انسحاب روسي من خيرسون.. أي تأثيرات على العملية الخاصة في أوكرانيا؟
شارل ابي نادر
بعد أن وافق وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مؤخرًا على اقتراح الجنرال سوروفيكين القائد العام للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والذي أوصى بتفيذ إخلاء الضفة الغربية لنهر دنيبرو في منطقة خيرسون، هناك عدة اجراءات عملية منتظرة، على الروس القيام بها لاتمام تنفيذ هذا الاخلاء، والذي يمكن القول انه استثنائي. وفيما ينتظر أغلب المتابعين كيف يمكن أن يتم ذلك، هناك عدة أسئلة لا يمكن تجاوزها وهي:
ــ هل ينسحب الروس فعلًا من خيرسون، أم أنهم يناورون في ادعاء الانسحاب؟ وفي حال المناورة في ذلك، لماذا؟ ولأيّ هدف؟
ــ أي تأثيرات لهذا الانسحاب (الظاهر حتى الآن)، أولًا على جبهتهم الجنوبية في أوكرانيا، وثانيًا، على مجمل عمليتهم الخاصة في أوكرانيا بشكل عام؟
في الواقع، ولتبرير قرار الانسحاب والوضع في منطقة خيرسون، أكّد سوروفيكين لشويغو أنّ " مدينة خيرسون والمدن المجاورة لا يمكن توفيرها وتشغيلها بصورة كاملة، وحياة الناس في خطر دائم"، مشيرًا إلى أنّ "كل سكان منطقة خيرسون، وعددهم أكثر من 115 ألف شخص، غادروا منطقة القتال. عمليًا، صحيح أن أكثر من وسيلة اعلامية نقلت مشاهد حية لتحرك آليات روسية من الضفة الغربية لنهر دنيبرو في خيرسون الى الضفة الشرقية، إلا أنه لم يتم التأكد حتى الآن من أن هناك قرارًا نهائيًّا بسحب الوحدات العسكرية من تلك المنطقة، حتى أن عدّة مسؤولين عسكريين أوكرانيين أشاروا إلى أنهم غير متأكدين من صحة تنفيذ هذا الانسحاب الروسي.
طبعًا، كان من المفترض أن يعمد الأوكران إلى استغلال الاعلان الروسي عن الانسحاب من خيرسون، للتصويب على هزيمتهم وتقهقرهم، تمامًا كما استغلوا سابقًا انسحاب الروس من كييف وسومي أولًا، ولاحقًا من محيط خاركوف ومن ايزيوم وليمان ومحيطها شمال غرب لوغانسك، ولكن كما يبدو، ستكون كافة المناطق التابعة لمدينة خيرسون ومحيطها الواقعة غرب نهر دنيبرو، بقعة مناورة لكل من الوحدات الروسية والوحدات الأوكرانية بنفس الوقت، وذلك من خلال عدم اظهار أو اعتراف كل طرف بتواجد أو بتثبيت وحداته فيها، حيث إن الروس أعلنوا عن انسحابهم منها بعد أن نفذوا مناورة اخلاء كاملة للمدنيين، وبنفس الوقت، لا تشهد تلك المنطقة حشودًا جدية ومناسبة من الوحدات الأوكرانية، التي ستتجنب الدخول إليها والانتشار فيها، وأسباب ذلك يمكن تحديدها بالتالي:
هذه المنطقة مهددة بالغرق في حال تم تفجير سد نوفا كوخوفكا على نهر دنيبرو (يقع شمال شرق مدينة خيرسون بحوالي 50 كلم)، وحيث يحضن السد بحيرة ضخمة من المياه، بعد التفجير مباشرة، سوف يرتفع منسوبها عدة أمتار في المناطق الآهلة، الأمر الذي سيكون قاضيًا على أي تواجد، بالاضافة إلى أن هذه المنطقة أصبحت بعد انسحاب المدنيين منها هدفًا أكيدًا لعمليات تدمير ممنهجة ومركّزة، وكل طرف من الطرفين لديه القدرة والامكانية على تنفيذ هذا التدمير وبمستوى مرتفع، نظرًا لما يملكون من مسيّرات فعالة أو من صواريخ دقيقة مع قدرة عالية على التدمير.
أمام هذه الخصوصية أو الحساسية لمنطقة خيرسون الغربية (الواقعة غرب نهر دنيبرو)، والتي تجعل كلًّا من الروس أو الأوكران حذرين في التعامل معها عسكريًا وميدانيًا، يمكن استنتاج تأثيرات هذا الانسحاب الاستثنائي والغامض وغير الواضح على المعركة في أوكرانيا، بالتالي:
بالنسبة للروس، وفي حال تم تنفيذ الانسحاب كاملًا، سيكون للأمر تأثير سلبي فقط من الناحية المعنوية، إذ إنهم انسحبوا تحت الضغط ومن منطقة أصبحت في مفهومهم روسية، بعد أن خضعت لكل الاجراءات الإدارية والقانونيّة من استفتاء أو ضم، أما من الناحية العسكرية والميدانية، وخاصة أنهم كما يبدو نزعوا من مخططاتهم نهائيًا اكمال الهجوم غرب خيرسون، فإن معركتهم الدفاعية بمواجهة الهجمات الأوكرانية، ستصبح متماسكة أكثر على الضفة الشرقية للنهر، حيث امكانية التحصين والتثبيت أوسع وأكثر متانة، وسوف يختفي تمامًا خطر تعرض وحداتهم للتطويق غرب النهر، الأمر الوارد بقوة في حال عدم انسحابهم من وراء الضفة الغربية، اضافة إلى أنهم سوف ينجحون في توفير جهود ضخمة من غرب خيرسون، في العديد وفي العتاد، يمكن فصلها لدعم معاركهم في دونيتسك ولوغانسك.
بالنسبة للأوكران، فإن البعد المعنوي في هذا الانسحاب الروسي هو لمصلحتهم طبعًا، خاصة أن المنطقة التي تم اخلاؤها كانت قد خضعت للسيطرة الروسية منذ بداية عمليتهم نهاية شباط/ فبراير الماضي، أما من الناحيتين العسكرية والميدانية، فسيكون الانتشار في خيرسون الغربية صعبًا، بسبب خطر الغرق كما ذكر أعلاه، أو بسبب تعرضهم الأكيد للاستهداف الفعّال والعنيف من الروس، والأهم، أنهم سوف يُجبرون على الجمود غرب النهر، بسبب تماسك الدفاع الروسي شرقه، وربما هذه من الأسباب التي دفعتهم للتصريح بعدم تصديقهم صحة الانسحاب الروسي من خيرسون.
بمطلق الأحوال، ورغم أهمية المعارك الموضعية التي تجري في شرق أو جنوب أوكرانيا، وأهميّة ما يؤمنه أي تقدم ميداني لكل طرف في معركته بشكل عام، يمكن القول إن السيطرة على مناطق محددة من قبل الروس أو من قبل الأوكران، لم تعد ذات أهمية مفصلية أو حاسمة، والسبب أن المواجهة أو الحرب تخطت البعد الميداني والعسكري، لتصبح ذات بعد اقتصادي عالمي، وتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على دول "الناتو" أو دول الغرب الاطلسي بشكل خاص وعلى الغرب كاملًا بشكل عام، أصبحت كارثية وشديدة التأثير لدرجة تتسارع اليوم محاولات ايجاد تسوية شاملة توقف الحرب وتعيد التوازن إلى العلاقات الدولية بالحد الأدنى الذي يجنب العالم الدمار والانهيار الشامل.