kayhan.ir

رمز الخبر: 110093
تأريخ النشر : 2020March01 - 19:48

ملحمة قضائية في السعودية تنتهي بالإعدام لشاب احتفظ بصورة السيد علي الخامنئي على هاتفه

قبل ما يزيد عن الخمسة سنوات من اليوم، لم يكن الشاب السعودي مصطفى بن هاشم آل عيسى آل درويش، يعلم وهو في طريق عودته من عمله البسيط في إحدى شركات الظهران، أنه أضحى مجرماً خطيراً، بانتظاره سجوناً وتعذيباً وقائمة وتهماً مجهزة سلفاً، ستفضي إلى قتله تعزيراً.

عامل الحفر البسيط، ابن التسعة عشرة عاماً - حين اعتقاله- ، تلقى في آيار / 2015 مكالمة هاتفية من مركز شرطة المباحث في محافظة الدمام، دعته للتوجه إلى المركز على وجه السرعة، وهناك، وجد محققين يعذبوه كي يقر على نفسه ارتكاب قائمة طويلة من الجرائم، إذ وجه إليه ادعاء التحقيق 13 تهمة كانت أقلهن:" اشعال الإطارات والاحتفاظ بصورة لـ خامنئي في هاتفه الشخصي" بينما وصلت أكثرهن خطورة لـ: "تشكيل خلية عسكرية قامت بعلميات إطلاق نار تجاه الدوريات ومراكز الأمن".

وبموجب تلك التهم، تلقى الشاب "درويش" الذي قضى في سجنه خمسة سنوات، حكماً: "بالحرابة" وإن تم رفض الحكم الأول، فـ : "بالقتل تعزيراً"، وبعد المصادقة القضائية على الحكمين، سمحت المحكمة الجزائية لـ درويش باختيار محامٍ للدفاع عنه وتقديم الطعون في التهم والملابسات، وهنا، شهدت المحكمة مرافعات "ملحمية" بعدما اختار الشاب درويش، والده هاشم آل عيسى آل درويش محامياً عنه.

إذ خاض "الوالد المحامي" سلسلة من المرافعات القضائية الملحمية أمام هيئة الادعاء، قدم خلالها جملة من المعطيات والدلائل التي تثبت براءة ابنه من التهم الموجهة إليه، وبحسب المعلومات التي استطاعت "النهضة نيوز" الحصول عليها، فإن والد الشاب درويش، قدم في مرافعته الأولى مجموعة من "الدفوع الشكلية" التي تتصل بإجراءات التوقيف التي تخالف النظم القانونية المعمول بها في المملكة العربية السعودية، وتقود إلى بطلان الدعوى الموجه ضد نجله، ومجموعة اخرى من "الدفوع الضمنية

يشار إلى أن المحكمة الجزائية التي بدأت أولى جلساتها بعد عامين من توقيف المتهم في سجون الدمام، أسندت للشاب درويش مجموعة من التهم هي: " الخروج المسلح على ولي الأمر، ، قطع الطريق، اخافة السبيل بقوة السلاح الناري مجاهرة ومكابرة، تكوين خلية خارجة عن النظام قامت بإطلاق النار على مراكز أمنية ودوريات أمنية 35 مرة، مراقبة دوريات الأمن والترصد لها، السعي لإشاعة الفوضى من خلال المشاركة في تجمعات شعبية في جزيرة تاروت وحي الربيعة وحي الشويكة، الاخلال بالأمن العام، صناعة القنابل الحارقة – مولوتوف-، القاء القنابل الحارقة على الأجهزة الأمنية، اشعال الإطارات، حيازة سلاح من نوع مسدس و35 طلق ناري، اثارة الشغب في محافظة القطيف الشيعية وتحديده موعد التجمعات الشعبية التي تظاهرت ضد النظام، تستره على عدد من المطلوبين للقوى الأمنية، احتفاظه بصورة مسيئة لرجال الأمن، وأخيرا تخزين صورة لقائد الثورة الإيراني علي خامنئي على هاتفه الشخصي".

أول الدفوع الشكلية التي قدمها الوالد المحامي استندت إلى المادتين (187) و (189) من نظام الإجراءات الجزائية في المملكة، الذي يقرر أنه لا يجوز التحفظ على المتهم في السجن لمدة تزيد عن 6 أشهر بدون محاكمة، يمكن تجديدها لـ 6 أشهر أخرى بإذن من المحكمة، فيما اعتقل "نجله مصطفى" لمدة سنتين متتاليتين في سجون الدمام، بدون عرضه على القضاء، كما أن التهم التي وجهت إليه من حيازة السلاح وتشكيل خلية ارهابية، تستدعي التحقيق بها من قبل "هيئة التحقيق والادعاء العام" بموجب المواد (12) و (52) و (15) من نظام الاجراءات الجزائية، فيما لم يتم التحقيق مع "المتهم" من قبل الهيئة المذكورة، وأكمل "المحامي الوالد" مرافعته بالدفع في اتهام نجله بتشكيل خلية ارهابية بالشراكة مع خمسة متهمين آخرين، فيما لم يتم التحقيق مع المتهمين في هذه القضية مجموعين مع نجله الذي حوكم بالنيابة عنهم منفرداً

وبموجب هذه الثغرات في اجراءات التوقيف والادعاء الشكلية، طالب "الوالد" باسقاط التهم الموجهة لابنه واخلاء سبيله.

ثم استرسل "المحامي الوالد" على مدار جلسات طويلة في استعراض الدفوع الموضوعية في القضية، إذ أنكر "الشاب مصطفى" جميع التهم التي وجهت إليه، فضلاً عن انكاره معرفته بأسماء الأشخاص الذين اتهموا بأنهم شركاؤه في تشكيل الخلية المسلحة، مشدداً على أن اقراره على التهم الموجهة إليه تم تحت الضغط والتهديد والتعذيب الجسدي والأذى الذي تسبب به المحققين لمناطق حساسة من جسمه ، إذ استمر المحقق بتهديده وضربه خلال اقتياده للمصادقة على ما ثبتوه عليه من أقوال أمام المفتي، حتى أنهم قالوا له، بأنه وفي حال إنكاره المتكرر للتهم، لن يكون أمام المفتي إلا أن يعيده للسجن، ليعاد كرة تعذيبه الجسدي والجنسي من جديد.

كما بين "المحامي" أن إقرار نجله على نفسه تم بالإكراه، إذ رفض المحققين دخول المحامين إليه أثناء فترة التعذيب والتحقيق، طلب والد المتهم من القاضي استدعاء المحقق لمناقشته في آليات التحقيق الذي لا يستقيم ولا يقبل قولاً ولا عقلاً.

واستمرت ملحمة الدفاع في تقديم الوالد المحامي تفنيد منطقي للدلائل التي قدمها الادعاء، إذ كشف أن الأسماء التي يقال أنها اشتركت مع ابنه في الأعمال المسلحة ضد القوى الأمنية وتشكيل الخلية، جرى محاكمتهم أمام محكمة الرياض ولم توجه إليهم تهم المشاركة في الخلية الارهابية ولا المشاركة في العمليات أساساً.

وذكرت مصادر مطلعة لـ "النهضة نيوز" أن المحامي صدم هيئة الادعاء والتحقيق في القضية، بشواهد وتفسيرات منطقية تدحض التهم والأدلة المزعومة بحق الشاب المعتقل، إذ أورد أن شركاء "مصطفى" في الخلية اعترفوا عليه بأنه أطلق عدد طلقات معين خلال كل عملية اشتباك، وتساءل كيف يمكن لهم أن يعدوا عليه عدد الطلقات، وأن يعد هو لنفسه عدد الطلقات التي اطلقها في اشتباك مزعوم كهذا، وبل ويتذكر عدد طلقاته وطلقات رفاقه بعد سنتين من الحادث؟

وكرر "الوالد المحامي" تساؤله أيضاً عن السبب الذي لم يقدم فيه المشاركون الخمسة معه في عملية اطلاق النار على دوريات الأمن بقضية واحدة، وأجاب: السبب واضح، وهو أن الدعوى باطلة وقد انتزع الاقرار تحت التهديد بالتعذيب والقتل.

كما طالب الادعاء بتقديم أدلة مادية على كل القضايا التي اتهم بها نجله، كأشرطة فيديو وصور له أثناء مشاركته بأي من التهم التي وجهت إليه، وأكد أنه لا يوجد أي دليل ضد ولده سوى اقرار انتزع بالتعذيب والإكراه.

ورد الوالد المحامي على اتهام ابنه بصناعة قنابل ملوتوف في ديوانية أحد المتهمين بالقول بأنه ينبغي جمع الواردة أسماؤهم في القضية كي يتم اثباتها لا محاكمته منفرداً، ولمّا لم توجه ذات التهم إلى المشمولين في قضيته لهم أثناء اعتقالهم فإن الدعوى بطالة، وأكد المتهم أن المحقق انتزع الاعترافات منه وأجبره على الإقرار تحت التعذيب، بعد أن هدده بأنه سيقطع نسله.

فيما فجر والد الشاب درويش مفاجأة عندما اثبت ان ولده أجبر على التوقيع على إقرار منسوخ نصاً من محضر اتهام معتقل أخر، إذ زعم أن ولده يمتلك هاتف من نوع "بلاك بيري" ويخزن عليه صورة لخامنئي، وأثبت الوالد بأن ولده لا يمتلك جهازاً كهذا وأن المحقق نسخ التهمة من محضر متهم آخر وأجبر ابنه على التوقيع عليها تحت تهديد التعذيب الجنسي والجسدي.

ورغم كل الشواهد التي قدمها الوالد خلال جلسات المحاكمة التي استمرت لسنوات، تمسك القضاء بإعدام الشاب مصطفى مستدلاً بعدد هائل من الشواهد الدينية العمومية، دون مناقشة المحامي بتفنيده، إذ أصدر القضاء السعودي يوم الخميس حُكمًا نهائيًا بالقتل تعزيرًا بحقّ المعتقل مصطفى بن هاشم بن عيسى آل درويش (مواليد 1994 من جزيرة تاروت) بعدما صادقت المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف على القرار الذي قد ينفّذ في أيّ وقت.

آفاق