بين كردستان وأوكرانيا.. من يستجلب الحرب إلى أرضه؟
محمد فرج
سلسلة العقود الزمنية من التعاون الكردي - الإسرائيلي وصلت بنتائجها إلى نقاط حساسة لا يمكن تجاهلها.
عندما بدأت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعمدت وسائل الإعلام الغربية أن تصف العملية بالحرب بين طرفين؛ روسيا وأوكرانيا. حاول الأوروبي أن يظهر بمشهد الوسيط، متجسّداً في ثنائي ماكرون وشولتس، وحاول الأميركي أن يظهر في مشهد الراعي لحقوق الإنسان والحريص على أمان الطرف الثاني في الحرب، وهو أوكرانيا. في كلّ ذلك، يحاول الأوروبي والأميركي تمييع صورته كطرف أصيل في الحرب.
أدركت القيادة الروسية قبل أن تبدأ عمليتها أهمية الخطاب المشرعن لمبدأ العملية العسكرية، فوضعت هاجس التهديدات الأمنية الذي يسببه الناتو على رأس مبرراتها، وكانت حريصة على ألا يقلب أي مبرر آخر هرم موجبات الحرب ضد الناتو، بما في ذلك سنوات الاضطهاد القومي الذي تعرَّض له سكان دونباس، وموجة التطرف العاتية المتجسدة في النازيين الجدد وكتيبة آزوف وغيرها.
حوّلت السلطة الانقلابية في أوكرانيا أراضي البلاد إلى ساحة حرب، عبر الإصرار على الانضمام إلى الناتو ورفع منسوب التعاون العسكري معه، وصولاً إلى توظيف الجغرافيا والبنية التحتية في خدمة مشروع التطويق الغربي لروسيا. لم تفكّر السلطات الأوكرانية حتى بمنطق الموازنة البراغماتية بين طرفي الصراع، على الأقل لتجنيب أراضيها التحوّل إلى ساحة حرب. وبذلك، كانت تحول مطاراتها الجوية ومخازن السلاح إلى مصدر تهديد في عين موسكو.
على السكّة نفسها وأعمق وأبعد، سارت أطراف كردية في شمال العراق، مصمّمةً على تحويل أراضيها إلى ساحة حرب. بعد الضربة الإيرانية على مواقع الموساد، بدأت أوساط عراقية تغزل على وتر السيادة التي ليس هناك ما ينتهكها أكثر من وجود نقاط عسكرية وتجسسية إسرائيلية في الأرض العراقية.
قبل بالون الاختبار المتمثل بمؤتمر التطبيع في أيلول/سبتمبر الماضي في أربيل، وقبل الغزل الإسرائيلي باستفتاء الانفصال الكردي في شمال العراق، ثمة إجراءات وتراكمات عملية تاريخية تستفز الأمن القومي العربي والإيراني اليوم.
أولاً: أشرعت "إسرائيل" نافذتين لها منذ الستينيات على شمال العراق؛ الأولى عبر إيران في ظلِّ حكم الشاه، إذ تم نقل السلاح والمستشارين إلى الشمال العراقي، والأخرى تركيا إردوغان، إذ تم نقل النفط في الاتجاه المعاكس عبر ميناء جيهان.
ثانياً: في دراسة صادرة عن المركز الكندي للدراسات، فإنَّ الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003م، وضعف السلطة المركزية، وغياب أجهزة الدولة، وتحكّم الجيش الأميركي في الحدود، مهّد بيئة من الفوضى مناسبة لتدعيم العلاقات الإسرائيلية مع إقليم كردستان.
يتحدث سيمور هيرش في "النيويوركر" في العام 2004م، في مقال بعنوان "الخطة ب"، عن الهواجس الإسرائيلية من امتداد التأثير الإيراني في العراق، في حال فشل الاحتلال الأميركي، والتأثير الذي يقصده الاحتلال هو تمدد حالة المواجهة باتجاهها. يمكن القول إنّ القلق الإسرائيلي اليوم تحقّق، ولكن باستخدام تعبيرات أخرى، إنّ فصائل المقاومة العراقية شكّلت حالة تحالف متين ضد الاحتلال في إطار محور المقاومة بأكمله.
ثالثاً: سلسلة العقود الزمنية من التعاون الكردي - الإسرائيلي وصلت بنتائجها إلى نقاط حسّاسة لا يمكن تجاهلها، وبات شمال العراق نقطة تمركز استخباراتي وقواعد للحرب السيبرانية وإطلاق المسيّرات الإسرائيلية باتجاه إيران. تكتب صحيفة هآرتس أنَّ "هذا التواجد العسكري الإسرائيلي يبدو منطقياً، في إطار محاولة تقليل مسافة الاستهداف ضد إيران، سواء من كردستان أو من أذربيجان".
في الإطار السياسي:
- إنّ السلوك الكردي يشارك في محاولة التطويق الإسرائيلي لإيران إلى جانب أذربيجان، ويشبه الدور الّذي تقدمه أوكرانيا للناتو.
- منذ اللحظة التي انكشفت فيها الجغرافيا السورية لعدد كبير من اللاعبين الإقليميين والدوليين، تأسست تداعيات جديدة، ظهرت معها تحالفات جديدة وتحالفات أكثر متانةً وخبرةً وتجربةً، وبات من الدارج معها مبدأ المواجهة بين طرفين في ساحة ثالثة. ومن الواضح أن التوجهات الكردية مستمرة بمغامرة الانحياز ضد محيطها.
- مع استطراق حالة الحرب مع وقع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وربما مع مجريات محادثات فيينا، يغامر الكرد بالتمسك بالخيارات الإسرائيلية، التي تتسع الفجوة فيها مع الأولويات الأميركية والخيارات الروسية على حد سواء.
أما في الإطار التاريخي، فيحاول عدد من الأطروحات النظرية تبرير العلاقة الكردية الإسرائيلية، بزعم أنها الجامع بين طرفين "بلا وطن"، وطرفين يعيشان تراجيديا "محرقة".
لو دقّق الكرد أكثر في تاريخهم الخاص، لما صدقوا الخيالات السوريالية التي زرعها الإسرائيلي في العقل الكردي، فلا اجتثاث لمستقبلهم، ولا محرقة متخيلة في ماضيهم. أما عن مفهوم السيادة، فبعد أن فتحت الثورة الفلسطينية الباب لكارلوس من فنزويلا وكوزو أوكوموتو من اليابان، لا بديل، بعد قصف مواقع الموساد، من أن نقول "شكراً طهران"!