سرقة القرن: بايدن ينهب اموال الافغان الجياع
د. علي دربج
لا أحد في العالم يضاهي أو ينافس أو يتفوق على تفنن أميركا بصناعة الشرّ. حتى مجلدات التاريخ باتت عاجزة عن تدوين السيرة الدموية لتلك الدولة، نظرًا لفظائعها اليومية المتلاحقة من قتل واحتلالات وغزوات وتجويع للأمم والشعوب والسطو على ثرواتها ومقدراتها، وهي أصبحت أكبر من أن تعد أو تحصى، وآخرها "سرقة القرن" لأموال الشعب الأفغاني، التي أقدم عليها الرئيس الاميركي جو بايدن مؤخرًا.
كأن المجازر التي ارتكبتها واشنطن وقادتها المتعاقبون ــ باسم الحرية ــ بحق هذا البلد وسكانه لم تكف، والتي أدت الى قتل مئات آلاف من الأطفال والنساء والعجزة، وسقوط جرحى بما يفوق هذه الارقام، عدا عن تدميرها البلد وتحويله الى هيكل دولة، ها هي ادارة بايدن، تجهز على آخر شرايين الحياة في افغانستان ـــ التي يعمد أهلها الى بيع أولادهم من أجل تأمين قوت يومهم (بحسب اعترافات الامم المتحدة الشريكة في جرائم اميركا) ـــ وتضع يدها على أصولها المالية الموجودة في البنوك الأميركية والغربية.
ما هو حجم الأصول المالية لأفغانستان؟
تمتلك أفغانستان حوالي 9 مليارات دولار من الأصول في الخارج، بما في ذلك 7 مليارات في الولايات المتحدة، والباقي موجود في ألمانيا والإمارات العربية المتحدة وسويسرا. كما تشمل الأموال المملوكة للبنك المركزي الأفغاني ـ المعروف باسم بنك دا أفغانستان ـ أصولًا مثل العملة والسندات والذهب. وبالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 500 مليون دولار، تعود للمصارف التجارية في أفغانستان.
عندما تم حل الحكومة الأفغانية في آب/ أغسطس 2020 ـ مع فرار كبار المسؤولين بمن فيهم رئيسها وحاكم البنك المركزي بالوكالة من افغانستان ـ تركت وراءها أكثر من 7 مليارات دولار من أصول البنك المركزي المودعة في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
وبعد أن استولت طالبان على أفغانستان، قامت بتعيين مسؤول خاص لادارة البنك المركزي، وطالبت بالإفراج الفوري عن الأموال المحتجزة في نيويورك. غير أن العقوبات الطويلة الأمد التي فرضتها واشنطن على الحركة، جعلت من الصعب استعادة تلك الاموال، بحجة أن القوانين المالية الأميركية تحظر الدخول في معاملات مالية مع الحركة.
زد على ذلك، أن بنك الاحتياطي الفدرالي، تذرع بأنه لم يعد من الواضح من ـ إن كان أي شخص ـ لديه السلطة القانونية للوصول إلى هذا الحساب، لذا عمد الى جعل تلك الأموال غير متاحة للسحب، وكان ذلك بداية التمهيد للسرقة.
انطلاقًا من هذه النقطة، خاض مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض مداولات على مدى أشهر حول "كيفية السطو" على أموال البنك المركزي الافغاني، بمشاركة كبار المسؤولين من الوزارات بما في ذلك العدل والخارجية والخزانة.
على المقلب الاخر، كانت عائلات ضحايا ما سمي بأحداث 11 أيلول/ سبتمبر تواكب مسار الادارة الاميركية. وتحديدا في ايلول/ سبتمبر الماضي 2021 ، أقنعت مجموعة مؤلفة من حوالي 150 شخصا من أقارب ضحايا 11 ايلول ــ الذين فازوا قبل سنوات بحكم افتراضي بعد مقاضاتهم ضد جماعات مثل "القاعدة" و"طالبان" في قضية تعرف باسم "هافليش" ــــ قاضيا اتحاديا بإرسال مارشال أمريكي للقيام بالإدارة القانونية للاحتياطي الفيدرالي في نيويورك مع "أمر تنفيذي" لمصادرة الأموال الافغانية.
وليس هذا فحسب، فبعد أن تحدثت صحيفة "نيويورك تايمز" عن الأمر في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تقدم عدد من مجموعات 11 أيلول/ سبتمبر الأخرى التي رفعت دعاوى قضائية مماثلة بعد الهجمات، للمطالبة بحصة من أصول البنك الأفغاني.
خلال ذلك الوقت، كانت إدارة بايدن قد تدخلت في دعوى "هافليش"، متذرعة بقانون يسمح لها بالدخول في دعاوى قضائية لإبلاغ المحكمة بما هو في المصلحة الوطنية. وقد أجلت الموعد النهائي للاعلان عن سرقتها الموصوفة الى يوم الجمعة الفائت 11 شباط/ فبراير، بعدما كان بايدن قرر أن الحكومة الأميركية لن تعترض على أي قرار قضائي بتخصيص نصف الأموال لمطالبات 11 أيلول/ سبتمبر. أكثر من ذلك، أخبرت وزارة العدل الاميركية المحكمة أن ضحايا الهجمات يجب أن تتاح لهم الفرصة الكاملة لسماع دعاواهم.
وبناء على ذلك، وقع بايدن في 11 شباط/فبراير الحالي أمرًا تنفيذيًا يستدعي سلطات الطوارئ لتوحيد وتجميد جميع الأموال العائدة لأفغانستان البالغة 7 مليارات دولار من إجمالي الأصول التي يحتفظ بها البنك المركزي الأفغاني في نيويورك، وفيما خصص 3.5 مليار دولار لعائلات ضحايا 11 أيلول الأمريكيين، قام بنقل 3.5 مليار دولار الاخرى، إلى صندوق استئماني لدفع تكاليف جهود الإغاثة الإنسانية الفورية في أفغانستان.
كيف أباحت ادارة بايدن سرقة القرن؟
ليس غريبًا أن تستولي الحكومة الأمريكية على أصول دولة أجنبية على الأراضي المحلية. وتبعًا لذلك، ناقش المسؤولون في واشنطن القيام بعملية احتيال على القوانين الدولية، تستند الى جزأين، وذلك بهدف اجازة هذه السرقة لبايدن.
أولاً: الايعاز لبايدن باستخدامه سلطات الطوارئ بموجب بند من قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية "لتوجيه وإجبار" نقل أصول دولة أجنبية في الولايات المتحدة إلى حساب منفصل. صحيح أن هذا الاجراء من شأنه أن يمنع الأموال عن الشعب الأفغاني، لكن البنك المركزي الأفغاني سيبقى هو من يمتلكها.
ثانيًا: تداول المسؤولون بعد ذلك في اللجوء الى حيلة استعمال بند من قانون الاحتياطي الفيدرالي، يسمح بالتصرف في الممتلكات المملوكة للبنك المركزي لدولة أجنبية، طالما أنها تحظى بمباركة شخص اعترف به وزير الخارجية على أنه "الممثل المعتمد "من ذلك البلد الأجنبي.
لكن هنا واجه هؤلاء المسؤولون عقبات كبيرة، إحداها تمثلت بتحديد الشخص الأفغاني المؤهل للاقدام على هذه الخطوة الانتحارية، في وقت لم تعد فيه الحكومة الأفغانية السابقة موجودة. ولم يكشف بعد عن الحل الذي استقر عليه مسؤولو إدارة بايدن وما إذا كان سيتم الافصاح عن اسم أي شخص أو أشخاص يشاركون بهذه المهمة لأسباب أمنية، مثل تعريض أفراد أسرته في أفغانستان للخطر.
أما الأمر الآخر الذي زاد الأمور تعقيدًا، فهو أن الولايات المتحدة لا تعترف بطالبان كحكومة شرعية لأفغانستان، مما أثار التساؤل حول ما إذا كانت الأموال المملوكة للبنك المركزي الأفغاني هي أموال طالبان حقًا، وبالتالي يمكن استخدامها لسداد ديون طالبان.
هنا، لجأت إدارة بايدن الى الكذب والخداع، وادعت أنها تعرضت لضغوط سياسية داخلية لإخبار المحكمة بأنها تعتقد أن أموال البنك مرتبطة بشكل كافٍ بحركة طالبان الآن بعد أن سيطرت على ذلك البلد ومؤسساته، مما يجعل الأموال قابلة للاستيلاء عليها. وهكذا حصل، وجرت عملية السرقة بتغطية قضائية.
ردود الفعل على سرقة القرن
أثار أمر بايدن عاصفة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث كان وسم #اميركا_تنهب_أموالنا رائجًا بين الأفغان. وأشارت التغريدات مرارًا وتكرارًا إلى أن خاطفي الطائرات في 11 أيلول/ سبتمبر هم مواطنون سعوديون وليسوا أفغانًا. كما نظمت مظاهرات في أفغانستان طالبت بالتعويض عن آلاف الضحايا المدنيين الذي قتلتهم واشنطن.
بدوره، شكك المستشار المالي للحكومة الأفغانية السابقة المدعومة من الولايات المتحدة توريك فرهادي، في شرعية أوامر بايدن، مؤكدًا أن "هذه الاحتياطيات تخص شعب أفغانستان وليس طالبان".
في المحصلة، إن قرار بايدن أحادي الجانب ولا يتماشى مع القانون الدولي، إذ لا توجد دولة أخرى على وجه الأرض تتخذ قرارات المصادرة هذه بشأن احتياطيات دولة أخرى. إضافة الى ذلك، إن خطوة الإدارة تلك، ستزيد من شل حركة البنك المركزي الأفغاني المشلول أصلا، وستؤدي الى انهيار قيمة العملة الافغانية أكثر فأكثر، أما النتيجة فهي دفع الشعب الافغاني الى المجاعة التي سبق وتسببت بها ادارة بايدن في اليمن عبر المشاركة في تسليح السعودية وحصارها القاتل لهذا البلد.