kayhan.ir

رمز الخبر: 108837
تأريخ النشر : 2020February07 - 20:14

حكومة علاوي.. أي فرص للنجاح في ظل التحديات؟


عادل الجبوري

أخيرًا، وبعد شهرين من استقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، تم تكليف محمد توفيق علاوي من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح بتشكيل الحكومة الجديدة، وسط أجواء ومناخات ومواقف سياسية وشعبية متضاربة ومتقاطعة ومتأزمة.

بصرف النظر عن مجمل ملابسات وسجالات الشهرين المنصرمين، فإن التكليف يعد خطوة مهمة وأساسية لحلحلة الأزمة وتفكيكها، والانطلاق نحو انجاز الاستحقاقات المطلوبة التي دعت اليها المرجعية الدينية وطالبت بها ساحات التظاهر في بغداد والمدن العراقية الاخرى طيلة الشهور الاربعة الماضية.

لم يكن متوقعًا ومنتظرًا وممكنًا، أن يتحقق اجماع سياسي وشعبي كامل على شخص معين لتولي منصب رئاسة الوزراء في مرحلة حرجة وحساسة ومعقدة للغاية. ومن الخطأ تصور أن مهمة رئيس الوزراء المكلف ستكون يسيرة وسلسة، لأن هناك ظروفًا وأسبابًا وعوامل موضوعية تفرض نفسها على كل الأجندات والحسابات والخطط والمشاريع والتصورات.

المرجعية الدينية وساحات التظاهر، وضعت جملة معايير وشروط ينبغي توفرها لمن يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، من بينها أن يكون شخصية غير جدلية، وان لا يكون من الطبقة السياسية التي ساهمت بإدارة شؤون البلاد خلال السبعة عشر عامًا المنصرمة، وأن لا يكون منتميًا لكيان سياسي معين، وليس من مزدوجي الجنسية، ويمتلك القدرة والكفاءة، ويتمتع بالنزاهة.

واذا لم يكن ممكنًا اجتماع كل تلك الشروط والمعايير بشخصية ما، فيفترض أن يتوفر الجزء الأكبر منها، حتى يوضع حد لحالة الانسداد السياسي في البلد.

وبالنسبة لمحمد توفيق علاوي، فالرجل ترشح للانتخابات البرلمانية لعدة مرات، وشغل مقعدًا برلمانيًا في أكثر من دورة، اضافة الى اشغاله منصب وزير الاتصالات في الحكومة الاولى لنوري المالكي (2006-2010)، وكذلك في الحكومة الثانية، قبل أن يختلف مع رئيسها أياد علاوي ويغادر الوزارة في أواخر شهر اب/اغسطس من عام 2012.

في مرحلة الإبعاد والنفي من قبل النظام الحاكم، كان علاوي الذي ينحدر من عائلة بغدادية ثرية، قد غادر العراق في اواخر السبعينيات، واكمل دراسته الجامعية في تخصص الهندسة المعمارية بالعاصمة اللبنانية بيروت، وتنقّل بين حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاعلى الاسلامي العراقي (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) في بدايات تأسيسه بإيران اوائل الثمانينيات، وبعد ذلك اختار العاصمة البريطانية لندن مقرا لاقامته، ليمارس من هناك نشاطاته التجارية وعمله السياسي المعارض كمستقل بهوية اسلامية معتدلة بعيدا عن العناوين والاطر الحزبية الضيقة. وقد عرف عنه اتزانه وهدوئه ونزاهته، لا سيما حينما شغل حقيبة الاتصالات.

هذه الصورة الاجمالية لسيرته الذاتية تؤشر الى أنه جزء من الطبقة السياسية السابقة والتي اختار أن يغادرها وينزوي وينأى بنفسه عن الصراع والتنافس والانغماس في اجواء الفساد الاداري والمالي لبعض أطرافها. تلك المغادرة المبكرة ـ طوعا لا كرها - ربما هي التي كان لها الدور والاثر الاكبر في طرح اسمه للمنصب ومن ثم التوافق عليه.

واذا كانت هناك جماعات في ساحات التظاهر قد تلقت نبأ تكليف علاوي بتشكيل الحكومة الجديدة بالرفض والاستهجان والاستنكار، فإن هناك مساحات شعبية اخرى ابدت ارتياحها وترحيبها الى جانب المواقف السياسية المحلية والاقليمية والدولية المؤيدة والمرحبة بالتكليف.

داخليا، يمكن ان تساهم المواقف الايجابية للقوى الرئيسية الشيعية والكردية والسنية في تسهيل مهمة رئيس الوزراء المكلف، تكملها المواقف الاقليمية والدولية المماثلة لمنظمة الامم المتحدة ولطهران وواشنطن، وعواصم اخرى ابدت ترحيبها وارتياحها عبر القنوات الخاصة، لانها لم تشأ لاعتبارات وحسابات خاصة الافصاح عن تلك المواقف مبكرا.

بيد ان الاطر والعناوين والاتجاهات العامة للدعم والتأييد، لا تمثل نهاية المطاف، بل ان هناك الكثير من التفاصيل والجزئيات التي لا يمكن تجنبها وتحاشيها والقفز عليها، هي ما سيجعل الاختلافات والخلافات تطفو على السطح.

فعلاوي، بحسب اوساط مقربة منه، يخطط لتشكيل حكومته بطريقة مختلفة تماما عن طريقة تشكيل الحكومات الست السابقة، بحيث لا تخضع للمعادلات الحزبية والطائفية والقومية، ولا تفرزها المحاصصة والمساومات والتنازلات والترضيات، في حين ان هناك مؤشرات حقيقية يعتد بها تؤكد او توحي ان بعض –او اغلب- القوى السياسية، لا سيما الكردية والسنية، ما زالت متمسكة ومتشبثة بذات المنهج، تحت ذريعة الاستحقاقات السياسية والبرلمانية، وهذا من شأنه تعقيد الامور والعودة الى نفس مساحات التأزم والانسداد والتعويق، التي بدا انه تمت مغادرتها بفعل ضغوطات الشارع وتوجيهات وانتقادات المرجعية الدينية.

من الصعب جدا على علاوي ان يتمسك بكامل رؤيته، وفي ذات الوقت من الخطأ ان يذعن ويستجيب لكل املاءات واشتراطات وضغوط الفرقاء، وما هو مؤكد او شبه مؤكد انه سيحرص على تجنب ما يمكن ان نسميه الاخطاء التي وقع فيها عبد المهدي، وانه -علاوي- سيعمل على الاستفادة من ورقة التظاهرات ومن توجيهات المرجعية الدينية للتخلص من مساومات القوى السياسية وبالتالي تقوية موقفه فيما سيقوم بفعله، خصوصا ما يتعلق بفتح ملفات الفساد وضرب بؤره ومرتكزاته الكبيرة، وفي اتخاذ الخطوات اللازمة لاجراء انتخابات برلمانية مبكرة.

فضلا عن ذلك فإن المطلوب من رئيس الوزراء الجديد، حسم ملف انهاء الوجود الاجنبي في البلاد، والحفاظ على الوحدة الوطنية وقطع الطريق امام اجندات ومشاريع التقسيم، وتفعيل الاتفاقية العراقية-الصينية، واكثر من ذلك ابعاد العراق عن ميادين وتجاذبات الصراعات الاقليمية والدولية.

كل هذه التجاذبات والاستحقاقات والمهام تبدو معقدة وصعبة وثقيلة وشائكة، مع حجم ضغوطات المطالب والوقت وقوى الدفع المعاكسة، بيد ان الانطلاقة الصحيحة والقوية والحازمة لعلاوي، يمكن ان تفضي الى نتائج طيبة ومثمرة ولو بالحد الادنى او النسبي للتوقعات والطموحات والتمنيات.