مسارات العلاقة بين بغداد وطهران
عادل الجبوري
في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الايرانية الرسمية "ارنا" مطلع شهر تموز - يوليو الجاري، يورد السفير الايراني السابق في العراق حسن دانائي فر بشيء من التفصيل والاسهاب أبرز الجوانب والأبعاد الأساسية في العلاقات بين بغداد وطهران، وعوامل وظروف تعزيزها وتنميتها بما يخدم مصلحة الطرفين.
وبما أن ذلك الحوار يأتي بعد أقل من شهرين على تصدي حكومة مصطفى الكاظمي لمقاليد الأمور خلفًا لحكومة عادل عبد المهدي المستقيلة، فإنه من الطبيعي جدًا أن يتناول الدبلوماسي الايراني الضليع بالشأن العراقي، رؤية بلاده وموقفها من الحكومة الجديدة في بغداد، اذ يقول "ان الكاظمي كونه رجل سياسي، يدرك أهمية العلاقات بين الجمهورية الاسلامية الايرانية وجمهورية العراق، ويحاول الحد من الآثار السلبية على العلاقات الثنائية".
ولعل تفكيك هذه العبارات، يمكن أن يبلور جملة مفاهيم أو حقائق أو تصورات، من قبيل، أنه في الإطار العام لا تتبنى طهران أي موقف سلبي حيال الكاظمي وحكومته، وهي تتعاطى معها كما تعاطت مع الحكومات العراقية السابقة.
ويمكن للمراقب السياسي أن يرصد مصاديق وأمثلة وإشارات عديدة لذلك التعاطي الايجابي منذ انبثاق حكومة الكاظمي وتصديها للمسؤولية، خصوصًا ما يتعلق بالتصدي لجائحة كورونا، فضلًا عن ذلك فإن الحراك بغداد - طهران البعيد عن صخب منصات الاعلام ومنابر السياسة، أخذ في سياقه العام منحًى ايجابيًا، بحسب ما تؤكد أوساط مطلعة من كلا الطرفين، رغم ضغوطات ومؤثرات خارجية تعمل على دفع الأمور باتجاهات معاكسة.
ولعل طهران، تتفهم الكثير من المعطيات والحقائق، وهو ما يبدو واضحًا من خلال قول دانائي فر تعليقًا على الجولة المرتقبة للكاظمي على كل من الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية الايرانية والسعودية "إن الكاظمي يعمل على ايجاد التوازن في العلاقات مع ايران بحكم الجوار كما أن ايران ترغب في تعزيز علاقاتها مع العراق في مختلف المجالات وتعمل على تنويعها ونأمل أن تستمر العلاقات القوية بينهما لتصل الى ما يتطلع البلدان اليه، وان العراق يرغب في توطيد علاقاته مع هذه الدول، ادراكا منه لاهمية دورها الاقليمي، لأن تحسين العلاقات مع هذه الدول الثلاث يترك تأثيرا على القضايا الداخلية في العراق.
ولا شك أن مثل هذا الفهم يساهم في حلحة الكثير من العقد المستعصية والملفات الشائكة والقضايا العالقة، ويمكن أن يؤسس الى تقارب مثمر. ويبدو أن الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف لبغداد الأسبوع المقبل، تأتي في سياق تعزيز العلاقات بين بغداد وطهران على كل الصعد والمستويات، فضلًا عن تهيئة وبحث ومناقشة أبرز الملفات والقضايا التي ستتصدر أجندة زيارة الكاظمي لطهران المتوقع حصولها بعد وقت قصير.
واذا كان ثمة ملفات وقضايا راهنة متحركة، تمثل أولويات لدى صناع القرار في بغداد وطهران، تفرض بشكل أو بآخر وجود أقصى درجات الحرص والاهتمام بها، وهي في مجملها قد تكون ذات صبغة اقتصادية، فإن هناك ثوابت وحقائق جغرافية وتاريخية وعقائدية وثقافية تفرض نفسها في كل الظروف والأحوال، ومن غير الممكن تجاهلها والقفز عليها، مهما تعددت وتنوعت البدائل والخيارات. وقد أشار السفير الايراني السابق لدى بغداد الى جانب من ذلك، بقوله "ان طول الحدود المشتركة بين البلدين يبلغ الف واربعمائة كيلومتر، وتربط بينهما اواصر تاريخية ودينية وثقافية واجتماعية، جعلت العلاقات بينهما مستدامة ومتنوعة، وستستمر في ظل الظروف التي تسود المنطقة".
ويؤكد انه "رغم بعض المشاكل بما فيها تفشي فيروس كورونا، الذي انعكس سلبا على العلاقات الاقتصادية بين ايران والعراق، وأدى الى اغلاق المعابر الحدودية المشتركة، الا أن العراق يستحوذ على أعلى حصة من الصادرات الايرانية، ومن المؤمل ان يزداد حجم صادراتنا الى العراق بفضل الجهود التي تبذل في الحدود المشتركة والتي ساهمت في اعادة فتح بعض المعابر الحدودية".
وقد شهد عام 2019 قطع أشواط مهمة في مسيرة تعزيز وتطوير العلاقات العراقية-الايرانية، حيث قام الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني بزيارة العراق في اذار - مارس من العام الماضي، وقبلها كان رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي قد زار ايران، فضلا عن تبادل الزيارات بين مسؤولين ووفود باختصاصات مختلفة، الى جانب تفعيل اللجان المشتركة بين الجانبين، وكل ذلك من أجل وصول حجم المبادلات التجارية الى عشرين مليار دولار، علما أنها حتى نهاية العام الماضي بلغت اثني عشر مليار دولار، قبل أن تتراجع وتنحسر جراء آثار وتبعات جائحة كورونا التي اجتاحت البلدين بقوة.
جاء روحاني العام الماضي الى العراق على رأس وفد سياسي - اقتصادي - أمني رفيع المستوى، ودامت زيارته أربعة أيام، وتمخضت عن ابرام خمس وثائق ومذكرات تفاهم استراتيجية بين البلدين، وصفها السفير الايراني في بغداد ايرج مسجدي، بـ"وثيقة التعاون الشاملة والكاملة بين البلدين"، اذ تمثلت بمذكرة تفاهم بين وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية ووزارة التجارة العراقية، ومذكرة تفاهم لانشاء مشروع سكة حديد البصرة - شلامجة، ومذكرة تفاهم لتسهيل الحصول على تأشيرة للمستثمرين والتجار ورجال الأعمال، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون المشترك في مجالي الصحة والنفط.
ولاشك ان ظريف حينما سيأتي الى بغداد، وفيما بعد حينما يذهب الكاظمي الى طهران، لن يكون الانطلاق من الصفر، بل ستكون كل المباحثات والنقاشات استكمالًا وتعزيزًا لما أنجز وتحقق خلال الأعوام السبعة عشر المنصرمة، في ذات الوقت، يمكن أن تسير علاقات بغداد مع مختلف الأطراف الاقليمية والدولية بمسارات متوازية وليست متقاطعة، مع الحفاظ على أولوية السيادة الوطنية، وربما يمكن أن يفضي ذلك الى حلحلة بعض العقد والملفات الشائكة في المنطقة، وهو ما تناوله وتحدث عنه السفير حسن دانائي فر.