قرار يعمق الضغط الدولي أم؟
في زمن نفتقد فيه مراعاة القيم الانسانية، تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف في حق نتنياهو ووزير دفاعه السابق "يو آف غالانت" لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية كالقتل والاضطهاد والاغتصاب والعنف الوحشي وحرموا عمداً وعن علم السكان المدنيين في غزة من اشياء لا غنى عنها لبقائهم بما في ذلك الغذاء والماء والادوية والامدادات الطبية والوقود والكهرباء.
إن الفظائع الاخلاقية التي ارتكبها كيان الاحتلال بلغت مرتبة ان يصف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي "جوزيب بوريل" قرار المحكمة بانه تاريخي فهو قرار ملزم لكل الدول الاعضاء لانه ليس بالقرار السياسي. كما رأت منظمة العفو الدولية ان المحكمة باصدارها مذكرات التوقيف هذه تجلب اخيراً أملاً حقيقيا في تحقيق العدالة لعدد لايحصى من ضحايا الجرائم بموجب القانون الدولي.
ان المحكمة الجنائية الدولية التي اُسست الاول من يوليو عام 2002 بموجب ميثاق روما الذي دخل حيز التنفيذ في الحادي عشر من ابريل/نيسان من السنة نفسها، تعمل على وقف انتهاكات حقوق الانسان عبر التحقيق في جرائم الابادة ولذا يكون قرارها ملزما على سلطات الدول الاعضاء والبالغ عددها 124 دولة، بان يتم اعتقال المدانين وتسليمهم الى مقر المحكمة في مدينة لاهاي الهولندية. من هنا يمكن اعتبار القرار بانه تعميق للضغط الدولي على الكيان الاسرائيلي، وبالتالي فهو نصر اخلاقي للفلسطينيين، بعد 76 عاماً من الاحتلال المقيت. فهل تحركت عواطف المنظمات الدولية كي نتفاءل خيراً بان هناك بصيص أمل بحياة الضمائر، أم نقول كما قال القرآن "ولكن لا حياة لمن تنادي"؟ فالمفروض ان يكون لصدى القرار الدولي وقعه في ساحات القتال في غزة ولبنان ولكن ما هو على الارض يعكس قصفاً وحشياً منذ الخميس لجنوب قطاع غزة باستهداف منازل مدنيين بطائرات الكيان المحتل كما وقصفت مسيرات النظام اللقيط مستشفى كمال عدوان شمال القطاع ليصل عدد الشهداء الى تسعين شهيداً اضافة لتدمير مولد الكهرباء للمستشفى. واستمر القصف على لبنان ليطال فجر السبت العاصمة بيروت باستهدافها بخمسة صواريخ لتدمير مبان سكنية وحصيلة الشهداء في ارتفاع.
إن المحصلة التي نخرج منها هي عدم إنتظار أي قرار يصدر من المنظمات الدولية كما تعلمنا مدى هشاشة الاجتماعات والقمم التي تدعي مناصرة القضية الفلسطينية بالخصوص، والجولات المكوكية للدبلوماسية الاميركية لحلحلة الموقف في لبنان والنتيجة رسم خطوط خضراء لكيان الاحتلال كي يتحرك على اساسها، فهؤلاء لا يحترمون الانسان ولا يحترمون حتى انفسهم.
وبالتالي لابد ان نرد الحجر من حيث اتى وتستعد فصائل المقاومة الاسلامية لمرحلة اكثر تعقيدا لاسيما وان التهديدات الاسرائيلية قد طالت العراق كبلد له سيادته ودوره الاقليمي، في محاولة لايجاد الفرقة بين مكونات الشعب العراقي والضغط على الحكومة العراقية كي لا تسمح للفصائل المسلحة من المقاومة الاسلامية العراقية بالقيام بواجبها الديني والانساني في مناصرة القضية الفلسطينية وهذا ما صرح به اكثر من مسؤول عراقي على مستوى دبلوماسي وعسكري.
اذن فالخارطة التي رسمتها اميركا لكيان الاحتلال واضحة لذي عينين وهي يحكي تناغماً بين المواقف السياسية على مستوى التوتر في اوروبا وبين القرارات الدولية وجولة هوكشتاين الاخير للمنطقة، بأن يبذل الكيان الاسرائيلي كل ما في وسعه خلال فترة رئاسة بايدن بتصفية اي صوت للمقاومة في العراق وتدمير غزة بالكامل والوصول الى نهر الليطاني بقوة السلاح لا الاتفاقيات الدولية.
فاذا توصلنا الى قناعة مكر الغرب ومدى خبثه، سنكون ملزمين بمسابقة الزمان بالاستعداد لمعركة الحسم على جميع جبهات الاسناد، ولنعتبر من كلام امير المؤمنين عليه السلام (فو الله ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا).