kayhan.ir

رمز الخبر: 148906
تأريخ النشر : 2022April12 - 20:44

بداية تفكّك التنظيم الدوليّ بعد تجميد عضويّة روسيا…

 

 د. جمال زهران

أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في تصويت جديد ضدّ روسيا، قراراً جديداً بالأغلبية البسيطة، يقضي بتعليق عضوية “روسيا العظمى”، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وذلك بأغلبية بسيطة بلغت (93) عضواً، أيدوا القرار الذي طرحته أوروبا وأميركا، بينما بلغ عدد الرافضين لهذا القرار بتعليق عضوية روسيا (أيّ موافقة على استمرار عضوية روسيا)، (24 عضواً)، إلا أنّ عدد الممتنعين عن التصويت بلغ (58) عضواً، فضلاً عن امتناع عدد من الدول الأعضاء عن الحضور بلغ عددها (4) من الدول العربية. وكان مشروع القرار الذي يرمي إلى تشويه روسيا، وإلصاق تهمة تنفيذ مجزرة في ولاية (بوتشا) في أوكرانيا. في الوقت ذاته الذي تشير فيه كلّ الدلائل على أنّ القوات الأوكرانية هي التي نفذت هذه الجريمة، وسارعت بإبلاغ الغرب الاستعماري، بها، لإدارة أدوات الإعلام التابعة لأوروبا وأميركا، لإلصاقها بالدولة الروسية، بهدف تشويه صورتها عالمياً، وفض المؤيدين لتدخلها العسكري في أوكرانيا وتناسى هؤلاء في الغرب الاستعماري (أوروبا وأميركا)، أنهم صُناع مثل هذه المجازر على مرّ التاريخ وآخرها ما تمّ ارتكابه في أفغانستان، وفي العراق، وفي اليمن، وفي سورية، وجرائم عديدة منها جريمة اغتيال رفيق الحريري في لبنان بهدف إلصاق التهمة في سورية، لإجبارها على الخروج من لبنان، كما لا ينسى ما ارتكبه الأميركان في سجن أبو غريب في العراق، وسجن (غوانتانامو) في إحدى الجزر المحتلة أميركياً، وهي التابعة في الأصل لكوبا.

لكن روسيا، لم تمهل المنظمة عبر جمعيتها العامة، إصدار مثل هذا القرار الذي يحدث لأول مرة، مع إحدى الدول الدائمة في مجلس الأمن، رغم ارتكاب غالبيتهم أفظع الجرائم في التاريخ بعد تأسيس الأمم المتحدة عام 1945م، في أنحاء العالم شرقاً وغرباً!! فأصدرت روسيا قراراً حاسماً بالاعتذار عن الاستمرار في عضويّة مجلس حقوق الإنسان، وسحب عضويّتها من هذا المجلس بشكل كامل ونهائيّ!!

وإزاء ما حدث ويحدث، فإن تداعيات هذا الموقف، الذي تفجّر بعد التدخل الروسي في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، قد ترسم علامات جديدة في تاريخ منظمة الأمم المتحدة والتي ولدت في رحم الحرب العالمية الثانية، وبدأت عملها رسمياً بعد إعلان توقف الحرب، وذلك في سبتمبر 1945.

ونحن إذن أمام موقف دولي يحدث للمرة الأولى، في داخل المنظمة، وهو المتمثل في استبعاد إحدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي (روسيا) من عضوية المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. بأغلبية (93) صوتاً، مقابل 82 عضواً ضد هذه الأغلبية (24 عضواً رافضاً + 58 ممتنعاً عن التصويت). وهي أغلبية بسيطة لم تصل بعد إلى الثلثين لتنفيذ هذا القرار. إلا أن مسارعة روسيا بسحب عضويتها من هذا المجلس، يشير إلى أنّ التنظيم الدولي متمثلاً في الأمم المتحدة وأجهزتها المعاونة، بدأت تدخل دائرة التفكك، وقد تصل إلى الانهيار، قريباً، بعد ما قرب عمرها من الـ (80) عاماً! كما أنه يكمن في الخلفية فشل “عصبة الأمم” التي تكونت بعد الحرب العالمية الأولى في الربع الأول من القرن العشرين، في منع الحرب العالميّة الثانية، الأمر الذي أدّى إلى انهيارها وخروجها من الخدمة، حتى وضعت الحرب الثانية نهايتها، ويتمخّض عنها ميلاد تنظيم دوليّ جديد يتمثل في منظمة الأمم المتحدة.

فالملاحظ في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن تعليق عضويّة روسيا في مجلس حقوق الإنسان، ما يلي:

–        عدم حسم القرار بأغلبية الثلثين كما هو قائم، لينال شرعية قانونيّة، إنما صدر بأغلبيّة بسيطة تصل نسبتها 53.14% فقط!! بينما أغلبية الثلثين تصل نسبتها إلى 67% على الأقل.

–        إن مسارعة روسيا بسحب عضويتها، تفادياً للقول بأنها قد تم تعليق عضويتها تاريخياً، وفي إطار صراع دولي بين روسيا والغرب، يوماً ما، يُعتبر قراراً تاريخياً، قد يسهم في تفكيك تدريجي على خلفية أزمة أوكرانيا، لهذه المنظمة ابتداءً من مجلس حقوق الإنسان العالميّ.

–        إن خريطة تأييد مشروع القرار، ورفض القرار، والامتناع عن التصويت ضد القرار أو معه، توضح خريطة التفاعلات العالمية على خلفية التدخل الروسي في أوكرانيا، وما آلت إليه الأمور الدولية إزاء أزمة أوكرانيا. ويمكن القول إنّ هذه الخريطة باتت متغيرة منذ التصويت الأول في مجلس الأمن عند نظر أول مشروع قرار مقدم من أوروبا وأميركا ضدّ روسيا، وجميعها باءت بالفشل، ولكن المعركة الدبلوماسية تسير متوازية مع المعركة العسكرية والمعركة الاقتصادية، جنباً إلى جنب! وتحتاج إلى تحليل متعمّق لتفسير هذه التغيّرات.

وأخيراً، فإنه ليس من السهولة، النظر إلى التصويت الأخير في داخل الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، بشأن تعليق عضوية روسيا العظمى – إحدى الدول الخمس الدائمة في مجلس الأمن، في عضويّة مجلس حقوق الإنسان العالمي، على أنه مجرد تصويت عادي، على موضوع عادي، هو في النهاية غير ملزم، إنما يجب النظر إلى تداعياته على التنظيم الدوليّ حاضراً ومستقبلاً، وبعمق شديد. ويحتاج الأمر إلى المزيد من التحليل.