تحالف خماسيّ دوليّ في وجه القطبيّة الأميركيّة وأعوانها
د. وفيق إبراهيم
التمرد الدولي على الأحادية القطبية الاميركية يتأجج في أميركا الجنوبية والقوقاز وبحر السلع والتنافسات الاقتصادية، لكنه يرتدي في الشرق الأوسط شكل استعادة سورية لسيادتها بشكل كامل، وذلك من خلال الإمساك بوجهي أزمتها الداخلي المتعلق بالميادين العسكرية والخارجي المتجسد بنحو ستة ملايين نازح سوريّ ينتشرون في تركيا والأردن ولبنان وأوروبا ومصر وأنحاء اخرى متوزعة.
واذا كانت الدولة السورية نجحت في الانتصار مع تحالفاتها الروسية والإيرانية وحزب الله على المشروع الإرهابي المدعوم خليجياً وأميركياً فإنها تعمل على استعادة النازحين ضمن إطارها الوطني.
إلا أنها تصطدم بعجزها الاقتصاديّ عن استيعاب هذه الأعداد الكبيرة نتيجة لتدمير معظم مناطقها. هذا بالإضافة الى الحصار والعقوبات الأميركية، الاوروبية والخليجية التي تصيب بنيوياً الاقتصاد السوري بما يؤدي الى تراجع إمكانياته بمعدلات كبيرة.
هناك أمثلة على المحاولات الاميركية لمنع الدولة السورية من استكمال سيادتها، يكفي أن الأميركيين مارسوا ضغوطاً لمنع مصر والإمارات ودول اخرى في اوروبا من حضور المؤتمر الدولي الذي اعدته سورية قبل يومين لمعالجة أزمة النازحين منها.
واتفقوا مع اوروبا والخليج الفارسي على ممارسة ضغوط في كل الاتجاهات لمنع نجاحه في معالجة ازمة النازحين.
هؤلاء جميعاً مقتنعون بوجهة النظر الاميركية التي تجزم ان استكمال سورية لسيادتها الدستورية والشعبية لن تقتصر تداعياتها على الشرق العربي.
فسورية حليف لاتجاه دولي إقليمي وعربي يعمل على مكافحة النفوذ الاميركي والادوار الاوروبية والخليجية المنصاعة له.
هنا يقدم الاميركيون نموذجاً عن قوة سورية، يظهر بوضوح في قدرتها على جمع 26 بلداً في مؤتمرها الخاص للنازحين ونجاحها في التمهيد لحلف خماسي يرفع شعار كسر الحظر الأميركي مع تحالفاته في السماح بعودتهم الى ديارهم.
مَن هو هذا الخماسي؟ وما هو مشروعه الفعلي؟ إنه سورية وروسيا وإيران والصين وفنزويلا، يرفعون شعار العمل الجدي والحازم على دفع أكبر كمية ممكنة من النازحين للعودة الى ديارهم.
هذا جانب هام جداً من المشروع الخماسيّ، إلا ان هذا الجانب يعمل على توطيد أواصر العلاقات الدولية لهذا الخماسي في مواجهة القطبية الأميركية.
بما يؤدي الى توتير أميركي – خليجي – إسرائيلي مع ضياع اوروبي لم يعُد يعرف ماذا يفعل.
لذلك يحاول الاميركيون بزخم شديد عرقلة إعادة النازحين الى ديارهم في إطار خطة عميقة لإجهاض هذه الخماسية. ويرى الاميركيون ان هذه الخماسية تتضمن بشكل عملي خمسة مشاريع، الاول هو مشروع الدولة السورية المعروف والثاني هو الطموح الروسي للعودة الى القطبية العالمية من خلال دور بلاده في آسيا الوسطى وسورية وفنزويلا وعلاقاته العميقة بكل من الصين وايران.
أما المشروع الثالث فهو الصين التي تعتقد ان هيمنتها الاقتصادية على العالم لم تعد بعيدة وقد لا تتأخر عن 2025، بما يؤكد حاجتها الى تحالفات وازنة في مختلف القارات كإسناد يمنع الأميركيين من الاستفراد بها. لذلك نراها وللمرة الأولى تلتحق بمؤتمر النازحين «السوري» وتتبنى مواقف جذريّة من الصراع مع الأميركيين.
لجهة المشروع الرابع فهو إيران التي نجحت ببناء تحالفات قوية من افغانستان الى باكستان واليمن والعراق وسورية وصولاً الى حليفها القوي حزب الله، هذا رغم الحصار المضروب عليها من قبل الخليجيين والاوروبيين والاميركيين.
هذا ما يدفع ايران الى الإصرار على حماية الدولة السورية حليفتها الاساسية في مجابهة الاميركيين والاسرائيليين، بما يؤدي الى تزخيم جبهة التصدي بالتعاون مع روسيا والصين وفنزويلا في قلب اميركا الجنوبية المجاورة للأميركيين في الشمال.
يتبقى المشروع الخامس الخاص بفنزويلا التي تتعرّض منذ 15 سنة لحصار اميركي يعمل على إسقاط دولتها للسيطرة على أكبر آبار للنفط في العالم تختزنها في اراضيها.
هذه الدول الخمس التي اجتمعت مع 21 دولة اخرى في مؤتمر النازحين في دمشق بدأت تتحضر جدياً لبناء آليات تعرقل القطبية الاميركية الأحادية، التي لا تعمل إلا وقف برنامج يقوم على نهب ثروات العالم وتدمير الدول التي ترفض هذا الاجتياح الاميركي المستمر من 1990.
فهل تنجح هذه الخماسية؟
هذه الدول ليس لديها خيارات كثيرة، فإما ان يهزمها الاميركي نهائياً ويلحقها بمستعمراته او تنتصر عليه وتصمد لتمهّد الطريق نحو نظام قطبي جديد يمنع العربدة واحتلال الدول واستعمال لغة الحروب والحصار والمقاطعات لتركيع الدول.
بما يؤكد أن هذه الخماسية ماضية نحو مجابهة الأميركية لإعادة استقرار نسبي كبير للعلاقات الدولية.