لماذا لا يمكن التغلب على المقاومة؟
ان ما حصل في سوريا بين السابع من نوفمبر وحتى الثامن من ديسمبر الحالي حسب المتآمرين هو مقدمة اتفاق خطط لكل المنطقة وابعد من ذلك. وبالطبع أن إنجاح الهدف المخطط له هو بحث آخر، اذ تجاربنا الطويلة تجيب على هذا التساؤل. فلو دققنا لوثائق وتصريحات مسؤولين خلال ثلاثة عقود مضت نلتفت الى ان الوثائق ومسؤولي الادارات الاميركية المختلفة ترى ان بقاء السلطة المهيمنة لهذا البلد في السيطرة والتسلط الموحد على غرب آسيا، فالشرق الاوسط هو رمز بقاء اميركا كدولة مقتدرة لا بديل عنها. هذا في الوقت الذي فقدت من سلطتها الكثير حاليا. فخلال الاشهر الاخير شهدنا مع حركة تحررية تم تجديد نظر بقاء القوات النظامية الاميركية والبريطانية والفرنسية في خمس دول افريقية على الاقل وبدأ العد التنازلي لخروج هذه القوات، فيما مدار الكراهية في الشرق الاوسط لتواجد القوات الاميركية اكثر من الدول الافريقية.
ان تداول موضوع "الشرق الاوسط الجديد" قد بدأ منذ عام 1994 حتى استقر عام 2000 بشكل مشروع جامع على طاولة الادارة الاميركية، ليتم رسم سيناريو الحادي عشر من سبتمبر وحروب افغانستان والعراق وبعدها حروب اخرى واحداث ارهابية على مستوى المنطقة وابعد منها، مما يعكس هدف اميركا من تحولات في غرب آسيا.
ان القصف الممنهج لقدرات سوريا من قبل اميركا والكيان الصهيوني بعد اسقاط النظام السياسي لهذا البلد يعكس ان اهداف هذين النظامين المعتديين أبعد من اسقاط حكومة في دولة غرب آسيوية. فما يشاهد من المشروع الاميركي اعادة تشكيل منطقة غرب آسيا حسب تمكين الكيان الصهيوني الفاشل. فالحكومة الاميركية في الوقت الذي تظاهرت بمعارضتها للمجازر التي ترتكب في غزة، استمرت في مد الكيان الغاصب بقتال قوية جدا، او في الوقت الذي تتظاهر بتنسيق هدنة لايقاف حرب الكيان الصهيوني ضد لبنان، تراهن على استمرار الجرائم الاسرائيلية في لبنان ونقص قرار ايقاف اطلاق النار بشكل مكرر، وفي الوقت الذي تدعي معارضتها للاعمال الارهابية في سوريا لا تبد اي موقف حيال الهجوم الارهابي لتحرير الشام وحيال الهجمات الواسعة للكيان الغاصب في سوريا بعد تغيير الحكومة في دمشق، وحتى بعد سقوط دمشق مباشرة اعلنت انها بصدد مراجعة قضية درج هيئة تحرير الشام على لائحة الارهاب.
تأسيسا على ذلك فمن الواضح انه من وجهة نظر اميركا فان مجرد تغيير الحكومات لا تكفي وانما تصبو الى الاضعاف المطلق للدول من حيث الجانب الاقتصادي والعسكري، حتى يتمكن الكيان الصهيوني من الاستمرار في سياستها التوسعية. ففي الملف السوري بدأت اميركا بالسيطرة على المصادر الاقتصادية لسوريا في شرق البلاد، وحالت دون استفادة الحكومة من عائداتها، وثم باعمال عقوبات قيصر الشديدة، لتضييق مجاري التنفس على الحكومة والشعب السوري.
ان الحكومة السورية وبسبب الضعف المالي لم تستطع من ضخ الجيش روحياً ومادياً، وهذا كان في وقت مضى عام على تقديم اميركا مساعدات للكيان الصهيوني تقدر باربعين مليار دولار اضافة الى تقديم ما يقرب من 120 الف طن من الاسلحة والقنابل لهذا الكيان. على هذا وحتى بعد سقوط دمشق استمر الكيان في هجوم شديد جوي وبري ضد سوريا. على ذلك فانه من السذاجة ان نفسر ونحلل التحولات الاخيرة في سوريا بانه جراء هجوم مجموعة مسلحة داخلية او من رؤية سياسية جراء تطاول جارة سوريا الشمالية.
وبالطبع ان ما سيحصل عملياً في سوريا وبقية المنطقة سوف لا يصب في مذاق اميركا واسرائيل والارهابيين والحكومات التي لعبت لسذاجتها دوراً في هذه الاحداث. فالشعب السوري وخلال 50-60 عاماً الماضية كان قد وقف اكثر من شعوب اخرى في غرب آسيا بوجه اميركا واسرائيل وحكومات في جوارها والمجاميع الارهابية. فارض سوريا كانت لعقود ارض مقاومة، وان الشعب السوري اكثر رشداً من ان لا يدرك عمق المؤامرة التي تحاك له هذه الايام، وهو اكثر قدرة من ان يستسلم لهذه الاحداث.
ان هذا الشعب ولاسيما بعد احداث الايام الاخيرة قد رأى باُم عينه ان قضية اميركا واسرائيل في سوريا ليس بحجم اسقاط شخص او حزب او حكومة، انه اسقاط دولة وشعب من امنه وحيثيته.
ان الشعب السوري لا يتحمل ابداً العدوان الاسرائيلي على اراضيه وتدمير قدراته العسكرية من قبل القوات والقواعد الاميركية. انه بحاجة لشيء من الصبر كي يشهد لمستقبل سوريا ما حصل خلال سنوات 2003 الى 200 للمؤامرة الاميركية وقواتها في العراق، لاسيما وان المجتمع السوري من حيث النسيج الداخلي وتعدد القوميات والمذاهب له استعداد اكبر مقارنة بالعراق، لخلط الاوراق على المتسلطين من الخارج.
من جانب آخر فان الاحداث في سوريا تسببت اليوم في ايجاد قلق شديد في اكثر الدول الاسلامية والعراقية غرب آسيا وشمال افريقيا. سواء ان جاء في سوريا حكومة اشبه بالخلافة ـ عثمانية أو أموية ـ او حكومة علمانية تابعة لاميركا وحليفة لكيان الاحتلال، اذ ستخلق قلقاً شديداً في كل المنطقة وابعد من ذلك، وهو ما سيؤدي بالتالي لتقسيم سوريا الى عدة اقسام يستعصى على اميركا والكيان الصهيوني وتركيا من ان يوحدوها.
ان المقاومة في المنطقة ليس بالمشروع السياسي الذي اُنشئ باتفاق عدة حكومات او عدة احزاب سياسية. فالمقاومة المقتدرة هي حاجة عامة لشعوب المنطقة في مواجهة اطماع اميركا والكيان الصهيوني، وهذا لا ينتابه الخلل بسقوط حكومة. ففي سوريا اذا كان حمل المقاومة الىاليوم تتحمله حكومة او حزب فانه اليوم على اعتاق كل الشعب السوري وهذا ما لا يقبل الاسقاط.
ان الامر المهم يكمن في ان اميركا والكيان الصهيوني بما حمّلته خلال السنة الماضية على ثلاث دول عربية واسلامية ـ فلسطين ولبنان وسورية ـ وتم نقض سيادتها، يفوق ما حمّلته خلال السنة الماضية على ثلاث دول عربية واسلامية ـ فلسطين ولبنان وسورية ـ وتم نقض سيادتها، يفوق ما حمّلته في الماضي على العالم الاسلامي. ان اميركا والكيان الصهيوني في الوقت الذي يحلمان في الهيمنة على هذه المنطقة ويحاولان احياء قدراتهما السابقة، في نفس الوقت صبا على هذه الدول الثلاث وشعوبها مشاريع الحروب والتقتيل والعدوان! انه تناقض واضح. اذ ان هذه الاعتداءات وعمليات القتل ونقض السيادة سيرتد على اعادة ترميم قدراتهم اللامشروعة. فانه اي دولة عربية ورغم خيانتها فلا تتجرأ على التماهي العلني كالتطبيع مع اسرائيل بسبب الغضب العارم للشعوب. وفي الحقيقة ان ما نشاهده اليوم في غزة ولبنان وبسوريا لهو دليل قاطع على حقانية المقاومة، ولهذا السبب فان المجتمع السني والدرزي والمسيحي اللبناني وقف الى جانب المجتمع الشيعي قبال مشروع اضعاف حزب الله، ولا يقبلون من بعد بأي فرض جديد على حزب الله. كما ان الحاضنة الاسلامية والعربية في المنطقة قد وقفت متحدة قبال مشروع تغيير الوضع السياسي ـ الامني في غزة.
ان غالبية الشعوب وحكومات المنطقة يعلمون جيدا، ان المقاومة رأسمالهم قبال نقض سيادتهم الوطنية من قبل اميركا والكيان الصهيوني. فان كان الاميركيون والصهاينة وحسب تعاليمهم المعادية للاسلام يتصورون ان استعراض قدراتهم ضد سوريا ولبنان وفلسطين سيبعث على استسلام الشعوب والحكومات في المنطقة، فانهم في وهم شديد. فنظرة الى المواقف المعادية لاميركا ولاسرائيل خلال الاشهر الاخيرة من قبل الشعوب والحكومات العربية، ورغم ما عندهم من اختلاف مع حركة حماس وحزب الله وحكومة الاسد يعكس جيدا وضع المنطقة الحقيقي. فالمقاومة ليست جزءاً لا يتجرأ من هوية المنطقة وحسب بل هي في قمة الاحتياجات التي تراهن عليها الشعوب والحكومات.
ان حركة اعداء الاسلام واعداء العرب لا تبعث على انزواء المقاومة، وانما الاعداء الذين سينزوون يوما بعد آخر.
سعدالله زارعي