سياسة السعودية الجديدة في المنطقة والمسارات المفتوحة
رنا جهاد العفيف
ما الذي طرأ وتغيّر باتجاه سورية والمنطقة بخطى متسارعة، وبتوقيت زمني يأخذ السعودية إلى منحى جديد في استقرار السياسة المستقلة البعيدة عن الولايات المتحدة الأميركية، وماذا عن عودة سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية، إضافة إلى أهمية القمة في الرياض سواء حضرت سورية أم لم تحضر على مستوى المنطقة؟
طبعاً تتجه الأمور نحو تطورات كبيرة ومتسارعة في خضمّ التقارب السعودي مع سورية والتقارب السعودي الايراني وبالمجمل تقارب بالإجماع العربي باستثناء قطر، لا سيما أنّ السعودية تعتزم دعوة الرئيس الدكتور بشار الأسد إلى قمة الرياض، ما يمهّد لعودة العلاقات العربية ـ السورية، إضافة للقاء الرباعي الروسي الإيراني السوري التركي في موسكو، لتمهيد حلّ الأزمة…
إذن كتلة من المسارات الإيجابية منفتحة على سياسة جديدة في المنطقة تقطف ثمار المساعي التي نشهدها، وكان للصين دور هام وهو بمثابة المحرك الذي خطف الأنظار دوليا لتضاف إلى دبلوماسيتها الناشطة، وكذا دبلوماسية روسيا التي هي على خط تحقيق مصالحة تركية سورية بينهما، وفي ظلّ هذا الحراك الدبلوماسي النشط تتراجع دبلوماسية الولايات المتحدة بطريقة غير مسبوقة، ومع تقدّم سياسة المملكة العربية السعودية باتجاه سورية ربما يمكن القول إنّ سورية ستعود إلى مقعدها في الجامعة العربية، وربما قد يكون يحتاج إلى وقت بما أنّ هذا الأمر يحتاج إلى قرار كما يدّعي بعض المراقبين، لأنّ سورية عندما تمّ تعليق مشاركتها في الجامعة العربية آنذاك، اتخذ القرار بالإجماع من وزراء الخارجية العرب، لا سيما أنّ القرار الشهير كان يتسم بتعليق مشاركة دمشق في عضوية جامعة الدول، فيما اتخذت سلسلة من القرارات التي تتعلق أيضاً بالقطيعة مع سورية ودعم «المعارضة» وقطع العلاقات التجارية والدبلوماسية آنذاك كان لبنان الدولة الوحيدة التي اعترضت على القرار، واليوم اختلفت الأمور وذلك من خلال دعوة المملكة العربية السعودية لمشاركة سورية في اجتماع القمة، قد يكون ربما أنّ عضوية سورية ستعود ما لم يكن عودة دمشق إلى مقعدها في الجامعة والقرار ينتظر مؤتمر القمة الذي سيُعقد في السادس عشر من الشهر المقبل، وبالتالي هذا يؤكد على أنّ هناك سياسة جديدة من السعودية تجاه سورية، ستغيّر الكثير من معادلات المنطقة، إذ هناك أكثر من موقف للمملكلة العربية السعودية تظهره باتجاه هذا المسار وتحديداً مع دمشق قد يقول قائل ما الذي تغيّر وطرأ بهذا الشكل على نحو متساريع وبتوقيت زمني معيّن…
في حقيقة الأمر لو لم يكن هناك أرضية سابقة ومجهّزة لهذة التحضيرات، لما رأينا هذا التسارع الذي يبحث عن أسبابه الجميع، والتغييرات السعودية أو نتائج الجهود التي كانت تبذل في العام الماضي تبلورت اليوم خاصة على مستوى الطاقة، أيّ عندما زار الرئيس الأميركي جو بايدن الرياض، وكان المطلب الأميركي آنذاك فتح العلاقات السعودية مع «إسرائيل» وفشل بذلك وأخذت السعودية منحة التمايز وقامت بإعادة أو تصحيح السياسة ورسمت مستقبل للمملكة العربية السعودية بهدف الاستقرار المنبثق من القرار المستقل لماذا؟ طبعاً لمعاقبة الإدارة الأميركية على مواقفها السلبية مع القيادة السعودية، وظهرت أنيابها السياسية لإيصال رسائل عدة موجهة إلى إدارة بايدن والولايات المتحدة بالعموم، أيّ بمعنى أنّ السعودية كفت يدها بالكامل عن سياسة واشنطن، ومن ثم كانت القمة الصينية الخليجية في نهاية العام الماضي لها تأثير واضح ومثمر باعتبار الصين العدو الاقتصادي الأول للولايات المتحدة، كما تعد روسيا العدو السياسي والعسكري في المرتبة الثانية، ومع التقارب السعودي الإيراني وإعطاء الصين دور سياسي هام على مستوى المنطقة أو الاقليم، كانت السعودية تبعث برسائل جمة للولايات، كنوع من تهميش الدور الأميركي في المنطقة، وبالتالي عودة سورية إلى الجامعة العربية واردة ومطروحة لتصحيح مسار العمل العربي على مستوى الملف السوري الذي كانت السعودية دائماً متشدّدة بقراراتها على ملف عودة دمشق إلى مقعدها، وربما لا يحتاج إلى قرار بالإجماع لانّ السعودية تأخذ دور هام اليوم في رسم سياسة خارجية مختلفة يفوق حجم المحور الآخر، وقد كان لهذه المتغيّرات درجات تتماشى مع التوقيت المحدد، بالشكل والمضمون، وربما سيكتمل المشهد في حال لبّى الرئيس الأسد الدعوة الموجه له لحضور القمة العربية المقبلة في الرياض، وهو ما نقلته وكالة «رويترز» عن ثلاثة مصادر مطلعة وقبل احتضان السعودية للقمة سيكون الموعد خلال أسابيع مع زيارة دمشق لهذا الغرض، يقوم بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، كما أنّ هناك تطوراً مرتقباً يُعدّ تتويجاً للمحادثات السورية العربية، وهذا طبعاً نتاج الاتصالات المتكررة في ما بينهما بعد اتفاق بكين وقمة الجزائر، وبالتالي تكمن أهمية التطورات والمساعي في إنقاذ التصدّع العربي في المنطقة، وتصحيح ما خرّبته الحرب في سورية خاصة أنّه كان هناك من يموّل ويسلّح ويدرّب وينفذ ويخطّط ويطالب بإسقاط الدولة، وتسليم السفارات السورية إلى «المعارضة» وإلى ما هنالك من دمار كانت تترأسه الولايات المتحدة وأدواتها، واليوم السعودية قامت باتخاذ قرار الفرملة السياسية العاجلة، وهذه الخطوات يمكن وصفها بالشجاعة إن صحّ التعبير لتعيد النظر في السياسة الخارجية، وأثبتت ذلك من خلال خطواتها بتخفيض كميات النفط، وهذا لا يروق للولايات المتحدة لا سيما أنّ بايدن طالب بزيادة الضخ، وهذا يحصل لأول مرة في التاريخ، أيّ أنّ كلّ خطوات التقارب العربي في ما بينهم سيقلب المعادلات في المنطقة، وقد ينعكس في أماكن ما سلباً لأن الولايات المتحدة تعتبر منطقة الشرق الأوسط من ضمن ما يُسمّى «أمنها القومي» لما فيها من مصالح ذات أهمية كبرى وتريد المحافظة عليها، ولكن ربما هناك مسارات ستجعل واشنطن تتفرّج وهي مكتوفة الأيدي بعد اللقاء الرباعي الذي سيبحث القضايا العالقة في المنطقة لتكون المفاجئات على مستوى حجم كبار اللعبة في الخارطة السياسية الجديدة.