kayhan.ir

رمز الخبر: 121038
تأريخ النشر : 2020October19 - 20:32

لماذا تخاطر تركيا في سبيل الحصول على اس 400 الروسية؟


شارل أبي نادر

بعد الخلاف التركي - الأميركي، والذي نتج عنه حرمان انقرة من القاذفة الشبحية الاستراتيجية الأميركية "أف 35"، بسبب حصولها على منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس 400"، يبدو أن تداعيات الموضوع تتطور بعد اجراء تركيا اختبارات عملية نهائية على المنظومة الدفاعية المذكورة (اس 400)، وذلك على ساحل تركيا المطل على البحر الأسود، وبالتحديد قرب مدينة سينوب الساحلية حيث ظهر للعيان وللمراقبين عمود رفيع من الدخان في السماء.

الرد الاميركي جاء عنيفا، حيث نددت المتحدثة باسم الخارجية، مورغان أورتاغوس بالتجربة التركية للمنظومة الصاروخية الروسية، وعلى خلفية التجربة، أدلى المشرعون الأميركيون بدلوهم في الأمر، إذ قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، جيم ريتش، "إن التجربة الصاروخية أمر غير مقبول من بلد عضو في حلف شمال الأطلسي، مشددا على أن الخطوة تلحق ضررا شديدا بالعلاقة مع تركيا والتي يجب أن تدفع الثمن، من خلال معاقبتها استنادا لقانون يفرض عقوبات على الدول التي تعزز علاقاتها الدفاعية مع موسكو".

اذاً، لم يعد الموضوع مجرد منظومة صاروخية متطورة بدلًا من قاذفة استراتيجية، بل أصبح مرتبطًا بصراع المحاور والاصطفافات، فإمّا ثبات تركيا في محور حلف شمال الأطلسي التي هي عضو أساسي فيه، والتزامها أسلحته كعمادٍ رئيس لجيشها، أو ابتعادها عن هذا الحلف واختيارها التموضع في الحضن الروسي، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من تغييرات استراتيجية ضخمة، ستطال حيثية واهداف حلف شمال الاطلسي بشكل عام، بما لتركيا من موقع اساسي في الصراع التاريخي للحلف المذكور ضد روسيا (اليوم) أو الاتحاد السوفياتي (بالأمس).

اذاً، ما هي المعطيات العسكرية التي دفعت بتركيا للمخاطرة بالكثير، عسكريًا واستراتيجيًا، في سبيل الحصول على منظومة اس 400 الروسية؟

اولاً: تتمتع منظومة "أس 400" الروسية للدفاع الجوي بشعبيةٍ متزايدة حول العالم، وتسعى دول كثيرة إلى شرائها. ويقول الخبير في تجارة الأسلحة والنفقات العسكرية سيمون فيزمان، الذي يعمل في معهد ستوكهولم، إنّها من أكثر منظومات الدفاع الجوي تقدمًا في العالم، وراداراتها تعمل على مدى بعيد. وهي تستطيع متابعة عدد كبير من الأهداف، بما في ذلك طائرات الشبح. صواريخها سريعة ودقيقة، ويمكن خلال دقائق معدودة نشر منصاتها وإطلاق الصواريخ والانتقال إلى موقع آخر.

تمتلك أنظمة "أس – 400"، باعتبارها واحدة من أهم أنظمة الدفاع الجوي في العالم، قدرات فعّالة على صعيد حماية الأجواء وتدمير الطائرات المقاتلة وطائرات التحكم والاستطلاع والطائرات الاستراتيجية والتكتيكية والصواريخ الباليستية ومجمعات الصواريخ الباليستية التشغيلية التكتيكية، والأهداف الطائرة جميعها التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومنها على سبيل المثال: طائرات الشبح وطائرات الإنذار المبكّر والطائرات المقاتلة وطائرات الحرب الإلكترونية والقاذفات الاستراتيجية وصواريخ "كروز" و«توماهوك» والصواريخ الباليستية .

تستطيع هذه المنظومة السيطرة على 600 كلم من الأجواء وإطلاق صواريخ طويلة المدى (400 كلم) ومتوسطة المدى (120 كلم) وقصيرة المدى (48 كلم). وهي قادرة على متابعة حوالى 300 هدف دفعة واحدة وتدمير 35 منها في الوقت نفسه، حتى وإن بلغت سرعة هذه الأهداف 4800 كلم بالساعة، فيما يبلغ عدد الصواريخ الموجهة في وقت واحد 72 صاروخاً.

ثانيا: بخصوص القاذفة اف 35 الاميركية، والتي حرمت منها تركيا على خلفية حصولها على اس 400، فإن لديها الكثير من المميزات التي تدفع بأكثر من دولة للسعي الحثيث للحصول عليها، وهي:

مقاتلة متعددة المهمات (رماية أهداف أرضية وبحرية ومهاجمة طائرات)، أحادية المقعد والمحرك، وهي ثانية مقاتلات الجيل الخامس بعد "أف 22 رابتور"، وثمرة تطوير للأخيرة بتكلفةٍ أقل، يمكن تجهيز أسلحة المشاة والبحر والجو بهذه المقاتلة القادرة على التخفّي والتي تتفوق على غيرها من المقاتلات المقاتلة الشبحية "أف 117" أو "أل ب 2" بقدرةٍ أكبر على المناورة. تصل سرعتها إلى نحو ألفي كيلومتر في الساعة، وتستطيع التحليق لمسافاتٍ بعيدة من دون الحاجــة إلـى التزوّد بالوقـود، ويبلـغ مـدى تحليقهـا 2200 كيلومتر.

ثالثاً: منظومة "أس 400" هي سلاح دفاعي بامتيازٍ، لها القدرة على استهداف مختلف أنواع الطائرات والصورايخ التي يمكن أن تتعرض لها الأراضي والمصالح التركية، وهي تتفوق على منظومات الدفاع الجوي الأميركية المتطورة مثل "ثاد"، فالأخيرة تختص بالدفاع ضد الصواريخ فقط وليس ضد الصواريخ والطائرات. وهذا لا يناسب الاستراتيجية التركية التي تعتبر أنّ أراضيها ومصالحها قد تكون عرضة لاستهداف دول تملك صواريخ وقاذفات أميركية متطورة مثل إسرائيل أو المملكة العربية السعودية، هذا اذا استبعدنا امكانية استهدافها من قبل دول غربية .

أيضًا، من المنطقي أن تفضّل تركيا الحصول على "أس 400" الروسية بديلًا من الـ"باتريوت" الأميركية، والتي كانت قد عرضتها واشنطن على أنقرة لوقف صفقة الـ "أس 400" مع موسكو، والسبب ضعف الـ "باتريوت" ومستوى الفعالية المتوسط في الدفاع الجوي، الأمر الذي تمّ اكتشافه في إسرائيل بمواجهة صورايخ غزة، وفي السعودية بمواجهة صواريخ اليمنيين.

من ناحية أخرى، صحيح أنّ الـ"أف 35" كقاذفةٍ هجومية أميركية متعددة المهمات، تستطيع أن تؤمّن لتركيا مبدئيًا مناورة قتالية متقدمة، هجومًا أو دفاعًا، ولكن ، يبدو ان هناك بعض الاشكالات التقنية في القاذفة اف 35، حيث أعلنت أكثر من دولة تعليق تحليق المقاتلات الأميركية "أف 35"، بعد تحطّم اكثر من واحدة منها ، ربما بسبب مشاكل في نظام إمدادات الوقود او في امكانية وجود خلل فني في عمل المحرك.

يرى بعض المتابعين ومنهم المحلّل في مجلس العلاقات الدولية كيفين براند، أنّ تصميم المنظومة الروسية "أس 400" القائم على أساس وحدات بديلة يسمح بأن تتكامل مع منظومات أخرى متوسطة وحتى قصيرة المدى للدفاع الجوي، وبذلك يمكن نصب أنواع الصواريخ المختلفة في منصة واحدة، ما يجعل نظام الدفاع الجوي ذا عدة أنساق، وهذا الأمر ربما يناسب تركيا لناحية إمكان الاستفادة من منظومات دفاع جوي موجودة لديها أصلًا .

انطلاقًا مما سبق، وللاسباب العسكرية وغير العسكرية المذكورة، من المنطقي أن تعمد تركيا إلى تثبيت صفقة الـ "أس 400" الروسية وتطويرها وعدم التخلي عنها، اما من ناحية العلاقات الاستراتيجية مع دول الناتو، فإان تركيا ما زالت، ورغم الضغوط الضخمة التي تتعرض لها على خلفية اس 400، تراهن على موقعها المهم بالنسبة للحلف المذكور وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية، بان تعمد الاخيرة الى إرساء تسوية مع أنقرة، تبقي الجدال معها حول المنظومة المذكورة في اطاره الاعلامي والديبلوماسي فقط، دون ان يمتد الى العقوبات او المواقف القانونية ، مع ضمان تثبيت موقع تركيا في حلف شمال الأطلسي بعيدًا من الحضن الروسي، خاصة بعد أن بدأت تظهر ملامح توتر بين روسيا وبين تركيا، على خلفية ملف ناغورنو غاراباخ، حيث تتعارض مواقف الدولتين الأخيرتين بالكامل في هذا الملف.