هل لجأت ايران الى المناورة البطولية مجددا؟
علي عدنان محمد
يشغل الصراع الايراني-الاميركي مساحة كبيرة على الساحة السياسية الدولية، توسعت خلال اربعين عاما دائرة هذا الصراع من صراع هامشي الى اقليمي، وعلى مرّ السنين انتهجت الجمهورية الاسلامية إستراتيجيات مختلفة أوصلتها الى أن تقف امام خمس دول كبرى في مفاوضات نووية، إتخذت ايران من هذا الصراع بوابة للتاثير في المعادلات السياسية الدولية، لتتصدر اجندات الدول الكبرى، وتلعب دورا اكبر بكثير من الدور المتوقع ان تلعبه دولة أجهدها الحصار منذ تأسيس جمهوريتها الحديثة.
في الاونة الاخيرة إشتد هذا الصراع، وكاد ان يصل الى الحرب المباشره في محطات عدة خاصة بعد إنسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، كان من تلك المحطات قيام الادارة الاميركية بعملية اغتيال قادة النصر الشهيد قاسم سليماني والشهيد ابو مهدي المهندس.
بعدما انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي، اراد إعادة صياغته بطريقة ثانية ليحقق نصرا لادارته على صعيد السياسة الخارجية، إلا أن ايران حالت دون تحقيقه ذلك النصر بإصرار كبير، حتى اضطر الاخير ان يخصص رقم هاتف لكي يتمكن صناع القرار الايرانيون من الاتصال به، في حينها كان اصرار ترامب على المفاوضات غايته تحقيق نصر خارجي مبكر يسعفه في انتخابات ٢٠٢٠.
في قبال الرفض الايراني للمفاوضات والانسحاب التدريجي من الاتفاق النووي السابق، اقبل دونالد ترامب على خطوة تصعيدية وهي عملية الاغتيال، وكانت المؤشرات في ذلك الوقت ايضا تشير الى ان التفاوض سيكون ورقة رابحة لترامب في انتخابات ٢٠٢٠، حينها ردت ايران برد عسكري وامتنعت ايضا عن الرضوخ لارادة الادارة الاميركية.
تغيرت الظروف السياسية بعد جائحة كورونا، التي تركت وستترك اثاراً كبيرة على الاقتصاد والنظام العالميين، ووقف ترامب امام ازمة تلو الاخرى، حتى كتبت بعض المراكز وكبار الباحثين على أن ترامب يقف امام خيار خوض حرب لتخرجه من هذه الازمات وتكون اخر الرهانات للفوز في الانتخابات القادمة، ربما يؤيد هذا الخيار فشل صفقة القرن ورفضها من قبل الفلسطينيين، وكذلك تلكؤ اعلان التطبيع من قبل السعودية.
إن اهم تحديات قرار خوض الحرب هو إختيار العدو، فمن سيختار ترامب من قائمة الاعداء؟ إيران قد تكون الخيار الأمثل، مجهدة بالحصار وكورونا والازمات الداخلية، وفي الانتصار عليها ترسيخ للهيمنة الاميركية على العالم.
لكن ايران على ما يبدو متيقظة لهذا الامر، إذ استبقت الاحداث، فإستبدلت اصرارها على عدم التفاوض بالمرونة، وتبيّن ذلك عندما غرّد السيد الخامنئي في ٢٠٢٠/٥/٩ بجزء من خطبته التي سمح فيها باجراء المفاوضات النووية قبل خمسة عقود والتي تتحدث عن صلح الامام الحسن والذي ذكر اهميته السيد الخامنائي في تغريدة اخرى مؤخرا، كما اظهر تساهلها في ادارة ملف اختيار رئيس الوزراء العراقي انها لجأت للمناورة ايضا.
وهذه المناورة البطولية ملفتة للنظر، إذ إن انقاذ الاتفاق النووي وانفتاح ايران الى المفاوضات مع الاوروبيين والصين ستبعد الحرب عن ايران وستفقد الادارة الاميركية مشروعية اتخاذ قرار بشنّ الحرب عليها، وبذلك ستبقى الولايات المتحدة متجهه نحو عزلة دولية بينما تنسجم ايران مع باقي العالم.