kayhan.ir

رمز الخبر: 131342
تأريخ النشر : 2021May19 - 20:46

"سيف القدس".. ملامح بداية النهاية

 

عادل الجبوري

   تؤشر التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة إلى جملة حقائق ومعطيات لا يمكن التغاضي والتغافل عنها، اذا أدرنا أن نصل الى فهم موضوعي لمجريات الأمور وتفاعلاتها وتداعياتها وآثارها اللاحقة.

   الحقيقة الأولى، تتمثل في أن التصعيد الأخير ارتبط بإقدام الكيان الصهيوني على انتهاك حرمة المسجد الأقصى ومنع المسلمين من أبناء الشعب الفلسطيني من دخوله واداء الصلاة فيه، ومعروف أن المسجد الأقصى يحظى برمزية دينية ومعنوية كبيرة لدى عموم المسلمين باعتباره يمثل قبلتهم الأولى.

   والحقيقة الثانية، هي أن الانتهاك الأخير للمسجد الأقصى لم يكن الأول من نوعه، وأغلب الظن أنه لن يكون الأخير ما دام الكيان الصهيوني قائمًا بكل سلوكياته وممارساته الدموية الإجرامية، ولعل مشاهد التدمير والقتل الأخيرة تثبت هذه الحقيقة.

   الحقيقة الثالثة، تتمثل في أن ما يجري حاليًا يؤكد بما لا يقبل الشك والغموض فشل كل مشاريع التطبيع والصلح والتسويات المذلة بين بعض الأنظمة السياسية العربية والكيان الصهيوني، لعدم توفر الأرضيات والظروف المناسبة، والتي أساسها هو الوجود الشاذ وغير الشرعي للكيان الصهيوني الغاصب.

   أما الحقيقة الرابعة، فهي أن الكيان الصهيوني يعتبر كيانًا هشًا وضعيفًا وقلقًا رغم الدعم والإسناد الكبيرين له من قبل قوى دولية وإقليمية في مقابل تنامي وتزايد قوة محور المقاومة، ما يجعل موازين الصراع تتحرك وتتجه بوضوح بالضد من وجود ومصالح الكيان الغاصب ومن يقف وراءه.

  ولا شك أن هذه الحقائق تحتم على كل الأطراف المعنية - لا سيما تلك التي تراهن على أوراق خاسرة - أن تقرأ الواقع بدقة وتعيد ترتيب حساباتها حتى لا تتعرض للمزيد من الخسائر والانتكاسات، رغم أنه لم يكن غريبًا ولا مستغربًا ذلك العدوان الصهيوني على حرمات ومقدسات أبناء الشعب الفلسطيني. اذ إن التاريخ الممتد لحوالي قرن من الزمن يحدثنا عن سلسلة طويلة من الجرائم والانتهاكات الدموية التي بدأت قبل تأسيس ذلك الكيان في عام 1948.

    قد لا يحمل العدوان الصهيوني جديدًا، لأنه في واقع الأمر يعد صورة مكررة لأحداث ووقائع سابقة، ولكن الجديد في المشهد العام هو الرد الفلسطيني غير المتوقع الذي أربك حسابات العدو وخلط كل أوراقه.

   هذا التحول المهم لا بد أن يفضي إلى رسم مسارات مختلفة والتأسيس لمعادلات مغايرة، وقد راحت ملامح ومعالم هذه التحولات تتبلور وتتضح سريعًا، فـ"إسرائيل" التي توصف بأنها تمتلك الجيش الذي لا يقهر في المنطقة، باتت تترنح تحت وقع الضربات الصاروخية القاصمة للمقاومة الفلسطينية في ظل شلل شبه تام لما يسمى بالقبة الحديدية، وتخبط غير مسبوق للمؤسسات الأمنية والسياسية في تل أبيب، وفزع ورعب لا مثيل له في الشارع الصهيوني، وحيرة وقلق حلفاء وأصدقاء الكيان الصهيوني وهم يشاهدون ويراقبون هول ما يجري.

   هذه المرة، لا يبدو أن الأمور ستنتهي مثلما اعتاد الكيان الغاصب، بل إنه لن يكون بإمكانه أن يقرر إنهاء المواجهة كما بدأها هو بنفسه حينما انتهك حرمة المسجد الأقصى. فالمقاومة الفلسطينية ليست كما كانت في الماضي من حيث القوة والحضور والتأثير، والأيام القلائل الماضية أثبتت أنها رقم صعب جدًا، وأنها هي من ستوجه مسارات ومخرجات المواجهة، لا سيما وأنها تعد جزءًا من محور المقاومة، وعنوانها بارز وشاخص فيه، وهذا ما ينبغي أن يدركه الكيان الغاصب ومن يدعمه ويسانده ويتعاطف معه.

   ولعل الاسم الذي أطلقته المقاومة الوطنية الفلسطينية على مواجهتها العسكرية الأخيرة مع الكيان الصهيوني الغاصب، وهو "سيف القدس"، ينطوي على معان ودلالات عميقة، وقد أريد منه ايصال رسائل مهمة إلى زعماء الكيان الصهيوني ومن يدعمهم ويساندهم ويقف وراءهم، سواء من القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، أو القوى الاقليمية التي راحت تلهث خلف مشاريع التطبيع المذلة وتوقع على اتفاقيات الهوان دون أي شروط.

  "سيف القدس"، يشير بوضوح الى الارادة والتصميم القاطع للثأر والانتقام من الكيان الغاصب، الذي دنس حرمة المسجد الأقصى، واعتدى على أبناء الشعب الفلسطيني ومنعهم من ممارسة أبسط حقوقهم، ناهيك عن المسلسل الطويل من الجرائم البشعة التي لا تمت بأية صلة للمواثيق الدولية، ومعايير حقوق الإنسان التي أقرتها الأمم المتحدة، وتبانت عليها مختلف شعوب وحكومات العالم.

   ولعل الضربات الصاروخية المتواصلة للمقاومة الوطنية الفلسطينية خلال الأيام الماضية التي طالت مختلف المنشآت والمراكز والمؤسسات الحيوية في تل أبيب ومدن الكيان الأخرى، وألحقت بالعدو خسائر فادحة، وأوجدت في صفوفه قدرًا كبيرًا من الخوف والرعب والفزع، كانت في واقع الأمر ترجمة حقيقية لـ"سيف القدس"، الذي راح يقطع أوصال العدو الصهيوني ليجعله ينزف من كل مفاصل جسده، وليكشف بالتالي حقيقة ضعفه وخوائه وهشاشته، كيف لا والقبة الحديدية التي كان الكيان الغاصب يفتخر ويتبجح بها، فشلت فشلًا ذريعًا في التصدي لصواريخ المقاومة؟

  هل هناك رسالة أبلغ وأقوى وأوضح من رسالة "سيف القدس"؟ رغم أن سطورها لم تكتمل بعد، لكن ينبغي أن يقرأها ساسة تل ابيب ومن معهم بدقة وتمعن حتى لا يتفاجأوا ببقية مضامينها، علمًا أن كتّابًا وأصحاب رأي ومثقفين في تل ابيب، راحوا يقرأون مبكرًا ما يجري بواقعية وعمق، ويحذرون من استمرار تداعياته الكارثية، لكن يبقى أصحاب القرار من رجال السياسة والأمن والعسكر يفكرون ويخططون وفق ما يتمنون أكثر مما يشاهدون.