kayhan.ir

رمز الخبر: 111098
تأريخ النشر : 2020April19 - 19:34

الوباء بدأ يغير العالم العربي .. الى أين؟

سركيس ابوزيد

كل الدلائل تشير الى أن "عالم ما بعد كورونا" سيكون مختلفًا عما قبله. سنشهد مرحلة جديدة على المسرح السياسي: موازين القوى تتعدل، خارطة العلاقات تتخذ مسارات مختلفة ما زالت مجهولة حتى الآن. فرضت عاصفة الوباء على كل دولة عربية مراجعة سياساتها وأولوياتها. تغييرات وتحولات ملحوظة بدأت طلائعها بالظهور تباعا، سنتوقف عندها، خاصة في اليمن والعراق فضلًا عن انعكاس الانتخابات الاسرائيلية والاميركية على مستقبل ما يسمى "صفقة القرن":

1 - اليمن

شكّل إعلان وقف النار في اليمن، "فرصة جدية" لوقف الحرب التي انطلقت منذ 6 سنوات. اعلان قد يمهد لإطلاق مفاوضات من اجل عملية الحل السياسي. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التوصل الى هدنات عسكرية سرعان ما كانت تنهار، ولكن هذه المرة تتميز الدعوة الى وقف النار بأمرين:

- الأول أن الدعوة جاءت تحت وطأة أزمة "كورونا" التي تفرض وقفا قسريا للعمليات العسكرية، بعدما ضربت هذه الأزمة دول الخليج الفارسي وبدأت تصل حديثا الى داخل اليمن، حيث يكبر خطر تفشي الفيروس في ظل انعدام الخدمات والبنى التحتية الصحية والاستشفائية.

- المبادرة الى وقف النار صدرت عن السعودية التي تذرعت بدواع إنسانية وصحية، إلا أنها تنطوي على مؤشر سياسي مفاده أن السعودية بعد فشلها في حرب اليمن، تميل الى تهدئة اللعبة في اليمن، لتمرير المرحلة، بانتظار الانتقال الى العملية السياسية في ظروف جاهزة أكثر.

فالسعودية تواجه جملة ظروف وعوامل ضاغطة لا تقتصر على حرب اليمن وفاتورتها الباهظة، وإنما تشمل أيضا حرب أسعار النفط وانعكاساتها على اقتصاد السعودية وميزانيتها المالية ونفقات الموازنة، إضافة الى أزمة "كورونا" التي قلبت الوضع في السعودية بشكل كامل، فاتخذت سلطاتها قرار توقيف رحلات العمرة، مع اتجاه الى إلغاء موسم الحج لهذا العام، ويتطور الوضع بشكل دراماتيكي مع ارتفاع عدد الإصابات التي وصلت الى العائلة المالكة أيضا (تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" أكد إصابة 150 أميرا من الأسرة الحاكمة بالفيروس وتجهيز 500 سرير في مستشفى الملك فيصل لإفساح المجال أمام تقديم العلاج لأفراد العائلة المالكة).

من المهم جدا ثبات وقف النار وعدم انهياره، وعدم مبادرة أي طرف الى استغلاله لتحسين مواقعه وشروطه ...أما الانتقال الى مرحلة المفاوضات وفتح باب الحل السياسي، فإن ظروفه غير ناضجة في ظل انشغال دولي وإقليمي بأزمة "كورونا"، ومع وجود ّهوة واسعة بين الموقفين والتصورين السعودي واليمني للحل.

2 - العراق

سلوك الأزمة السياسية ـ الحكومية في العراق طريق الحل، كان تحت وطأة أزمة "كورونا" وما كان لها من تأثيرات سلبية على الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية، وتحت وطأة انهيار أسعار النفط. هامش المناورة ضاق كثيرًا عند كل الأطراف وباتت الحكومة حاجة ملحة ومصلحة عامة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني.

للمرة الأولى منذ استقالة عبد المهدي يحصل توافق سياسي على رئيس جديد للحكومة هو مصطفى الكاظمي، ويحصل إجماع غير مسبوق بعدما فشلت محاولتان لتشكيل حكومة جديدة منذ بداية عام 2020 واعتذار محمد توفيق علاوي وبعده عدنان الزرفي. هذه المرة التقت كل الكتل والقوى الشيعية على دعم الكاظمي الذي تلقى دعم الأكراد والسنّة أيضًا، وكان منذ البداية المرشح المفضل للرئيس العراقي برهم صالح الذي أشاد به بعد التكليف كـ"شخصية مناضلة ومثقفة معروف عنه النزاهة والاعتدال والحرص على الحقوق العامة للعراقيين".

يعتبر الكاظمي "مطابقا لمواصفات المرحلة". هذا الرجل الآتي من عالم الصحافة (كان مناهضا لنظام صدام حسين ولاجئا مقيما في لندن)، ومن عالم المخابرات (تولى رئاسة جهاز المخابرات منذ العام 2016 في ذروة المعركة مع "داعش")، تنتظره مهمة صعبة وإنقاذية لإنقاذ العراق من كارثة اقتصادية وسياسية، ويعتبر الرجل الأنسب والأفضل لهذه المرحلة... فقد أتاح له موقعه في رئاسة المخابرات بناء علاقات مع الدول والأجهزة التي تعمل ضمن "التحالف الدولي"، ومع كل اللاعبين السياسيين على الساحة العراقية. مصطفى الكاظمي ينظر إليه في العراق كـ"مفاوض ماهر قادر على تسخير علاقاته الواسعة مع واشنطن وطهران"، وكـ"شخصية حيادية متوازنة"، إذ لم يسبق له أن انتمى الى أحد الأحزاب السياسية، وصاحب عقلية براغماتية قادر على لعب دور الوسيط السياسي بين الأطراف العراقية خلال الأزمات.

وإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، فإن "حكومة الكاظمي" تُقرأ من العناوين التي حددها لحكومته والهدف الأساسي الذي وضعه، وهو احترام وتأمين سيادة العراق. وهذه العناوين تُختصر بثلاثة أساسية:

- مكافحة الفساد وتنفيذ إصلاحات عاجلة وشاملة، وتنظيم انتخابات عامة مبكرة.

- حصر السلاح في يد الدولة التي لها دون سائر القوى والمجموعات حق وصلاحية السلطة والسلاح.

- إقامة علاقات خارجية متوازنة.

3- "صفقة القرن"

"صفقة القرن" مجمدة الآن لأن العالم منشغل بوباء كورونا وبسبب الانتخابات الاميركية والاسرائيلية:

1- الانتخابات الاسرائيلية

لمواجهة الأزمة الطارئة بفعل "كورونا"، الوضع في" إسرائيل" يقف حاليا عند المعطيات التالية:

- كفة تشكيل الحكومة راجحة على كفة سيناريو انتخابات رابعة.

- كسب نتنياهو المعركة بأن أسقط رهان خصومه على إسقاطه.

- نجح نتنياهو في فرض شروطه السياسية وأولها تطبيق ما يسمى "السيادة الإسرائيلية" على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وضم منطقتي غور الأردن وشمال البحر الميت.

- يرى نتنياهو أن الرئيس ترامب المنهمك بالأزمات الصحية والاقتصادية، سيكون مشغولًا بالانتخابات الرئاسية، ولن يقدم خلالها على خطوات درامية بخصوص الشرق الأوسط ، لا سيما فرض صفقة القرن.

2- الانتخابات الاميركية

الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت محسومة بين دونالد ترامب وجو بادين، بعدما دخل وباء "كورونا" على معادلة "البازار" الانتخابي. واجه ترامب انتقادات قاسية بسبب سوء أداء إدارته أزمة "كورونا" مما خفض من فرص إعادة انتخابه بعد ارتفاع حصيلة القتلى والتأثير المدمر على الاقتصاد.

كان ترامب قبل "كورونا" في وضع مريح ومتقدم بفعل قوة الاقتصاد الأميركي، أقوى ورقة انتخابية وشعبية في يده، لكن بعد كورونا فإن تغييرًا حصل في مسار السباق الرئاسي، واستطلاعات الرأي أظهرت تقدم بايدن على منافسه ترامب، لكن كل الاحتمالات مفتوحة.

وضع الانتخابات الاميركية متقلب وغير محسوم بعد مما يعطل من قدرة واشنطن على التاثير في القضايا الدولية وفرض "صفقة القرن" مما يفتح الباب أمام تغيرات عربية في زمن كورونا تطرح السؤال المصيري: العالم العربي يتحول لكن الى أين؟