kayhan.ir

رمز الخبر: 126854
تأريخ النشر : 2021February13 - 20:00

عشرة الفجر بين شرف المقاومة وخيال البؤساء

أحمد فؤاد

اخترع الإعلام العربي مصطلح التمثيل المشرف، لصالح مغازلة الوجدان الجمعي لقلوب أنهكها الوهن، وباتت تبحث في أي مجال عن ملجأ ومهرب وسلوى، حتى لو كان ميدانًا ترفيهيًا، لكن - دائمًا - يظل الإنجاز عسيرًا والصدمات دائمة ومتتالية.

باختصار، يحاول الممسك بمفتاح التشغيل الإعلامي العربي الموالي للأميركي والصهيوني، تصدير فكرة النجاح المتوهم رغم الهزيمة الواقعة، ويستفز الناس بمداعبة ما كانوا ينتظرونه وكأنه حدث بالفعل، وهي تتماشى مع مسيرة الفشل التي أدمنتها النظم التابعة للأميركي في المنطقة، ولا يزيدها الزمن -مع استمرارها المفروض- إلا عجزًا وخفة وبلاهة.

في هذه الأيام، التي تسترجع فيها المنطقة أحداث الثورة الإسلامية المجيدة، والتي وصفها الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل بـ"رصاصة انطلقت من القرن السابع لتستقر في قلب القرن العشرين"، مستلهمة أنبل معاني الإسلام ومثله العليا وغاياته، يعرف العدو قبل الصديق أن الجمهورية الإسلامية قد أسست عصرًا جديدًا بالكامل، منذ 42 عامًا، وقدمت البديل الجاهز عالي الكفاءة والمقدرة، لشعوب كانت تدور في خيارين أحلاهما مر، وبعد قيامها بسنوات وسقوط الاتحاد السوفياتي، فإن مر الماضي حتى قد صار حلمًا بعيد المنال.

استطاعت الثورة أن تنصر دم الإمام الحسين عليه السلام، بعد قرون من سيادة الجبروت، وعلت بنداء الشعوب فوق دوي رصاص كل يزيد جديد.

كتبت الدماء من جديد قصة الحق، نقيًا طاهرًا، ورسمت الطريق الواضح بين العدو والحليف. كان الشيطان الأكبر، وقتذاك، يعتبر هو العالم المتقدم والغرب الحر، قِبلة العقول والقلوب بالنسبة لأغلب الحكام العرب، والأنكد أن قاعدته العسكرية المتقدمة -الكيان الصهيوني- تتحكم في رقابهم وترعب أرواحهم، إلى الحد الذي دعا المفرّط العربي الأول السادات إلى أن يعد شعبه بالمن والسلوى فور الاستسلام لشروط صديقه بيجين.

بالنسبة إلى كل من يحلم بالحرية والعدالة، كانت الطريق قد رُسمت بالدماء في عشرة الفجر، قبل 4 عقود؛ الأميركي لن يمنح شيئًا، وليس حليفًا، ولم يكن صديقًا لأحد، بل هو أفعى تريد مصّ الدم حتى العظم.

اليوم، طهران التي لم تتراجع أمام الثور الهائج ترامب، لم تقبل أن تقاد إلى طاولة مفاوضات بايدن وفق شروطه، ووضعت لائحة مطالبها الوطنية، ليقبلها هو، ومن ورائه أوروبا، كما فرضت ردها العسكري الحاسم قبل توديع فارس القدس وبطلها الجنرال قاسم سليماني، وعشنا إلى اليوم الذي ضُربت فيه الولايات المتحدة الأميركية عسكريًا، بلا مواربة أو تخفٍّ، في عالم عربي كاد ليطوف رؤساؤه ركعًا سجدًا حول قواعدها المنتشرة بطول المنطقة وعرضها، لو أنها أشارت بطرف أصبع.

منحت الجمهورية الإسلامية مطلع عامها الجديد، درس التفاوض الأهم؛ العملية السياسية هي الجزء الهادئ لمعركة الإرادة طويلة المدى مع الأميركي، حرب بأدوات دبلوماسية، لكنها تبقى حربًا، تحتاج للتعبئة والتصميم، وتستحق أن تخاض بالقوة الكاملة للأمة، وفق رؤية تضع الخطوط العريضة والإشارات الحمراء.

في مقابل هذا الموقف الإيراني، في قضية تمس أعز تطلعات شعبها ومستقبله، وهي امتلاك التكنولوجيا المتقدمة واللازمة في عصر جديد سيقوم على اقتصاد المعرفة، يأتي المثال الآخر، حين تمضي دولة في طريق التبعية للأميركي، حتى وإن تصور نظام حكمها واهمًا أنه تحالف، وما التحالف إلا بين ندين.

قضية سد النهضة، التي تأسر روح المصري العادي حاليًا، وتضغط على أعصابه، بقدر ما تهدد بفرض التعطيش الكامل، وجدت الحل العبقري ذاته، عبر مداخلة تلفزيونية للرئيس المصري، مع برنامج يقدمه أحد أدوات آل سعود بالقاهرة، قائلًا: "سنقاتل بالمفاوضات".

بداية، فإن الأسبوع الأول من شباط/فبراير، قد حمل متغيرًا مهمًا، إذ بدأت السودان في انتقاد السد الإثيوبي علانية، داعية إلى وقف الأعمال الإنشائية أو تخزين المياه لحين توقيع اتفاق ملزم للدول الثلاث (إثيوبيا – السودان – مصر) قبل الدخول في مرحلة الملء الثاني للسد.

ولو -لا قدر الله- تمكنت إثيوبيا من ملء سدها للمرة الثانية، سيكون من العسير جدًا التوجه نحو حل عسكري، إذ سيهدد الفيضان الناتج ثلث أراضي شرق السودان، وجنوب مصر بالكامل، وهو ما يعد خيارًا انتحاريًا للشعبين العربيين.

في المرحلة الأولى، نجحت أديس أبابا بالكامل، نجاحًا كاسحًا، في تحقيق كل ما خططت له، أنشأت سدها، وضربت بالاتفاقات الدولية عرض الحائط، واستثمرت في ضعف نظامي الحكم في كل من مصر والسودان على أكمل وجه، وبات حلمها الكبير أمرًا واقعًا.

كثيرون كتبوا حول كارثة التفاوض التي انتهجها النظام المصري، غالبيتهم من الخبراء الأفذاذ، وعلى رأسهم وزير الري الأسبق محمد نصر الدين علام، منتقدًا ما جرى من عملية تفاوض، فرطت قبل أن تبدأ في كل ثوابت الأمن المائي المصري، وتنازلت مقدمًا عن الحق التاريخي والحقوق القانونية الدولية الثابتة، ثم هاجموا توقيع اتفاق مأساوي ملزم، على هذا القدر من الخطورة دون وجود ما يستدعي سرعة التسليم والانسحاب بهذه البساطة.

يوم توقيع الاتفاق الإطاري حول نهر النيل، هلل إعلام النظام، وصدرت الصحف موحدة المانشيت "السيسي حلّها"، وقاد المخبولون العميان في سباق بلاهة نحو أيهم يحصد كأس النفاق.. ويتجلى مع كل تصرف إثيوبي جديد انكشاف حجم وعمق الكارثة التي جلبها النظام، وحلت فوق الرؤوس.

ولكي يأتي المشهد الختامي أكثر بؤسًا وعجزًا، فقد وضع النظام المصري بقية البيض كله في سلة ترامب، وذهب إلى واشنطن طالبًا من التاجر الأميركي أن يتوسط بين القاهرة وأديس أبابا، وحين أدرك أبي أحمد مقدار هوان مفاوضه وافتقاده لأي فعل جاد، فقد ترك دبلوماسييه يماطلون في الشاطئ البعيد، حتى رحل راعي البقر، وكسبت إثيوبيا شهورًا جديدة إضافية.

السنة الماضية من عمر الثورة الإسلامية، ربما أكثر من غيرها، كانت كاشفة للفارق الواضح بين طريقين متعاكسين تمامًا، الأول قادر أن يفرض نفسه كفاعل في معادلات القوة وموازين الصراع، والآخر لا يملك من أمر يومه شيئًا، فضلًا عن مستقبله، ولا يستطيع أن ينخرط في صراع من الأصل، حتى لو لحفظ رصيده من الحق في الحياة.. المياه.