kayhan.ir

رمز الخبر: 132444
تأريخ النشر : 2021June09 - 20:18

تركيا والنهج الاستعماري الجديد

 

الوقت- في السنوات التي تلت عام 2011، اتبعت الحكومة التركية، بقيادة رجب طيب أردوغان، نهجًا عدوانيًا في السياسة الخارجية، كما يتضح ذلك من الحملات العسكرية للجيش التركي بعد عام 2016 في شمال سوريا والعراق، وحتى إرسال مرتزقة تحت إمرته إلى ليبيا، ثم تدخل واسع النطاق في حرب ناغورنو كاراباخ.

وتسعى مقاربة تركيا الجديدة في السياسة الخارجية، والمعروفة باسم عقيدة "العثمانية الجديدة"، إلى إحياء الحدود السابقة للإمبراطورية العثمانية، بناءً على الميثاق الوطني.

وفقًا لـ "الميثاق الوطني" الذي تبنته الدولة العثمانية عام 1920، ستكون ست محافظات عراقية حالية هي دهوك وأربيل وحلبجة والسليمانية والموصل وكركوك، وفي سوريا أجزاء من محافظات حلب وإدلب والرقة ودير الزور، وكذلك أجزاء من جيران تركيا الآخرين مثل بلغاريا واليونان وجورجيا وأرمينيا وجمهورية أذربيجان، وحتى إيران بما في ذلك مدينتي ماكو وتشالدران في شمال محافظة أذربيجان الغربية، جزءًا من الدولة التركية الجديدة. بالطبع، في معاهدة لوزان عام 1923، تأسست تركيا داخل حدودها الحالية.

على الرغم من أنه يكاد يكون من المستحيل تطبيق الميثاق الوطني على الأرض بالنظر إلى المعادلات الإقليمية والدولية، ولكن اتبعت أنقرة خلال السنوات القليلة الماضية نهجًا عدوانيًا لاحتلال مناطق مختلفة في شمال سوريا والعراق، وحتى وجود قوي في ليبيا.

وهكذا، شهدنا نهجًا استعماريًا تركيًا في الأراضي التي تحتلها تركيا في العراق وسوريا وليبيا، يقوم على الاستحواذ على المياه والتربة والهوية والمنتجات الزراعية والأراضي والنظم البيئية وما إلى ذلك، في المناطق التي يحتلها جيش هذا البلد.

وبالإضافة إلى سياسة التغيير الديموغرافي والاستحواذ على الأراضي، فإن نهج تركيا الاستعماري يشمل أيضًا السيطرة على الطبيعة، والتي نناقشها في هذا المقال في شكل ثلاثة محاور محددة: العراق وسوريا وليبيا.

محاولة تركيا نهب الثروة والهوية في سوريا

احتلت تركيا لأول مرة مناطق بين أعزاز وجرابلس في شمال محافظة حلب في 24 كانون الأول 2016، كجزء من عملية درع الفرات.

ثم في 20 كانون ثاني 2018، احتل الجيش التركي كانتون عفرين شمال غربي سوريا في إطار عملية غصن الزيتون.

وفي الموجة الثالثة من احتلاله، أطلق الجيش التركي في 9 تشرين الأول 2019 عملية نبع السلام لاحتلال مناطق شرقي نهر الفرات. وفي جميع أنحاء هذه المناطق المحتلة من قبل أنقرة، هناك أدلة على أن البلاد قد شهدت تغيرًا في الهوية والتحول الديموغرافي.

لكن في النهج الاستعماري الجديد لتركيا، سعى المرتزقة التابعون لها إلى امتلاك الأراضي الزراعية. في نفس السياق وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد شنت عناصر من فصائل مسلحة موالية لتركيا المعروفة بفرقة الحمزة والجبهة الشامية هجمات عنيفة في الآونة الأخيرة على أهالي ريف حلب الشمالي، للسيطرة على أراض زراعية بين قرية "استير" وبلدة "عفرين".

إضافةً إلى ذلك، تشير تقارير إعلامية محلية إلى أن الحكومة التركية ومرتزقتها الإرهابيين قد نهبوا خلال العامين الماضيين منتجات الزيتون وزيت الزيتون في منطقة عفرين ومحيطها بريف حلب الشمالي، وقاموا بتصديرها إلى الأسواق الأمريكية من قبل شركات تركية مملوكة للدولة.

حتى أن صحيفة "زمان" التركية اليومية تؤكد أن الشركات التركية وافقت على تصدير 90 ألف طن من زيت الزيتون كمنتج تركي إلى الولايات المتحدة، لكن هذا المنتج ينتمي إلى عفرين في الأساس.

ويأتي كل هذا النهج الاستعماري لأنقرة في وقت تشير فيه جميع الأدلة والتقارير إلى أنه خلال العامين الماضيين، وضعت تركيا ومرتزقتها على جدول أعمالهم نقل نساء كرديات من عفرين بسوريا إلى ليبيا كعبيد جنس لمسلحين تدعمهم أنقرة.

كذلك، بعد احتلال عفرين، وردت تقارير عن الإتجار بالأعضاء البشرية من قبل المليشيات المتحالفة مع أنقرة. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقارير الواردة من منظمات حقوق الإنسان إلى التغيير الديموغرافي، وإزالة الغابات، والجهود المنظمة لتغيير الهويات وما إلى ذلك.

هجوم أنقرة على طبيعة العراق ونظامه البيئي

إضافة إلى سوريا، لوحظ مؤخرًا النهج الاستعماري للجيش التركي في المناطق المحتلة من العراق أيضًا. حيث نفذت أنقرة العام الماضي ثلاث عمليات عسكرية في شمال العراق، بذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني.

في 15 حزيران 2020، أطلقت تركيا عملية "مخلب النسر" بإرسال كوماندوزها إلى منطقة حفتانين في شمال العراق. وفي 17 حزيران/يونيو 2020، بدأت عملية "مخلب النمر"، وفي العملية الثالثة في 23 نيسان 2021 تحت عنوان مخلب "البرق" و"الصاعقة"، تعرضت جبال محافظة أربيل للهجوم.

ومع ذلك، تشير الدلائل مؤخرًا إلى أن الجيش التركي قد وضع على جدول أعماله قطع الأشجار على نطاق واسع في الأراضي المحتلة، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ النظام الدولي.

حيث لم يسبق لدولة ما أن تدمر النظام البيئي والطبيعة من خلال الغزو العسكري لأراضي دولة ثالثة تتمتع بالاستقلال والسيادة. وقد أثار ذلك احتجاجات قوية من "بيكرد طالباني" وزيرة الزراعة والموارد المائية في حكومة إقليم كردستان العراق، ونظيرها "محمد كريم الخفاجي" في الحكومة المركزية العراقية.

كما ندَّد مسؤولون عراقيون، في بيان، بإجراءات الجيش التركي ووصفوها بغير الحضارية، وعلامةً على العداء لطبيعة العراق وبيئته، وجريمةً ضد بيئة المنطقة.

ليبيا.. الموطن الجديد لنهج أنقرة الاستعماري

إضافة إلى سوريا والعراق، لفتت الإجراءات التركية في ليبيا انتباه المراقبين السياسيين كنهج جديد للاستعمار.

يستند نهج تركيا الاستعماري في ليبيا إلى أن أنقرة تمتلك حصةً كبيرةً من العقود والامتيازات القائمة في ليبيا في مجال الطاقة والاقتصاد والتنمية، بناءً على الوجود العسكري المباشر.

وهناك أدلة كثيرة على أن الحكومة التركية وقعت عقودًا مختلفة في السنوات الأخيرة، لتسهيل وجود الشركات التركية في ليبيا. ومع وضع هذا في الاعتبار، يمكن تقديم بعض المظاهر الواضحة في وصف النهج الاستعماري لتركيا.

على المستوى الأكثر أهميةً، خلال العامين الماضيين، زعمت تركيا وأردوغان شخصياً بأن أنقرة هي الوحيدة التي يمكنها استغلال واستخراج معظم موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط؛ وتستند في ذلك في الأساس إلى الاتفاق مع حكومة فايز السراج بطرابلس، الذي اعترضت عليه دول مختلفة.

في الواقع، في ديسمبر 2019، وقعت الحكومة التركية اتفاقيةً مع حكومة الوفاق الوطني الليبية بقيادة فايز السراج، لاستكشاف البحر الأبيض المتوسط. وأساس حجة الحكومة التركية هو أن الجهات الفاعلة الدولية الأخرى لم تعد قادرةً على إجراء عمليات الحفر والاستكشاف في هذه المنطقة.

وعلى وجه التحديد، لا يُسمح للجزء اليوناني من قبرص ومصر والكيان الإسرائيلي واليونان ببناء خط أنابيب نقل الغاز من هذه المنطقة، دون الحصول على إذن من تركيا.

بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقية اقتصادية بقيمة 16 مليار دولار بين الحكومة الليبية وتركيا في عام 2020، والتي بموجبها سيتم استئناف استكمال مشاريع البناء واسعة النطاق في ليبيا، والتي كانت قد توقفت بسبب الحرب. وهذا المشروع هو جزء فقط من التعاون الاقتصادي بين تركيا وليبيا لاستكمال 184 مشروع بناء ضخم.

في الواقع، تقدم هذه الصفقة دليلاً على أن أردوغان كان يطمع في 67 مليار دولار من الأصول المجمدة للحكومة الليبية في أعقاب سقوط القذافي.

حتى أن أردوغان أكد مرارًا خلال العام الماضي على عزم بلاده في احتلال المناطق الغنية بالنفط في ليبيا، بالإضافة إلى الهيمنة على حقول الغاز في البحر المتوسط. وقد دفع هذا الأمر العديد من الخبراء إلى الاعتقاد بأن أنقرة، بقيادة أردوغان، لديها خطة واضحة وطموحة للسيطرة على حقول النفط الليبية.