جيفري فيلتمان: فشلنا في الحرب والعقوبات والمطلوب حل تفاوضيّ
ناصر قنديل
– تقدّم المقالة المنشورة عن مركز جيمي كارتر لإدارة النزاعات والتي تشارك فيها الدبلوماسي السابق جيفري فيلتمان ومدير المركز هراير باليان، واحدة من الأوراق التي ترسم في مراكز النخب الأميركية الديمقراطية عناوين للنقاش في السياسة الخارجية لإدارة الرئيس جو بايدن، وكما يوضح فيلتمان وباليان في المقدّمة تباينهما التاريخي حول الانخراط التفاوضي مع الدولة السورية ورئيسها الدكتور بشار الأسد، حيث كان فيلتمان من الجناح الديمقراطي المؤيد للتصعيد ضد الدولة السورية وصولاً للدعوة للانخراط في حرب لإسقاط رئيسها، وكان باليان من دعاة الحلول التفاوضية ضمن سلة التفاهمات مع روسيا وإيران، ما يعتبره الكاتبان سبباً لزيادة أهمية تشاركهما في توصيات موحّدة، وما يمكن اعتباره من الخارج تعبيراً عن بداية تبلور شبه إجماع حول نهاية رهانات تشاركها الرئيسان السابقان باراك أوباما ودونالد ترامب حول سورية. وكان بايدن وأغلب فريقه الجديد جزءاً منها.
– تقول المقالة إن السياسة الأميركية الحالية نجحت في إفقار الشعب السوري وتعميق الاعتماد السوري على روسيا وإيران، وفشلت في تحقيق أي تغيير في السياسات السورية أو في إضعاف نفوذ النخب الحاكمة في الأوساط الشعبيّة المؤيدة لها وتدعو الى سياسة تعتمد الدبلوماسية وتضع الأولوية للمصالح الأميركية التي تحددها بـ «القضاء على التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية، ومنع استخدام الأسلحة الكيماوية وانتشارها، والتخفيف من معاناة ملايين المدنيين»، وتضيف «تعتبر سورية بؤرة صراع بين القوى الخارجيّة، بما في ذلك بين الولايات المتحدة وروسيا و»إسرائيل» وإيران وروسيا وتركيا والأكراد المدعومين من الولايات المتحدة»، وتدعو للانتباه الى «عبء اللاجئين على البلدان المجاورة وأوروبا، حيث تستمر الهجرة الجماعيّة في تأجيج رد الفعل الشعبويّ».
– تضع المقالة السياسة الأميركية بين خيارَيْ، مواصلة النهج الحالي الذي هو تحت شعار التمسك بشروط متشددة مثل إسقاط النظام او محاسبته او احداث تغيير جذري فيه، أو فك علاقاته بروسيا وإيران، والنتيجة ستكون عكس المعلن من الأهداف، أو الاعتراف باستحالة تحقيق هذه الأهداف والقبول بسقوف منخفضة تتقبل إزالة الحظر على إعادة اللاجئين وإعادة الإعمار، من دون وهم ربطهما بمقابل سياسي إقليمي يتصل بالسياسات، والاكتفاء بربطها بتحقيق الاستقرار، تحت شعار خطوات تسميها المقالة ملموسة، وتنطلق المقالة من اعتبار سورية في قلب مستقبل النظرة الأميركيّة للعلاقة مع روسيا وإيران وتركيا و»إسرائيل»، وبالتالي لا يمكن وضع الملف السوري جانباً وتوهم التقدّم في رسم سياسات تلك الملفات. ويقول الكاتبان بصراحة لمن سينتقد استنتاجاتها حول مستقبل النظام في سورية وعلاقاته بروسيا وإيران، إن البدائل التي أدعت تحقيق ذلك قد فشلت.
– يعترف الكاتبان بأن «السياسة الأميركية الحالية – التي تتمحور حول عزل سورية ومعاقبتها – أدت إلى شل اقتصاد البلاد الذي مزقته الحرب بالفعل، لكنها فشلت في إحداث تغيير سلوكي. كانت الجهود السابقة لتدريب مجموعات المعارضة وتجهيزها وتسليحها للضغط على (الرئيس بشار) الأسد لتغيير الاتجاه أو ترك السلطة غير ناجحة. وبدلاً من ذلك، ساهمت هذه السياسات في تعميق اعتماد سورية على روسيا وإيران، وأدت العقوبات الأميركية والأوروبية إلى نقص حاد وساهمت في انهيار العملة السورية، لكنها لم تضعف الدعم الرئيسي بين جمهور (الرئيس) الأسد المحلي الأساسي ولم تغيّر سلوك النخبة الحاكمة، لقد تركت سياسة العقوبات الولايات المتحدة على الهامش وروسيا وتركيا وإيران بصفتهم الحكام الرئيسيين لمستقبل سورية. في غضون ذلك، توقفت الجهود الدبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة في جنيف والتي تركزت على الإصلاحات الدستورية، والأسوأ من ذلك، أن العقوبات العقابية على سورية تؤدي إلى عواقب إنسانيّة ضارة (غير مقصودة) من خلال تعميق وإطالة بؤس السوريين العاديين، وتمكين مستغلي الحرب وتدمير الطبقة الوسطى السورية، وهي محرّك محتمل للاستقرار والإصلاح طويل الأمد. من الآمن الافتراض أن قيادة البلاد لا تعاني بسبب العقوبات.
– الخلاصة السياسية الأولى التي يصل اليها الكاتبان هي أن الخيارات الأميركية باتت محصورة «بين النهج الحالي، الذي نجح فقط في المساهمة في دولة فاشلة مزمنة، أو عمليّة دبلوماسية يُعاد رسم تصورها لتهدف إلى تطوير إطار مفصل لإشراك الحكومة السوريّة في مجموعة محدودة من الخطوات الملموسة والعمليّة، خطوات يمكن التحقق منها، والتي، في حالة تنفيذها، ستقابلها مساعدة موجّهة وتعديلات في العقوبات من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الهدف من هذا الإطار هو وقف دوامة الانحدار في سورية وإعادة تنشيط الدبلوماسية من خلال تقديم نهج مرحلي يمكّن من إحراز تقدم في قضايا منفصلة ويمنح الحكومة السوريّة وداعميها طريقًا واضحًا للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية الحالية.. فهو لا يتصدّى للتحدي الاستراتيجي المتمثل في اصطفاف سورية مع إيران وروسيا، وهو أمر مرفوض من الولايات المتحدة، ولا يُحاسب أيّ شخص على حالات الموت والدمار المروعة في سورية – لكن النهج الحالي لا يفعل ذلك أيضًا».
– تشير المقالة الى ورقة بحثية صادرة عن مركز كارتر تمّ وضعها في أوائل كانون الثاني (يناير)، واستنادًا إلى مشاورات المركز المكثفة مع السوريين على جميع جوانب الانقسامات السياسية في البلاد وكذلك المجتمع الدولي، وتتبنى المقالة الاستنتاج بأنه «يجب على الولايات المتحدة النظر في إعفاء جميع الجهود الإنسانية لمكافحة COVID-19 في سورية من العقوبات، وبالقدر نفسه من الأهمية، سيكون تسهيل إعادة بناء البنية التحتية المدنية الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس ومرافق الري. سيتبع التالي تخفيف تدريجي وقابل للعكس للعقوبات الأميركية والأوروبية، لن يتمّ إطلاق هذه الخطوات إلا عندما تتحقّق الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيّون من تنفيذ خطوات ملموسة يكون قد تمّ التفاوض عليها مع الحكومة السورية، من شأن آليات الرصد التأكد من التقدّم. ستشمل الخطوات الإفراج عن السجناء السياسيين، والاستقبال الكريم للاجئين العائدين، وحماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق، وإزالة الأسلحة الكيميائية المتبقية، وإصلاحات القطاع السياسي والأمني ، بما في ذلك المشاركة بحسن نية في اجتماعات الأمم المتحدة. عملية جنيف والمزيد من اللامركزية».
– تخلص المقالة الى الاعتراف بأن «معظم الدول التي دعت إلى رحيل (الرئيس) الأسد تخلّت عن هذا المطلب المتطرّف منذ سنوات. لكنهم استمروا في سياسات الضغط والعزلة التي فشلت في إنتاج أي من الإصلاحات المتصورة في هذا الاقتراح التدريجي للمعاملات، إنه بدلاً من ذلك اقتراح بأن إدامة الوضع الراهن لن يؤدي فجأة إلى نتائج مختلفة عن تلك التي شهدناها منذ عام 2011. من خلال الإفراج العلني عن قائمة تفاوضية من الخطوات المتبادلة، يمكن للولايات المتحدة وأوروبا، في جوهرها، تطبيق نوع مختلف من الضغط على سورية لإنتاج الإصلاحات التي تم رفضها حتى الآن، ويوفر تغيير الإدارة الرئاسية الأميركية فرصة لمحور واختبار هذا النهج الجديد».