الوعد الصادق ومآلاته الاستراتيجية
إيهاب شوقي
ارتبط الوعد الصادق بالمقاومة، حتى أضحى من أبرز شعاراتها، وانتقل من كونه اسمًا رمزيًا لعملية أسر الجنود الصهاينة في 12 تموز/ يوليو 2006، ليصبح رمزًا للمقاومة يعبر عن منهجها والتزامها وسلوكها، والذي لا يقف عند المستوى القيمي والأخلاقي، بل يتخطاه للمستويات الاستراتيجية.
لا شك أن كل وعد للمقاومة كان بمثابة التحدي، وفي أوائل وعودها، كانت النظرة الخارجية للوعد من قبل قطاعات من الجماهير ومن قبل العدو يشوبها عدم اليقين واحتمالات أن تكون مناورة او شعارات جوفاء تحت عنوان الحرب النفسية، ولكن ومع وفاء المقاومة بعهودها، ترسخت لدى الجماهير ولدى العدو مصداقية المقاومة، مما ساوى بين الوعد وبين البيان العسكري من حيث الجدية والمصداقية.
ويبدو مع ذلك أن بعض القوى لم تصل بعد لاستيعاب هذه الحقيقة، وكان آخرها اعلان المقاومة كسر الحصار واستجلاب الوقود الايراني، فقد صوّرته ماكينات الدعاية السوداء باعتباره مناورة او تهديدًا اجوف، وساعدهم على ذلك أن مديات الارادة والشجاعة لديهم لم تستوعب امكانية التنفيذ، واعتبروه من قبيل الاستحالة!
إلا أن المقاومة التي تتميز بالحكمة والدراسة، لا تجازف بوعود لا تستطيع الوفاء بها حرصًا على المصداقية التي لا تنفصل عن الشرف، وبدورهما لا تنفصلان عن فضيلة المقاومة.
هنا نحن أمام قاعدة منطقية بسيطة، مفادها أن المقاومة تعد بما تستطيع الوفاء به، وان البعض يرى صعوبة تصل للاستحالة لتنفيذ الوعد، والنتيجة المباشرة هي أن قدرات المقاومة وارادتها تستطيع تنفيذ ما لا يستوعبه الاعداء والانهزاميون.
المقاومة لن تستسلم لأي مستجدات من الحصار او التواطؤ أو تنويع الحروب
وهذا الامر له مآلات استراتيجية ينبغي لفت النظر اليها:
أولاً: منذ تشكيل المقاومة بغرض تحرير الارض ودحر العدوان، كان وعدها هو الانتصار وقد حدث، وقدمت كافة التضحيات رغم صعوبة الاوضاع الداخلية والاقليمية وحجم التواطؤ والخيانات والحصار الذي تعرضت له.
ومع تطور وسائل الحرب والاستهداف واللجوء الى وسائل غير مباشرة، طورت المقاومة قدراتها لتشتبك على كافة الجبهات المباشرة منها وغير المباشرة.
وهو ما يعني استراتيجيًا أن المقاومة لن تستسلم لأي مستجدات من الحصار او التواطؤ أو تنويع الحروب، وأنها راكمت خبرات تستطيع بها تفادي المؤامرات والتعاطي بشكل أسهل وأقل كلفة مما عبرته سابقا بمزيد من التضحيات، حيث لا مقارنة بين حجمها وتسليحها في مرحلة النشأة وبين وضعها الراهن، وهو ما يعني خصما استراتيجيا في فجوة التفوق النوعي بل وميل كفة الميزان لصالح المقاومة بلحاظ الفجوة في تحمل الخسائر والتضحيات بين العدو وبين المقاومة.
ثانياً: عندما وعدت المقاومة بتحرير اسرى لبنان، بدا هذا الوعد خيالا لدى البعض، ومع تنفيذه أسر الجنود الصهاينة في عملية الوعد الصادق، وما نتج عنها من التعجيل بالعدوان المبيت من العدو، خاضت المقاومة ملحمة تموز واستطاعت تحقيق النصر والوفاء بالوعد.
وهو ما يعني استراتيجيا ان المقاومة في حالة جهوزية لدفع ثمن خيارها ووعودها مهما كان حجم الاستهداف، سواء كان متوقعا أو مبيتا وغادرا، وانها قادرة على خوض معارك سياسية موازية للمعارك الميدانية.
ثالثاً: وعد المقاومة بكسر الحصار وعدم السماح بوصول الاوضاع للانهيار والجوع والانفلات والفوضى، والذي لم يتخيل الكثيرون جديته، كان لإقدام المقاومة على تنفيذه بعد جديد، تخطى هنا النطاق العسكري، ليصل الى نطاق سياسي واقتصادي يكسر الاحتكارات الكبرى ويحارب الحصار الدولي ويعيد تشكيل المعادلات الاقليمية عبر توازنات جديدة للقوة، وهو فتح استراتيجي نقل المقاومة من مرحلة الدفاع الى مرحلة المبادرة ومن مرحلة المسؤولية عن الارض والسيادة الى مسؤولية اجتماعية وتنموية، وهو اعلان ان المقاومة وضعت خطا احمر مضافا لعدم السماح بالغزو وهو عدم السماح بالابتزاز والعقاب على التحلي بالاستقلال الوطني، ناهيك عن التأكيد على الاشتباك في جميع الجبهات الاستعمارية سواء العسكرية او الاقتصادية والسياسية.
لا شك ان الرعب الاستراتيجي الاكبر للعدو يأتي من وعد آخر، يعلم العدو انه وعد صادق، وأن المقاومة تعد له العدة، وانها ستنفذه مهما كانت التضحيات والاثمان ومهما بدا للبعض انه خيالي بحكم الأمر الواقع الذي أريد ترسيخه، وبحكم تسارع وتيرة التطبيع والخيانة، وهذا الوعد هو "زوال اسرائيل".
وحيث بدا هذا الوعد بتطورات الاحداث مكونا من شقين، احدهما طرد امريكا من المنطقة وهو ما يوشك ان يتم، فإن الشق الآخر اصبح قيد التنفيذ.