kayhan.ir

رمز الخبر: 133885
تأريخ النشر : 2021July04 - 20:09

15 عاماً على انتصار تموز: مرحلة ما قبل الحسم

وسام ابو شمالة

يعدّ انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة "حزب الله" على "إسرائيل" في معركة تموز/يوليو 2006 تحولاً مهماً في تاريخ الصراع مع العدو. هذه المعركة كانت المواجهة الأولى بين المقاومة اللبنانية و"إسرائيل"، بعد طرد العدو من الجنوب اللبناني في العام 2000، بفعل الاستنزاف الذي نفّذته المقاومة، ما أجبر العدو على الاندحار مخزياً تحت ضرباتها.

كما أنها المواجهة الأولى التي أخذت نمط الحرب العسكرية بين المقاومة الإسلامية في لبنان والعدو، والتي امتدت لنحو 21 يوماً، واستخدم فيها العدو مختلف أدواته وقدراته العسكرية، وهي المعركة الأولى في تاريخ الصراع مع العدو التي تخللها اجتياح بري لـ"الجيش" الصهيوني، والتي انتهت بانسحابه بمجرد وقف إطلاق النار، على غير عادة الحروب التي خاضتها "إسرائيل" مع الأنظمة العربية منذ النكبة الفلسطينية/العربية في العام 1948 وحتى معركة تموز/يوليو 2006.

وتعتبر المعركة الاختبار الأول للجبهة الداخلية الإسرائيلية على تحمل حروب طويلة نسبياً. وقد أثبتت المعركة أن البنيان الداخلي للعدو هش، وأنه خاصرته الأضعف "وبطنه الطرية".

أفشلت حرب تموز العقيدة العسكرية الصهيونية التي ترتكز على الحرب الخاطفة والحسم السريع ونقل المعركة إلى "أرض العدو"، وذلك للحفاظ على تماسك جبهته الداخلية، وهو ما أحبطته المقاومة، إذ نقلت المعركة إلى عمق العدو، وضربت صواريخها مدنه ومواقعه، وانتهت المعركة من دون أن يحسمها العدو لمصلحته، وفشل في تحقيق أهدافه منها.

لست في صدد استعراض ما حققته المقاومة من إنجازات ومزايا في معركة تموز 2006، فقد تناولته العديد من الكتابات، ولكن ثمة إشارات مهمة إلى عدد من السوابق التي ثبتها المعركة، على اعتبار أنها بداية لسلسلة من المعارك التكتيكية قبيل اشتعال المعركة الاستراتيجية على طريق حسم الصراع مع العدو.

خلال 15 عاماً، وبعد معركة تموز 2006، خاضت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بقيادة حركة "حماس" 4 مواجهات عسكرية، آخرها معركة "سيف القدس" في أيار/مايو 2021. ورغم أن العدو لم يستطع حسم أيّ من تلك المعارك، فإن الفارق بين أداء المقاومة الفلسطينية في المواجهة الأولى، "معركة الفرقان" 2008/2009، والمواجهات التالية: "حجارة السجيل" 2012، و"العصف المأكول" 2014، و"سيف القدس" 2021، يعدّ فارقاً لافتاً، يعكس تطور أداء المقاومة من حيث المقدرات والتكتيكات العسكرية، وكثافة النيران وتنوعها، وقيادة مسرح العمليات، والتحكم والسيطرة، والعمل الاستخباري والأمني، والتنسيق بين مكونات محور المقاومة، إلى جانب التحولات الاستراتيجية التي عكستها معركة "سيف القدس"، المتمثلة بجرأة المقاومة على المبادرة بالهجوم العسكري على عمق العدو، والانتقال من مرحلة المعارك الدفاعية إلى مرحلة المعارك الهجومية والمباغتة بالضربة الأولى، وهو القرار الذي فشل العدو في قراءته، واعتبر فشلاً استخبارياً استراتيجياً، شبّهه الخبراء الصهاينة بفشل المخابرات العالمية في توقع انهيار الاتحاد السوفياتي في بداية تسعينيات القرن الماضي.

التحول الآخر هو إحباط مخططات العدو بعزل المقاومة وشغلها عن قضاياها الوطنية، تحت وطأة الحصار وسياسة الخنق الاقتصادي، وبالتالي فشله في تحويل الأداة العسكرية للمقاومة من أداة للتحرير والدفاع عن شعبها وقضاياه وثوابته إلى أداة لتحقيق أهداف داخلية ثانوية، مثل الانشغال بالمشكلات الداخلية، والحفاظ على مكتسبات الحكم، وتحسين حياة الناس، وتخفيف إجراءات الحصار فحسب.

المتغير الأبرز هو الحراك الوطني الشعبي غير المسبوق لما يقارب مليوني فلسطيني داخل الأراضي المحتلة العام 1948، والذي تفجر غضباً ضد قوات الاحتلال، بسبب جرائمه في القدس والمسجد الأقصى وعدوانه على قطاع غزة، ما عكس الهوية الجمعية للشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده.

 

المعارك الخمس التي خاضتها المقاومتان الفلسطينية واللبنانية، منذ تموز/يوليو 2006 وحتى أيار/مايو 2021، تعد تجارب بالنار الحي ونماذج عملياتية، راكمت فيها المقاومة خبرة قتالية وميدانية مكنتها من تحسين أدائها في كل جولة، وتطوير مقدراتها العسكرية خلال الفترة بين المعارك، وأحبطت خلالها سياسة العدو بقضم مقدراتها ضمن خطته التي سميت "مبم"، أي المعركة بين الحروب، الهادفة إلى تدمير مقدرات المقاومة وتحقيق الردع، وهو ما ثبت فشله في المواجهة الأخيرة "سيف القدس".

بناء حلف المقاومة (حلف القدس) يزداد قوة وصلابة وتماسكاَ وتفاهماً مع كل إنجاز تحققه المقاومة في مواجهة العدو. ويعدّ انتصارا تموز/يوليو 2006 وأيار/مايو 2021، وما بينهما من مواجهات ومعارك، دليلاً على فاعلية المحور وقدرته على تحقيق أهداف مهمة، أبرزها تطوير قواعد الاشتباك، وتحقيق توازن ردع مع العدو، وإحباط رغبته في القتال، وخصوصاً القتال البري، وتحقيق نصر على صعيد الوعي، وقضم مكانة العدو الاستراتيجية، وتحويل "إسرائيل" من حليف وظيفي يحقق مصالح الغرب الرأسمالي، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، إلى عبء على مصالح تلك الدول في المنطقة، وهو ما عكسته آراء عدد من النخب الأميركية، وتزايد النظرة السلبية لدى الرأي العام العالمي تجاه "إسرائيل"، وهو ما أكده ستيفن والتز في مقال له في أيار/مايو 2021، والذي يعد أحد أبرز خبراء العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأميركية، إذ دعا فيه إلى إنهاء العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"؛ لأن أعباءها أصبحت تفوق مكاسبها.

خلال 15 عاماً، تمكّنت المقاومة من بناء محور قوي في المنطقة على قاعدتين مركزيتين؛ الأولى، مقاومة "إسرائيل" كعدو استراتيجي مشترك يهدد مصالح كل أطراف المحور والمنطقة عموماً، والأخرى، تحرير فلسطين واستعادة بيت المقدس، كهدف استراتيجي موحد، باعتباره واجباً مقدساً للأمة جمعاء، وفي مقدمتها محور المقاومة.

 

 هاتان القاعدتان يجب أن تذوب فيهما الاعتبارات الجيوسياسية والطائفية والمذهبية، وهما لا تتطلبان استحقاقات ومواقف وسياسات متشابهة الى حد التطابق، بل تحتاجان إلى التفاهم حولهما في إطار التنسيق والعمل المشترك.

تلك المكتسبات يجب أن يعززها محور المقاومة بضم المزيد من المكونات السياسية والوطنية إليه على امتداد الأمة الاسلامية، وهو ما يتطلب بدء معالجات جادة من كل الأطراف، ارتكازاً على قاعدتي العداء "لإسرائيل" وتحرير فلسطين. وهناك أطراف وازنة في المنطقة عليها بذل مزيد من الجهود لتحقيق هذا الهدف.

المقاومة الفلسطينية تعتبر رأس الحربة لمحور المقاومة، وهو ما يتطلب توفير المزيد من الموارد والإمكانيات المالية والعسكرية لها، وخصوصاً بعدما أثبتت إرادتها العالية في القتال وقدرتها على اتخاذ القرارات الصعبة بمستوى المبادرة إلى المعركة والهجوم، والاستعداد لتحمل تكاليفها الباهظة.

لقد حقّق انتصار تموز/يوليو 2006 والمعارك التي تلته مزيداً من الاستنزاف للعدو والقضم من مكانته، وكشفا نقاط ضعفه، وطورا قواعد الاشتباك معه وكيّ وعيه. وقد عززت معركة "سيف القدس" من هشاشة العدو، وإمكانية كسره وهزيمته، واستعادة الوعي الجمعي الفلسطيني والقومي والإسلامي، وكسرت حاجز الخوف والتردد، وكشفت عورات حلف التطبيع، وعززت مكانة حلف القدس ومحور المقاومة.

 أما مرحلة ما بعد "سيف القدس"، فيجب أن تتركز على الإعداد والاستعداد لمعارك الحسم مع العدو على طريق هزيمته استراتيجياً، وتحرير فلسطين، واستعادة الأرض العربية المسلوبة، الأمر الذي يتطلب رفع جهوزية محور المقاومة، ومضاعفة الدعم والإسناد للمقاومة في فلسطين، ومشاركة كل أطراف المحور في معارك الحسم، والبدء بمسارات تعالج قضايا الأمة، لضم المزيد من القوى والمكونات في إطار حلف القدس والمقاومة والتحرير.