إذا فعلها ترامب أو نتنياهو هل يبقى ردّ المقاومة متناسباً مع الاعتداء؟
د. عصام نعمان
ما زال دونالد ترامب يرفض الإقرار بالهزيمة. لا يكتفي بتقديم دعاوى وتحريك تظاهرات احتجاجيّة على «تزوير» الانتخابات بل يتشبّث بسلطته ويرفض تسليم فريق عمل الرئيس المنتخب جو بايدن تقارير الإحاطة السريّة بقضايا الأمن القومي والنشاط الاستخباري والرصد السيبراني، كما تقضي التقاليد السياسيّة في المرحلة الانتقالية. بيتر نافارو، أحد كبار مستشاريه الاقتصاديين، قال لقناة «فوكس نيوز» التلفزيونية: «اننا في البيت الأبيض نواصل العمل كما لو أننا في صدد ولاية ثانية لترامب».
هذه المؤشرات وغيرها حملت كثيرين من أركان فريق منافسه بايدن ومن أعضاء الكونغرس وكبار المعلّقين الصحافيين على الاعتقاد بأنّ الرئيس المهزوم لن يستسلم، وانه سيواصل الكفاح من أجل البقاء في البيت الأبيض، وانه لن يتورّع خلال الفترة الانتقالية التي تنتهي في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل عن اتخاذ قرارات بالغة الخطورة قد تُفضي الى حرب في الشرق الأقصى (مع الصين) او في أميركا الجنوبية (مع فنزويلا) او في الشرق الاوسط (مع إيران والمقاومة اللبنانية – حزب الله).
ثمّة مَن يعتقد أيضاً في الولايات المتحدة كما في الشرق الاوسط أن بنيامين نتنياهو قد يشارك ترامب في أنشطته العدوانية او ربما يقوم منفرداً، بدعمٍ منه، باعتداء محسوب على إيران او سورية او على المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.
غير أنّ نظرة متأنية الى المشهد الأميركي تشي بأن اهتمام ترامب الرئيس يتركّز على الداخل. فهو وإن كان يحاول مستميتاً البقاء في البيت الأبيض بكل الوسائل المتاحة، إلاّ انه يعلم، كما كبار أركان حزبه الجمهوري، أن مكابرته محكوم عليها بالفشل، وأن بايدن سيحلّ محله في البيت الابيض عاجلاً او آجلاً. غير أن خروجه المحتوم منه لن يمنعه من العمل من اجل بقائه الرقم الشعبي الصعب في الحياة السياسية الأميركية، مترسملاً على السبعين مليون صوت التي نالها في الانتخابات، كما على تداعيات تأجيجه عصبية عرقية دفينة لدى الأميركيين البيض ضد الأقليات غير البيضاء المتكاثرة وأهمها اللاتينو (ذوو الاصول واللغة الإسبانيين) والسود ( ذوو الأصل الأفريقي) والمسلمون من أصول قومية شتّى الذين يربو عددهم على سبعة ملايين.
يظنّ ترامب ان نجاحه في تكتيل مناصريه يتيح له ان يبني، بعد خروجه من السلطة، تياراً شعبياً ترامبياً يمكّنه من التأثير في مجريات النظام السياسي لتعزيز نفوذه من جهة، ومن جهة أخرى لتوسيع قاعدته الشعبية بغية خوض انتخابات الرئاسة مجدداً بعد انتهاء ولاية بايدن سنة 2024.
غير انّ أوساطاً قيادية في أميركا كما في دول اخرى تتداول فكرةً او احتمالاً بأن يُقدم ترامب، الذي يتصف بقدْر من النزق يصل أحياناً الى مستوى الحماقة، على شنّ حربٍ يظنّ أنها قد تعود عليه وعلى حلفائه بمنافع سياسية وازنة خلال الفترة الانتقالية. كثرة من المتابعين والمراقبين للمشهد السياسي الأميركي تستبعد هذا الاحتمال وتعتقد ان انزلاق ترامب الى اتخاذ قرار الحرب يبقى محكوماً بثلاثة اعتبارات:
أولاها ألاّ يعود عليه بردود فعل سلبية داخل أميركا.
ثانيها أن تكون لديه القدرة والفرصة على الخروج من الحرب منتصراً.
ثالثها أن تفيد الحرب «إسرائيل» ولا تسيء الى حلفاء أميركا.
في ضوء هذه الاعتبارات، يمكن الترجيح بأنّ الساحة المغرية لشنّ الحرب هي لبنان وسورية. ذلك أنّ قيادتي أميركا و«إسرائيل» تعتقدان أن حزب الله بات قوة إقليمية وازنة ومؤثرة، وانه يهدد أمن «إسرائيل» كما مصالح الطرفين، ولا سيما النفطية والغازية، في شرق الفرات والحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط، وأنّ الظرف يبدو مؤاتياً لضربه في فترة معاناة لبنان وسورية من مفاعيل انهيار مالي واقتصادي، وإيران من مفاعيل العقوبات الأميركية الشديدة عليها.
مع تكرار أرجحية استبعاد هذا السيناريو، يبقى الحذر والتحسّب والاستعداد للمواجهة موجبات ماثلة وملّحة، فأين تراه يتركّز العدوان، وكيف يكون الردّ؟
كان ترامب تباهى في مؤتمر صحافي منتصفَ أيلول/ سبتمبر الماضي بأن لدى بلاده «اسلحة رائعة لا يعرف بها احد (…) وأسلحتنا النووية الآن في أفضل حالاتها».
أثار ترامب آنذاك جدلاً بين الخبراء الاستراتيجيين حول ماهية «هذا السلاح السري الرائع»، وقد رجّح بعض الخبراء انه قنبلة نووية تكتيكية، أيّ للمدى القصير ولمساحة محدودة وذات قدرة على تحويل المنطقة المضروبة الى أرض يباب.
هل يستعمل ترامب هذه القنبلة في المنطقة التي تخمّن قيادتا العدوان الأميركي والإسرائيلي أنها تحتضن مراكز قادة المقاومة، لا سيما السيد حسن نصر الله، لظنّهما انّ القضاء عليه كافٍ بحدّ ذاته لشلّ المقاومة وتعطيل فعاليتها؟
مع تكرار أرجحية استبعاد هذا السيناريو، فإن موجب المواجهة يفرض طرح سؤال ملحاح: كيف يكون رد المقاومة على الضربة الصهيوأميركية؟
لا ضمانة البتة لنجاح هذه الضربة المفترضة، لا من حيث توقيتها، ولا من حيث قدرة قادة العدوان على تحديد المنطقة التي تحتضن قادة المقاومة وقائدها، ولا من حيث فعالية السلاح المستعمل في تحقيق التدمير المطلوب.
أما ردّ المقاومة فقد جرى بحثه في ندوة افتراضيّة مستعجَلَة عقدها خبراء استراتيجيون مستقلون انتهوا فيها الى التقدير الآتي: معيار الردّ وحجمه ونوعه ومكانه يتوقف على حجم الضربة وقوتها وفعاليتها. غير أنّ غالبيتهم توافقت على ان ردّ المقاومة يجب ألاّ يكون متناسباً مع حجم الضربة وقوتها ومكانها بل يجب أن يكون غير متناسبٍ معها برغم عدم التكافؤ بين قوة المقاومة وقوة الطرفين المعتديين. ذلك أن في وسع المقاومة، بما تملك من قدرات متطورة، على تدمير منطقة «غوش دان» على امتداد السهل الساحلي الضيق بين يافا (تل ابيب) وحيفا بطول نحو 85 كيلومتر وبعرض من 10 الى 15 كيلومتراً، حيث لا أقلّ من ثلث قدرات «إسرائيل»، سكاناً وعمراناً وصناعةً وزراعة ًوموانئ ومطارات ومرافق حيوية (كهرباء ومراكز استخبارات ومراقبة سيبرانية وقيادات عسكرية برية وجوية وبحرية) ناهيك عن منشآت استراتيجية قريبة من هذه المنطقة هي منشآت استخراج النفط والغاز في البحر غربي مدينتي حيفا وعكا.
صحيح أنّ لدى «إسرائيل» من القدرات ما يمكّنها من إلحاق أضرار بالغة بالمقاومة وحلفائها تفوق الأضرار التي يمكن أن تلحق بها. ومع ذلك فإن إدراكها ان المقاومة قادرة ومصمّمة على اعتماد ردّ غير متناسب على عدوانها سيحملها على التخلي عن خيار العدوان الشديد الأذى رغم رجحان ميزان القوة لمصلحتها وذلك لجسامة الأضرار التي ستلحقها بها المقاومة، ما قد يدفعها تالياً الى التفكير بنهج سياسي وعسكري آخر أقل تكلفة للوصول الى مبتغاها