العملية التي أعطت لـ 4 و 5 حزيران طعماً مختلفاً
معن بشور
لا شك في أن قلب أمتنا وذاكرتها فيهما جراح قاسية، لكن أقسى تلك الجراح هو جرح الخامس من حزيران عام 1967 حين هزم العدو مدعوماً بحليفه الأميركي ثلاثة جيوش عربية واحتلّ أرضاً في مصر والأردن وسورية ناهيك عن الضفة الغربية في فلسطين.
والجرح الآخر هو في الرابع من حزيران عام 1982، حيث نجحت قوات العدو الصهيوني في شنّ الحرب العربية ـ الإسرائيلية الخامسة على لبنان وحاصرت عاصمته حوالي ثلاثة أشهر واحتلتها بعد أن أحتلت أراضي شاسعة في جنوب لبنان والبقاع الغربي وجبل لبنان وارتكبت مجازر صبرا وشاتيلا الشهيرة…
كانت المناسبتان ثقيلتين على وجدان الأمة، وكانت الأوجاع عظيمة وثقيلة، وكان إحياء المناسبتين كلّ عام فرصة لشحذ الهمم عند المؤمنين بحتمية انتصار الحق على الباطل، وعند أعداء الأمة فرصة للشماتة ونشر روح اليأس والإحباط ضدّ عديمي الثقة بقوة الأمة ومقدراتها..
بالتأكيد كان على مدى العقود الخمسة ونيّف هناك لحظات انتصار جسّدتها المقاومة الفلسطينية بدءاً من معركة الكرامة عام 1968، والمقاومة اللبنانية منذ غزو عام 1982، والمقاومة العراقية بعد الحرب الأميركية عام 2003، والصمود السوري بعد 12 عاماً من حرب كونية استهدفت تدمير قطر عربي غالٍ على كلّ أبناء الأمة، ومواقف جزائرية نعتز بها، وبطولات مصرية يفتخر بها كلّ عربي وومضات كرامة وعزة شهدتها أقطارنا العربية جميعاً في لحظة أو أخرى، لكن ما جرى في الثالث من حزيران عام 2023 وفي معبر العوجة بين مصر وفلسطين المحتلة أعطى لهذه المناسبات طعماً مختلفاً.
فالعملية البطولية التي نفذها جندي مصري هو الشهيد محمد صلاح، في محيط العوجة على الحدود المصرية الفلسطينية وعلى مدى ساعات وأدّت الى مقتل 3 جنود إسرائيليين أعطت هاتين المناسبتين طعماً مختلفاً مغمّساً بالبطولة والشرف والكرامة…
فما جرى من عملية نوعية جاء ليكشف هشاشة أمن العدو رغم ادّعاءاته، وكشف هشاشة اتفاقات التطبيع التي عقدها الكيان مع مصر وغيرها من الكيانات العربية وليؤكد أنه إذا كان التطبيع خيار حكومات فإنّ المقاومة خيار الشعوب…
بل جاءت هذه العملية من قلب مصر الذي ظنّ العدو انه بعد 45 سنة مع معاهدة كمب ديفيد قد تمكن من إخراجها من قلب الصراع، فإذ بها مع الشهيد سعد ادريس حلاوي وسليمان خاطر وأيمن حسن، وقبلهما مع خالد جمال عبد الناصر والشهيد محمود نور الدين ورفاقهما في تنظيم ثورة مصر، وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011 يوم حرق الثوار علم الكيان الصهيوني في قلب القاهرة، لا سيّما بعد أن لعبت دوراً هاماً في تحقيق الانفراج في العلاقات العربية، وإسقاط العزلة الرسمية على سورية (الإقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة)، بل والسعي لإعادة العلاقات مع إيران وتركيا في استكمال لمشروع التكامل الإقليمي العربي الإسلامي الذي وحده يجعل من إقليمنا قوة يُحسب لها ألف حساب في عالم لا يفهم إلا لغة القوة خصوصاً حين تنتصر للحق.
إنّ فرحة الجماهير العربية والإسلامية وأحرار العالم بعملية معبر العوجة لا يعود فقط إلى نجاحها في إسقاط أسطورة الردع الصهيوني، بل أيضاً أنها إشارة الى بدء استعادة مصر دورها في الصراع بعد أن نجح كيسنجر الصهيوني قبل 50 عاماً من أن يخرجها من الصراع لأنها السمكة الكبيرة التي ينبغي اصطيادها ويبقى اصطياد الدول الأخرى كسمكات صغيرة أمراً سهلاً.
وقد أثبتت الأيام أن لا مصر سمكة يمكن اصطيادها، ولا الدول العربية، حتى الصغيرة منها، يمكن إخضاعها… فالأمة عبر وحدتها ومقاومتها قادرة لا على هزيمة الأعداء فحسب، بل على بناء مستقبل زاخر لها.