kayhan.ir

رمز الخبر: 108160
تأريخ النشر : 2020January24 - 21:48

ترامب يتزعم مشروعا تقسيميا طائفيا وعرقيا في العراق


عبد الباري عطوان

لا نعرف ما هي القاعدة التي استند إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مؤتمره الصحافي الذي عقده في منتدى "دافوس" بعد لقائه مع نظيره العراقي برهم صالح عندما وصف العلاقات الأميركية العراقية بأنها "في أفضل حال".

فالرئيس ترامب علاوة على كونه كاذب محترف، يهين الشعب العراقي باستخدام هذا "التوصيف" وهو الذي أصدر الأوامر باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وزملائهما على أرض عراقية في استفزاز غير مسبوق، وما أثارته من غضب في صفوف أكثر من 25 مليون عراقي.

لقاء الرئيس برهم صالح مع الرئيس الأميركي كان خطأ، خاصة في ظل حالة التوتر المتصاعدة بين البلدين على أرضية هذه الجريمة، مضافا إلى ذلك أن منصب الرئيس في العراق، وبمقتضى الدستور الذي هو صياغة أميركية، شرفيا، بروتوكوليا، لا يمنح صاحبه التعدي على صلاحيات رئيس الوزراء، وبحث قضايا سياسية مع أي مسؤول خارجي، حتى لو كان رئيس الولايات المتحدة، ومن عارضوا عقد هذا اللقاء يملكون حجة دستورية وأخلاقية قوية جدا في هذا المضمار، اتفق معهم البعض أو اختلف.

ربما يفيد التذكير بأن الرئيس ترامب تعمد إهانة الدولة العراقية أكثر من مرة، ووجه إلى قيادتها صفعات مؤلمة، عندما زار قاعدة "عين الأسد" غرب العراق سرا العام الماضي للاحتفال مع الجنود الأميركيين فيها بعيد الشكر، ودون أن يأخذ اذن، أو حتى يخطر هؤلاء بما فيهم السيد صالح بموعد زيارته، والأكثر من ذلك أنه رش المزيد من الملح على جرح الإهانة عندما استدعاه، وزميله عادل عبد المهدي، رئيس الوزراء للقائه على عجل في القاعدة نفسها، وكأنها تُقام على أراضي أميركية وليس عراقية، وكأن العراق دولة مشاع ليس لها سيادة، وإرث حضاري يمتد لأكثر من 8000 عام.

الرئيس ترامب تعمد لقاء السيد صالح على هامش اجتماعات منتدى دافوس، وعقد مؤتمر صحافي معه، للتأكيد على أن اللقاء ليس "بروتوكوليا"، وإنما بين حليفين لصيقين، يرتبطان بمشروع تعاون استراتيجي في العراق، ولا نستبعد أن يكون عنوانه الأبرز هو "التقسيم" على أسس عرقية وطائفية.

فاللقاءات البروتوكولية لا تبحث قضايا جوهرية مع رئيس بلا صلاحيات دستورية مثل استمرار التعاون العسكري الأميركي العراقي، وكان الأحرى بالرئيس صالح، وفي ظل ظروف العراق الحالية، ودماء الشهداء، العراقيين التي لم تجف، أن يعتذر عن عدم حضور هذا اللقاء من الأساس حرصا على الوحدة الوطنية العراقية، اللهم إلا إذا كان السيد صالح يمثل دولة أخرى غير العراق.

هناك قرار واضح وصريح صدر عن البرلمان العراقي "يُجرّم" أي تعاون عسكري مع الولايات المتحدة، وينص صراحة على طرد جميع القوات الأميركية (5200 جندي) وإغلاق القواعد العسكرية التي يقيمون فيها (18 قاعدة)، وأي اتفاق بين الرئيسين صالح وترامب على مواصلة التعاون العسكري هو انتهاك لهذا القرار البرلماني، وتحد للدولة العراقية، إلى جانب كونه استفزازا دستوريا.

الأشقاء الأكراد يصرون، أو قيادتهم، فيما يبدو على عدم الاستفادة من تجارب الخذلان الأميركية السابقة، وما أكثرها، والوقوع في الخطأ، بل الخطيئة نفسها، والتجاوب بسرعة مع أي مشروع أميركي لتقسيم العراق أو سورية وتفتيتهما، ونأمل أن لا تكون خطوة الرئيس صالح بداية الانزلاق في هذا المخطط الطائفي الأميركي الجديد.

الغالبية العظمى من الشعب العراقي تعارض الوجود العسكري الأميركي في العراق، وتقف خلف طلب رئيس وزرائها بإنهاء هذا الوجود فورا، وإذا لم يتم الالتزام بهذا الطلب، وهو المرجح، فإن المقاومة العراقية ستبدأ، إن لم تكن قد بدأت بالفعل، ولعل إطلاق ثلاثة صواريخ على محيط السفارة الأميركية في بغداد قبل يومين هو إنذار مهم يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.

المقاومة العراقية الباسلة هزمت أميركا وقائد قواتها ديفيد بترايوس وصحواته، وأجبرت القوات الأميركية على الانسحاب مهزومة من أرض العراق الطاهرة مع نهاية عام 2011 تقليصا للخسائر، ونحن على ثقة بأن هذه السابقة ستتكرر، وسنرى الرئيس ترامب مهزوما على أرض العراق، وإنما خاسرا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سائرا على خطى الرئيس جيمي كارتر.

نتمنى على الرئيس برهم صالح أن يقرأ فصول تاريخ المقاومة العراقية جيدا وبتمعن، وكذلك ما تيسر من تجارب الشعب الكردي المريرة مع الخذلانين الأميركي والإسرائيلي، ولعله يدرك حجم الخطيئة التي ارتكبها عندما التقى الرئيس الأميركي في دافوس تحديا لمشاعر أشقائه العراقيين، شركائه في الحكم والدولة.

العراق الجديد الحقيقي سينهض على أنقاض القواعد الأميركية، وسيجب كل ما قبله، ومن يقول غير ذلك لا يعرف الأشقاء العراقيين، ولا يعرف الأميركيين وهزائمهم أيضا.. والأيام بيننا.