حماقات أردوغان والمربع الأخير
غالب قنديل
لم يستوعب رجب أردوغان معنى التوقيع مع الرئيس فلاديمير بوتين في سوتشي على اتفاق يملي عليه التزامات واضحة ومحددة ويسمح له مقابل ذلك بدور في الشراكة برعاية المسار السياسي السوري مقابل تعهده الصارم بتفكيك الفلول الإرهابية المدعومة والمحمية من قبل تركيا والتي تجمعت في الشمال السوري بحصيلة مسار تفكيك متواصل قادته الحكومة السورية بالبناء على اتفاقات خفض التصعيد ونتيجة تبدل موازين القوى على الأرض وتوسع انتشار الجيش العربي السوري الذي خاض معارك ضارية ضد عصابات القاعدة وداعش والأخوان بمعونة روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية.
أولا بموازاة الاتفاق ومن يوم توقيعه انطلقت مسيرة تنصل أردوغان من احكامه وهو عطل التطبيق الميداني لما تم التفاهم عليه واعيد تاكيده مرارا في لقاءات روسية تركية وعبر اجتماعات ثلاثية شاركتهما فيها إيران طوال العامين الماضيين خصوصا.
تلاعب أردوغان وكذب كثيرا كالعادة بينما كانت الأقمار الصناعية الروسية والوحدات الروسية والإيرانية الاستشارية على الأرض السورية تحصي وبالتفاصيل ما يقوم به الجيش التركي من دعم ومساندة لعصابات النصرة وداعش وفلولها متعددة الجنسيات بدلا من التفكيك المتفق عليها وتم توثيق ما فعله أردوغان بوقاحة لعرقلة عمليات الجيش العربي السوري على أرضه وانتهاكه العدواني المتواصل للسيادة الوطنية السورية وكان ذلك بمثابة تعبير خبيث عن تمسكه باطماع دفينة جسدها دوره التخريبي التآمري بالأمر الأميركي من اول أيام العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على سورية عام 2011 .
ثانيا الاستماتة الانكشارية في العدوان على سورية ترتبط ببلوغ لعبة أردوغان مربعها الأخير بفعل دك الجيش العربي السوري لآخر المعاقل الإرهابية بعدما استهلك سلطان الوهم الانكشاري جميع الفرص المتاحة لتنفيذ التزاماته وأحرق بيده فرص الاحتواء والتجاوب مع موسكو وطهران وكل ما قامت عليه من حسابات للمصالح المشتركة ومن رغبة في جذب انقرة إلى نموذج الشراكات المشرقية.
برهن الرئيس التركي على استمرارارتباطه بالهيمنة الأميركية والحلف الأطلسي رافضا حسم خياراته لصالح الاحتفاظ بهوامش الابتزاز وكان التجاوب السوري مع مبادرات الحليفين الروسي والإيراني مبنيا دائما على الثقة المتجددة بين الحلفاء الثلاثة التي جسدتها جميع التفاهمات مع تركيا التي بنيت على فرض مبدأ التعهد باحترام السيادة السورية وبوحدة التراب الوطني السوري وعلى الرغم من يقين القيادة السورية الذي تسنده الوقائع والشواهد بان حكم أردوغان وحزبه الأخواني مراوغ وابتزازي يمارس الدجل والنفاق السياسي وليس شريكا ذا مصداقية كما بينت التجربة السورية نفسها لسنوات سبقت انكشاف الدور التركي البشع في مخطط تدمير سورية والعدوان عليها لكن دمشق ادارت الصراع بدقة وذكاء كبيرين وبمنهجية فضحت أمام أنظار حليفيها الكبيرين حقيقة أردوغان المصمم على تكرار حماقاته.
ثالثا تخيل الكثيرون ان درس الصفعة الروسية القاسية بعد إسقاط الطائرة فوق اللاذقية حفر عميقا لدى الرئيس التركي وقد يفرض عليه سلوكا حذرا في التعامل مع روسيا وإيران اللتين أقامتا حلفا استراتيجيا وثيقا مع سورية تحول واقعيا إلى تكتل متين تعمده الدماء ووحدة الأهداف العليا التي تطال مستقبل المنطقة والعالم.
الرهان الأخرق الذي راود اردوغان دون انقطاع هو تخيير كل من روسيا وإيران بينه وبين الرئيس بشار الأسد وقد تخيل في ميزانه الافتراضي لقياس الربح والخسارة ان كفته ستكون الراجحة لكن الواقع هو على النقيض كليا من هذه الفرضية فالرئيس الأسد قائد صلب وقوي وشريك موثوق يمكن الركون إلى مصداقيته والتزاماته وقد برهنت التجربة على متانة زعامته الشعبية ورسوخها وعلى جذرية توجهاته التحررية المشرقية وهو يعامل في طهران وموسكو على انه رفيق سلاح وشريك أصيل في الطموحات الكبرى للتخلص من نير الهيمنة الأميركية على العالم.
رابعا الشراكة السورية الإيرانية المعمدة بالدماء تخطت الأربعين عاما وهي مكرسة بميثاق مقاومة الهيمنة الغربية الصهيونية منذ انتصار الثورة الإيرانية وباتت أصلب واعمق بكثير من ان تقاس في طهران بشراكة تجارية مع تركيا انطلقت من هامش فتحته الولايات المتحدة لحليفها التركي في جدار الحصار الذي فرضه الغرب على إيران بعد قيام جمهوريتها اما الحلف بين سورية وروسيا فهو الذي اتاح لروسيا فرصا كبرى في المنطقة ومنافذ سياسية عسكرية أتاحت التأثير في الحسابت والمصالح التركية نفسها وكان ذلك كله بقوة الصمود السوري في وجه مؤامرة كبرى كان أردوغان من منفذيها بإمرة السيد الأميركي وهو ما جعل الشراكة مع القائد الأسد خيارا استراتيجيا لا يقاس بفواتير التجارة مع تركيا بكل ما فيها من شراكات ومكاسب.
وتكفي المقارنة في معايير الاستقامة والوضوح والمصداقية لحسم التوقعات بخيبة جديدة للابتزاز والفهلوة الاخوانية ولكن الكلفة هذه المرة ستكون اعلى وأكبر مما سبق فالدعم الروسي والإيراني لمعركة الدولة الوطنية السورية في تحرير ترابها الوطني واستعادة سيادتها والتخلص من عصابات الإرهاب هو التزام مبدئي وأخلاقي ثابت كما هو تعبير عن مصلحة روسية وإيرانية مباشرة.