لماذا فتح الرئيس الأسد الباب على مِصراعيه أمام عودة “حماس” وحيّا المُقاومين في غزّة؟ وهل جاء عدم تدخّل “حزب الله” في الحرب بطَلبٍ فِلسطينيّ.. ولماذا؟
عبد الباري عطوان
الانتِفاضة الصّاروخيّة انتصرت، والعدوّ الإسرائيلي خرج من المُواجهة مهزومًا، والسّؤال هو حول كيفيّة الحِفاظ على هذا الانتِصار أوّلًا، والبناء عليه ثانيًا، وتعويض 4000 آلاف صاروخ جرى إطلاقها وكان لها الدّور الأكبر في حسم المعركة ثالثًا؟
الان بدأ الجِهاد الأكبر فِعلًا في تقديرنا، الآن بدأ التّحضير للمعركة القادمة التي لا تَقِلّ شراسةً، أيّ مُواجهة أعداء النّصر، والطّابور الإسرائيلي الأمريكي الخامس، الذي يُحاول سرقة هذا النّصر، وخلق الفتن، ومُحاولة تفتيت جبهة المُقاومة، ولبعض العرب، وبعض الفِلسطينيين بينهم دورٌ مُهم في هذا الإطار، فالحرب توحّد، والسّلم أو وقف إطلاق النّار يُفرّق.
ما لا يعرفه الكثيرون أنّ هذا الانتِصار الذي حقّقته غزّة كان بالتّنسيق مع محور المُقاومة، ولا نكشف سِرًّا عندما نقول أنّ عدم تدخّل “حزب الله” أو إيران، وأنصار الله في اليمن في هذه الحرب، جاء بطلبٍ من قيادة الفصائل في غزّة، حتّى يكون الانتِصار فِلسطينيًّا صرفًا، وحتّى لا تتحوّل “إسرائيل” إلى ضحيّةٍ في نظر العالم، ويخسر الشّعب الفِلسطيني بالتّالي هذا التّعاطف الدّولي لصالح قضيّته، وهذا ما يُفَسِّر المُظاهرات العارمة التي تفجّرت في شوارع وميادين العالم بأسْرِه، بصُورةٍ لم نرَ لها مثيل مُنذ حرب العِراق عام 2003، وحرب تمّوز عام 2006.
الحقيقة التي تغيب عن أذهان الكثيرين في غمرة الاحتفال بهذا النّصر العظيم أنّ قِيادة المُقاومة في قِطاع غزّة هي التي اتّخذت قرار الحرب، وتحديد ساعة الصّفر، وبادرت بالقصف الصّاروخي على أسدود وعسقلان وتل أبيب، وبكمّياتٍ كبيرة دُفعةً واحدة لإرباك القبب الحديديّة وإفشال مهمّتها، وهذه علامة فارقة.
ربّما يختلف معنا البعض عندما نقول إنّ غزّة بإعلانها الحرب على الغطرسة الإسرائيليّة كانت تنتقم لهجمات “الموساد” على مفاعل “نطنز”، وشنّ الجيش الإسرائيلي ألف غارة صاروخيّة إسرائيليّة على أهدافٍ في العُمُق السّوري، وهذا ما يُفَسِّر أمرين أساسيين:
أوّلًا: فتح الرئيس بشار الأسد أبواب سورية وقلبها لحركة “حماس” وجناحها العسكري المُقاوم للعودة إلى دِمشق، كتحيّة لها، وبدء صفحة جديدة من التّعاون المُباشر، والتّسامي فوق الجِراح والخِلافات.
الثّاني: كشف إيران عن طائرة مُسيّرة جديدة مُتطوّرة، وإطلاق اسم “غزّة” عليها تخليدًا لذكرى الانتِصار الحالي، وردًّا على خطوة السيّد إسماعيل هنية التي تمثّلت في شُكره للجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، ومُرشدها الأعلى على دعمها لفصائل المُقاومة، وعُرفانًا بجميلها.
الاستِعداد للجولة القادمة من المُواجهة بدأ فور إعلان وقف إطلاق الن؟ار، والمهمّة الأولى ستكون كيفيّة تعويض الصّواريخ الـ 4000 “المُباركة” التي أرسلت ستّة ملايين إسرائيلي إلى الملاجئ، وعزلت الدولة العبريّة عن العالم بإغلاق مطاراتها حِرصًا على سلامة الطّائرات ورُكّابها، ولوقوعها في مرمى الصّواريخ.
مصدر مُقرّب من محور المُقاومة أكّد لنا أنّ لدى فصائل غزّة خمسة أضعاف هذا الرّقم إن لم يَكُن أكثر، وأنّ عمليّة التّعويض قد تَستغرِق عامين على الأقل بسبب الحِصار، ولكنّ الاستِبدال قد يتم بطَريقةٍ أسرع، وبصواريخ أحدث وأكثر دقّةً وتطوّرًا.
العدّ التنازليّ لانهِيار الحُلُم الصّهيوني العُنصري بدأ، وبشَكلٍ مُتسارع، بعد بُروز غزّة العسكري، وتحوّلها إلى “إسبرطة” فِلسطين، وهي التي لا تزيد مِساحتها عن 150 مِيلًا مُربَّعًا ودُون غابات أو جِبال، وإسرائيل الآن تعيش أسوَأ أيّامها، وباتت عِبْئًا ثقيلًا على حُلفائها، والنّصر الأكبر قريبٌ بإذن الله.. والأيّام بيننا.