمى أخافت الصين التي بنت سدها المنيع لمواجهتها، يستذكر أيضاً كيف سيطرت هذه الإمبراطوريات على مساحات واسعة في آسيا الوسطى التي انطلقت منها القبائل التركية الأولى شمالاً وغرباً وحتى أواسط أوروبا.

إردوغان الّذي يراقب التحركات الروسية والصينية والإيرانية على طريق إقامة وتطوير علاقات من نوع جديد مع نظام "طالبان" الجديد في كابول سوف يستنفر كلّ إمكانياته بدعم من حلفائه إقليمياً ودولياً لمواجهة تحركات الثلاثي المذكور. وسيحظى هذا التحرك التركي من دون أيّ شك (كما كان في المنطقة العربية) بدعم مطلق من واشنطن التي لن تقبل لأعدائها التقليديين، أي الصين وروسيا، ومعهما إيران، أن يملؤوا فراغ الهزيمة الأميركية في أفغانستان، وقريباً في العراق.

ويبقى الرهان على السلوكيات الجديدة لقيادات "طالبان"، التي إن استخلصت الدروس والعبر من كلّ الذي عاشته خلال السنوات العشرين الماضية من الاحتلال الأميركي والأطلسي، فالحظ لن يحالف إردوغان في تنفيذ مخططاته ومشاريعه في هذا البلد الاستراتيجي بكل مقوماته.

أما إذا عادت قيادات "طالبان" إلى نهجها التقليدي دينياً وطائفياً، وتجاهلت حقائق أفغانستان الداخلية والخارجية، فلن يتأخّر إردوغان في استغلال كل صغيرة وكبيرة من التطورات المحتملة، ليكون له هناك موطئ قدم يعود منه إلى الوطن الأول للأتراك، ليساعده ذلك على إحياء ما تبقى له من ذكريات التاريخ، من جنكيز خان إلى هولاكو وتيمورلنك وآلب أرسلان وسليم، وآخرهم السلطان عبد الحميد، الذي خسر خلال 33 عاماً من حكمه كل ما كسبه أجداده.

ويبدو أنَّ إردوغان الذي يسكن في قصر عبد الحميد في إسطنبول يسعى لاسترجاع كل ذلك، وإلا لما قال الأسبوع الماضي: "إذا كنت تريد السلام، فكن مستعداً للحرب دائماً"، وهو ما يفسر تواجد حوالى 15% من الجيش التركي في مهمات خارجية، بحسب تقديرات قسطنطين سيفكوف.