ابن زايد في اليمن.. "ضربني وبكى سبقني واشتكى"
حسني محلي
التوافق التركي - الإسرائيلي - السعودي في "التضامن مع أبو ظبي ضد العدوان الحوثي"، يمكن تلخيصه في المقولة الشعبية "ضربني وبكى سبقني واشتكى"، لأن حكّام الإمارات والسعودية نسوا أو تناسوا أنهم هم المعتدون على اليمن.
من دون العودة إلى الماضي البعيد، لقد تآمرت كل أنظمة المنطقة، تحت مظلة "التحالف العربي"، ضدّ اليمن، فشنّت عدوانها على شعب هذا البلد الأصيل والعريق في آذار/مارس 2015. وعلى الرغم من اعتراض قطر على انقلاب السيسي ضد "الإخوان المسلمين" في تموز/يوليو 2013، فإن الدوحة وقفت في حرب اليمن، جنباً إلى جنب مع السعودية والإمارات والبحرين والكويت، وهو ما فعلته مصر والسودان والأردن والمغرب، ولاحقاً تونس والصومال وموريتانيا، بل حتى أفغانستان وباكستان وماليزيا وبنغلاديش. وكلُّها كانت تحت المظلة الأميركية والفرنسية والبريطانية، وبالضرورة الإسرائيلية، بدليل نجاح "تل أبيب" خلال هذه الفترة (آذار/مارس 2016) في نقل مَن تبقّى من يهود اليمن إلى "إسرائيل" بدعم من الاستخبارات الإماراتية والسعودية.
تآمرت هذه الأطراف معاً لتدمير هذا البلد العربي، المتميّز بموقعه الاستراتيجي، من أجل ضمان أمن "إسرائيل" عبر السيطرة على باب المندب، وهو ما يفسّر المعلومات التي تتحدّث عن بناء قواعد إسرائيلية/إماراتية مشتركة في جزيرة سقطرى اليمنية أواخر عام 2018، مع استمرار الصراع بين أبو ظبي والرياض لفرض أجنداتهما على هذا البلد، الذي يجاور السعودية عبر حدود برية تزيد على 1400 كم، وهو ما لم يكتفِ به آل سعود، الذين سيطروا على جزيرتَي صنافير وتيران المصريتين عند مدخل خليج العقبة، وهما متنفّس "إسرائيل" الاستراتيجي!
العُدوان الإماراتي/السعودي، معاً أو على انفراد، لم يحظَ باهتمام الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة، والمجتمع الدولي عموماً، إلاّ في إطار الرد السعودي، وأخيراً الإماراتي، على العمليات اليمنية ضد الرياض وأبو ظبي. فالعالم، الذي تجاهل طوال السنوات السبع الماضية العُدوانَ الهمجي السعودي/الإماراتي، الذي أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف من أبناء اليمن وتشريد مئات الآلاف منهم وتدمير التراث اليمني العريق، وسكت على هذا العُدوان، لم يتأخَّر، ولو لدقائق، في استنكار قصف "أنصار الله" الذي طال أهدافاً إماراتية، كما طال سابقاً أهدافاً سعودية.
أمّا الغريب في الموضوع فهو أن "العدوتين"، تركيا و"إسرائيل"، تسابقتا إلى هذا الاستنكار على الرغم من أن الرئيس إردوغان كان هدّد الإمارات وتوعّدها عندما وقّعت اتفاقية التطبيع مع "تل أبيب". وقال إردوغان في 14 آب/أغسطس 2020 "لقد أصدرت تعليماتي لوزير خارجيتي من أجل اتخاذ الإجراءات الضرورية لتعليق العلاقات الدبلوماسية، أو سحب السفير من أبو ظبي، لأنه لا يمكن لنا بأن نسمح لأحد بالقضاء على حقوق الشعب الفلسطيني".
أمّا صحيفة "يني شفق"، وهي في مقدّمة الإعلام الموالي للرئيس إردوغان، فخصّصت عنوانها الرئيسي للموضوع، مع صورة لابن زايد، تحت عنوان "عديم الشرف"، وناشدت الجيش التركي "إزالة أبو ظبي من الخريطة".
وهو ما فعلته الصحيفة في أعدادها السابقة ضد محمد بن سلمان، مؤكدة "ضرورة تحرير مكّة والمدينة من رجس آل سعود".
ومن دون أن يمنع هذا الهجوم العنيف ضد أبو ظبي، وقبلها الرياض، الرئيسَ إردوغان من مساعيه للمصالحة مع حكام الإمارات والسعودية، وكذلك "إسرائيل"، التي دعا إردوغان زعماء الدول الإسلامية إلى قمتين عاجلتين ضدها بعد اعتراف ترامب بالقدس المحتلة "عاصمةً أبدية ليهود العالم".
التوافق التركي - الإسرائيلي - السعودي في "التضامن مع أبو ظبي ضد العدوان الحوثي"، يمكن تلخيصه في المقولة الشعبية "ضربني وبكى سبقني واشتكى"، لأن حكّام الإمارات والسعودية نسوا أو تناسوا معاً أنهم هم المعتدون على اليمن، وأن الشعب اليمني في موقع الدفاع وليس الهجوم. والأغرب في ذلك أن هؤلاء الحكّام، ومَن أعلن تضامنه معهم، يتجاهلون ما يقوم به الكيان الصهيوني يومياً ضد أبناء الشعب الفلسطيني، رجالاً ونساءً وأطفالاً. ولا أحد يستذكر تآمر أنظمة المنطقة مجتمعة ضد سوريا وشعبها منذ 10 سنوات، وهو ما أدى إلى ما أدى إليه من قتل وتشريد ودمار ونهب.
ولا أحد يسأل أيضاً لماذا تتدخّل أنظمة الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، في لبنان، وما الذي يمكن لهذه الأنظمة أن تعطيه لشعب لبنان الأصيل، في كل مكوناته، وبتاريخه العريق والذي يمتدّ إلى آلاف السنين قبل الميلاد. ولا أحد يسأل لماذا يهاجم حكّام هذه الدول، ومَن معها، اللبنانيين بعد كشف كل عملية تهريب لحبات الكبتاغون، ناسين أن الذين يتعاطون هذه الحبوب هم أمراء هذه الدول ومشايخهم، ومَن هم على شاكلتهم في لبنان والمنطقة.
كما لا يتذكّر أحد تآمر هذه الأنظمة على الإسلام والمسلمين، منذ أن ساهمت معاً في ميلاد تنظيم "القاعدة"، ثم "طالبان"، وبعدهما "داعش" و"النصرة" وأمثالها، والتي كادت تستعبد شعوب المنطقة بصورة عامة، بدءاً بسوريا ولبنان، وصولاً إلى تونس ومصر وليبيا وسائر دول المنطقة. وأراد أعداؤها لها أن تكون عبيداً لليهود، وهم في طريقهم إلى تحقيق أهدافهم في إقامة دولتهم الكبرى. ولولا تآمر أنظمة الخليج لَما كان لهم وجود أساساً في فلسطين.
فخيانات أنظمة الخليج الفارسي ومعها عواصم المنطقة الأخرى، حالة جينية مستعصية، لا يمكن معالجتها إلاّ بالتخلص من هذه الأنظمة، التي كانت وما زالت منذ ميلادها في خدمة الحركة الصهيونية، وضد شعوبها هي أيضاً. فالإمارات منذ استقلالها (1971) كانت، وما زالت، "رأس الحربة الخفي والذكي" للكيان الإسرائيلي في المنطقة، وهو ما كان واضحاً في عملية اغتيال محمود المبحوح، القيادي في كتائب عز الدين القسام في دبي، في 19 كانون الثاني/يناير 2010، بحيث يتباهى مدير أمنها آنذاك، ضاحي خلفان، بالتطبيع مع "تل أبيب"، ليُثبت تآمره معها، حاله حال أسياده في أبو ظبي ودبي.
خلاصة القول إن التحالف السعودي/الإماراتي، على الرغم من المنافسة بين البلدين في القيام بمزيد من الخيانة والتآمر، كان وسيبقى الخطر الأكبر الذي يهدّد المنطقة، مع استمرار هذا الثنائي في تحالفه مع "تل أبيب". كما يسعى هذا الثنائي للتطبيع مع أنقرة، التي كانت تعتبر هذين البلدين، ومعهما "إسرائيل"، "الخطرَ الأكبر الذي يهدّد تركيا والأمة الإسلامية وقضيتهما الاستراتيجية فلسطين"، التي كانت وستبقى ضحية كل عمليات التآمر في المنطقة. ومن دون أن يستذكر أحد ما تعانيه دولها، كسوريا ولبنان والعراق وليبيا والصومال، وبدرجات متفاوتة مصر وتونس والجزائر، جرّاء مؤامرات خطيرة جداً تهدّد وجودها ومستقبلها، كدول عربية يهابها الكيان الصهيوني دائماً.
ويعرف الجميع أن هذا الكيان زائل من دون أيّ شكّ لولا تآمر أنظمة الخليج الفارسي وتلك الأنظمة التي اشترتها في دول عربية وغير عربية، وكانت جميعاً، وما زالت، في خدمة الصهيونية العالمية. وإلاّ فلماذا هذه الضجة بسبب رد الفعل اليمني المتواضع على سبع سنوات من العدوان الخليجي/الصهيوني/الإمبريالي على الشعب اليمني، الذي بصموده وصمود سوريا ولبنان والعراق وسائر شعوب العالمين العربي والإسلامي ستبقى "إسرائيل" في خطر.
كما ستبقى هذه الشعوب، مهما كان تآمر الأنظمة كبيراً وخبيثاً ووقحاً، تقف إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني وصموده المشرّفين والعظيمين ضد كل ما يقوم به الكيان الصهيوني باسم الدين، في الوقت الذي تتآمر أنظمة الخليج على فلسطين، باسم الدين أيضاً!
ويبقى لي اقتراح متواضع، وهو أن تقوم هذه الأنظمة، ومعها سيدتها أميركا، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي وكل من تبنّى شعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، في سنوات "الربيع العربي"، بإجراء "استفتاء ديمقراطي حرّ ونزيه" في جميع الدول العربية والإسلامية، لترى (وأنا واثق بذلك) أن الأغلبية الساحقة من شعوب هذه المنطقة هي مع قيام الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني، وعاصمتها القدس الشريف.
وهو أمر يتطلّب زوال الكيان العبري المصطنَع، وهو حلم كل الشعوب العربية والإسلامية وأملها وهدفها، ليس فقط من منطلقات دينية ووطنية، بل من خلال دوافع إنسانية استهترت بها "إسرائيل". وبات واضحاً أنها ستدفع ثمن ذلك، عاجلا كان أو آجلاً، ومهما كان عدد المتواطئين معها من العرب والمسلمين، وفلسطين بريئة منهم جميعاً، وإلاّ لَما هتف "أنصار الله": "الموت لأميركا، والموت لإسرائيل".