ضرورات حول المفاوضات النووية
الدكتور ابراهيم كارخانهاي
1ـ على مر تاريخ اميركا المشحون شرا، اثبتت خواء قاموسها الدبلو ماسي والسياسي من اي التزام بالعهود او وفاء للمعاهدات. واينما اثرت مصالحها تعطل تعهداتها وان كانت دولية او اقليمية. من هنا رفضت الجمهورية الاسلامية الايرانية، بعد نكث اميركا لخطة العمل المشتركة، رفضت وبشكل قاطع ان تجلس على طاولة التفاوض مع اميركا لما تعلمه من خداعها ومكرها. ولذا يجدر على المؤرخين الملتزمين ان يسجلوا حالات نقض اميركا للمعاهدات منذ تاسيسها ولليوم، كي تتكشف الوجهة الحقيقية لهذا البلد للعالم على صعيد المعادلات السياسية الدولية.
2 ـ ان ما يثير العجب اعتبار بعض المدعين بانهم مخضرمون في السياسة، توقيع وزير خارجية اميركا (جون كيري) حينها، وثيقة وسند، فيسارعوا الى تقديم كل العهود الحكومية بشكل احادي وسخاء مفرط، وكأنهم يسابقون سذج السياسة، بحيث لا يبرر اجراؤهم المفتضح هذا قبال الشيطان الاكبر وان دونت لاجله عشرات الكتب.
3 ـ في الوقت الذي حُشي نص الاتفاق النووي بامور غامضة واشكالات بنيوية جمة، بحيث ان قائد الثورة، في رده على رسالة رئيس الجمهورية حينها، طرح 28 شرطا للقبول بالاتفاق النووي، وقد سجلت في كتابي "خسارة محض ودبلوماسية نووية" مراجعة 112 بنداً في المجالات العلمية والفنية والاقتصادية والسياسية والامنية دون اعتبار الاجراءات الضامنة وما سيترتب من مشاكل اساسية والتي سوف لا تصب لصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية.
4 ـ إن أهم آلية ضغط تضر مصالح الجمهورية الاسلامية الايرانية يشير اعضاء مجموعة 5+1 اليها بالبنان هو حق رسملة نووية قبلها فريقنا النووي المفاوض من جانب واحد بذريعة حل الاختلاف وببيان اوضح سميت "آلية الزناد".
ان يد التآمر الاميركي والترويكا الاوروبية مادامت على هذه الآلية، فسوف لا يلتزمون بتعهداتهم أبدا. من هنا فان الاجراء الحكيم لإلزام الجانب الآخر على تطبيق الالتزامات يكمن في سلب هذه الآلية منهم، وتدوين آلية جديدة لحل الاختلافات لاجل افحامهم بتطبيق تعهداتهم، وهكذا اجراء يتطلب حنكة وموسوعية فريقنا المفاوض وداعميه في تدوين آلية متينة ومطمئنة ولا شك في انه مادامت سبل التآمر على خطة العمل المشتركة مشرعة فلا يمكن الوصول الى اتفاق مضمون.
5ـ ان القضية الاساسية الباعثة على إحكام التعاملات لحل الاختلاف تصب في تغيير آلية التصويت في مجلس الامن بخصوص الملف النووي الايراني، اذ حسب ما جاء في المادة 37 من خطة العمل المشتركة، التصويت على "استمرار إلغاء العقوبات"، وفي هذه الحالة كذلك تكون يد اميركا والترويكا الاوروبية مفتوحة في الاعتراض واستخدام حق النقض الفيتو ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتغلق الطريق امام الدول التي تماهي ايران مثل الصين وروسية. فالقبول بهذه الطريقة من التصويت من قبل فريقنا النووي يثير هذا التساؤل في الاذهان، انه لما سلب في مجلس الامن حق الدفاع عن ايران وسائر الدول المواكبة لها، فبأي منطق يتم نزع السلاح عن الجمهورية الاسلامية الايرانية في مجلس الامن وباي غيرة دبلوماسية؟ ولماذا سلب من فريقنا النووي المفاوض امكانية الدفاع في ظل ظروف صعبة وقرارات في مجلس الامن؟ فهل يذكر التاريخ دولة توقع على معاهدة، يتم اصدار القرار النهائي ضدها في حال بروز اختلاف وتحويل الملف الى المحكمة، وفي ظل اي شرط!
تأسيسا على ذلك فانه على اساس نص خطة العمل المشتركة إضافة الى الوكالة الدولية فانه بشكوى من اي عضو سيؤول الملف الى مجلس الامن. طبعا دون حل هذه المشكلة الاساسية فان اي مسعى للتوصل الى اتفاق وإلغاء العقوبات هو عبث لا فائدة منه.
6 ـ ان واحدة من المحاور الاساسية التي ينبغي ان يلتفت إليها بجد، إعمال مخططات تدار من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ تأسيسها كذراع لمؤمرات القوى الكبرى ضد الدول المواجهة لها.
ان مرورا على مسار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتدخلها في البرامج النووية للدول، تستوفي المبررات بان هذه المنظمة الدولية تلعب بسياستها المزدوجة دور الجاسوس على الدول التي تقف بوجه السياسة السلطوية لاميركا والغرب، وعلى هذا وضعت برنامج ايران النووي للشؤون السلمية على راس نصل مؤامراتها وبرامج تفتيش الوكالة.
وفي الوقت الذي تمثل ايران عضوا من 195 دولة عضو في "ان بي تي"، إلا ان اكثر من 20% من جولات التفتيش تقصد الجمهورية الاسلامية الايرانية. على ذلك فكما يلزم وضع اطار لسلوك جهتي الاتفاق كذلك لابد من تحديد آلية خاصة لمواجهة الاجراءات الشيطانية والتدخل التآمري للوكالة كواحدة من المحاور الاساس للاتفاق فتكون مسؤولة عن تصرفاتها وبذلك يحفظ حق الجمهورية الاسلامية الايرانية باتخاذ اجراء متقابل.
7 ـ وان اهم قضية، اذا لم يتم التفاهم لوضع حلول لها هي في "الالغاء الكامل" للعقوبات، والتي تعامل فريقنا المفاوض السابق بسذاجة خلال الاتفاق وذلك بعدم درك صحيح لمفهوم المصطلحات (Terminate, Life) واتخاذ اسلوب حسن الظن في التفاوض مما يجعله يلعب في ارضية نسج العدو قواعدها، حتى انه وفي بيان مستغرب وبالرغم من مرور عامين على المفاوضات، ينكر في جلسة علنية في مجلس الشورى مصطلح التعليق (Suspend) الذي استخدم في الاتفاق!
وعلى ذلك فان الالغاء التام (Termjinate) لجميع العقوبات والقيود التي فرضت على ايران من قبل اميركا كان لابد ان تدرج في برنامج فريقنا النووي بمصادقة المجلس او بأمر من رئيس الجمهورية او السلطة القضائية.
ومن جانب آخر فان الجمهورية الاسلامية الايرانية في الوقت الذي صادقت على تنفيذ تعهداتها في مجلس الشورى الاسلامي، كان على الجهات الاخرى ان تعمل على الغاء العقوبات المصادق عليها عن طريق مصادقة مجالسها، ولكن للاسف اغمض فريقنا المفاوض عن هذا الامر الهام بل اعتبر توقيع جون كيري هو الوثيقة المعتمدة في إلغاء العقوبات!
8 ـ ولاجل تجنب تكرار الاجراءات المخادعة والتي مررت خلال خطة العمل المشتركة بعنوان عدم هيمنة الحكومات على المصارف والقطاعات الخاصة والدول المتعاقدة معنا، كان لابد من اغلاق اي مسلك مخادع مستجد، وفي غير ذلك فانه بالنظر لارتباط الحكومات بالقطاع الخاص، فان الغاء العقوبات لا يكون سوى لعبة استعراضية، وان السيناريو غير المنسجم المصرفي ومعضلة السويفت مازالت مستمرة. على ذلك ينبغي حل قضية التحويل المالي والسيولة في جميع المجالات بشكل شفاف.
ومن جانب آخر وعلى العكس من المسار الدبلوماسي المنفعل سابقا، اذ بسبب "تبرير نقض العهود والتراجع قبال ذلك" نوجد ما يرغب الجانب الآخر بنقض العهد اكثر واكثر، فحسب التوجيه بتسعة مواد لسماحة قائد الثورة والذي بقي منسيا في الحكومة السابقة كان ينبغي إفحام الجهة المقابلة باقتدار وحزم وبشكل كتبي أنه في حال اعمال اي عقوبة وبأي ذريعة سواء؛ أكانت نووية أو بزعمهم ارهاب، او حقوق انسان و...
فان الاتفاق سيلغى وستستأنف ايران في المرحلة الاولى وضمن اطار المعاهدة المرحلية للوكالة، جميع نشاطاتها النووية.
9 ـ ونظرا لاهمية الموضوع النووي فان تشكيل "خلية تحقيقية نووية" تتألف من شخصيات حقيقية وكوادر حقوقية تعمل على صب الشمولية في البرامج المطروحة وإحكام المطالب والمواءمة في اتخاذ القرارات.
والجدير ذكره فانه خلال التوصل الى خطة العمل المشتركة انبرى في اميركا مئات الاشخاص بشكل هيئات ومعاهد مختلفة بدعم فريقهم المفاوض، هذا في الوقت الذي كان فريقنا النووي بعدده المحدود الذي لا يتجاوز 16 شخصا ومنهم من كان جاسوسا ومخترقا، ينأى بنفسه عن اي دعم واستشارة وطنية.