لو كنت تدري لخرجت عن ملة الاسلام!
حسين شريعتمداري
يُنقل الكثير عن مناقب العلامة الكبير السيد محمد مهدي بحر العلوم وهو من علماء الشيعة الكبار في القرن الثاني عشر الهجري، وقد عرف عنه تواصله وتفقده لعامة الناس والفقراء والمحتاجين على الخصوص. اذ كان يخرج ليلا وهو يحمل الطعام الى العوائل المتعففة اضافة لمبالغ نقدية من العملة المتداولة آنذاك في العراق، فيقطع الطرقات والازمة الضيقة في النجف الاشرف، راكبا ظلمة الليل كي لا يلتفت اليه أحد، فيضع كمية من الطعام وصرة من النقود امام كل بيت ويطرق الباب ثم يغادر مسرعاٌ قبل ان يعرفه صاحب الدار المستضعف حفظا لماء الوجه.
أحد تلامذة العلامة المرموقين وهو السيد جواد العاملي بدوره ينقل ان في ليلة يلتقي باستاذه السيد بحر العلوم وقد اضناه التعب والتحرق، فيشرع بعتابه عتابا شديدا قائلا؛ ما هكذا الظن بك يا سيد! ألا تستحي من ربك؟ فسألته وما الذي حصل يا سماحة الاستاذ، فاجاب: ان احد جيرانك يشكو الفقر، واعتاد ان يشتري التمر الرخيص قوتا لعياله حتى بلغ به الامر ان تراكمت ديونه فلم يتمكن من ابتياع التمر في ليلة مضت وقضى واهله طاوي الامعاء. يقول السيد العاملي، فاعتذرت من العلامة بأني لم اكن اعلم بحاله. فرد العلامة: أعلم إنك لم تكن تخبر حال جارك وهذا بحد ذاته ذنب. ولو كنت تعلم بحاله ولم تساعده لخرجت عن ملة الاسلام وصرت كافرا! فناوله العلامة كمية من الطعام وقدراً من المال وقال: اخبر جارك بانك عزمت ان تتناول طعام العشاء معه هذه الليلة و...
ليت العلامة بحر العلوم كان بين ظهرانينا ليرى، ومن يدري لربما هو يرانا ويرفع يده بالدعاء للشعب الايراني، الذي خطا منذ باكورة انتصار الثورة الاسلامية والى اليوم، في مسير رسمه مولانا امير المؤمنين علي عليه السلام، فضربوا افضل العبر في التراحم والتكاتف ونصرة خلق الله مآثر يعدم نظيرها، وكيف سطروا خلال احلك الظروف اروع الامثلة في نصرة الضعيف واغاثة الملهوف، وازاحوا غبرة الانانية الحاكمة على العالم اليوم فحولوا الانانية الى الايثار والتضحية.
وما الازمة المرضية الحاكمة على العالم بالابتلاء بجائحة كورونا، الا حلقة من سلسلة الايثار والتراحم بين ابناء هذا الشعب. فالطواقم الطبية والصحية شروا المخاطر رخيصة بارواحهم فخرجوا مرفوعي الرأس وجنودا اوفياء لخدمة المصابين بوباء كورونا فاتخذوا التدابير المنطقية لخفض التداعيات السلبية للفيروس. فمنهم من انخرط في جبهة ايصال الخدمات للمحرومين، ومنهم من يقضي اوقاته بالتعقيم والتطهير لجميع الاماكن العامة والازمة والطرق، فيما تحولت مراكز الكسبة والمحال التجارية والمنازل السكنية والمساجد و مراقد الصالحين الى معامل لانتاج الكمامات والاجهزة الخاصة بوحدات العناية المركزة والمعدات الطبية لاختبار الاصابة. وبدورهم تغاضى اصحاب المحلات عن بدل الايجار تعاضدا مع الكسبة. وشاركت المرأة والطفل الى جانب الشباب والرجال والطلبة والتعبويين وطلاب العلوم الدينية وائمة الجمعة والجماعة كخلية نحل في كافة المجالات التي تصب في مكافحة هذا الوباء، ولاسيما في ا لمستشفيات والمغامرة بخطر الاصابة بالمرض جنبا الى جنب الطواقم الطبية والصحية لخدمة المرضى و...
ورحم الله امامنا الراحل ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ويرفع من درجاته حين قال: "أقولها بملء الفم، بان الشعب الايراني والملايين منهم هذا العصر هم افضل من شعب الحجاز في زمن رسول الله (ص) والكوفة والعراق خلال فترة حكومة اميرالمؤمنين والحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليهما)".