بعد تصفية رجاله.. الخطر يقترب من الملك سلمان
نبيل لطيف
بالرغم من انه لم يمر سوى يومين على عملية تصفية ضابطين كبيرين في الحرس الملكي السعودي، احدهما وهو عبد العزيز الفغم المطيري، الذي يعتبر ظل الملك السعودي سلمان، لملازمته اياه حتى في غرفة نومه، الا ان ما قيل عن الحادث سعوديا ، حكومة ومعارضة، يوحي الى ان شيئا ما حصل في القصر، أقرب ما يكون الى انقلاب، او تمهيد لانقلاب.
اذا اخذنا الرواية الحكومية، فقد جاءت ملتبسة، وبدلا من ان توضح ما جرى زادت الى الشكوك شكوكا، فبدلا من ان تبادر الجهات الرسمية السعودية للاعلان عن الحادث، تولى حساب "بن عويد" (غير رسمي) على "تويتر"، المهمة، ، حيث كتب مغردا، ان الفغم قتل في شجار وقع مع صديق له يدعى ممدوح بن مشعل آل علي، في بيت صديق ثالث في جدة يدعى فيصل السبتي.
بعدها جاء دور وكالة الأنباء الرسمية السعودية التي نقلت عن المتحدث الإعلامي بشرطة منطقة مكة المكرمة قوله إن اللواء الفغم تشاجر مع آل علي في بيت صديق ثالث لهما في جدة، وخرج آل علي من المنزل وعاد ومعه سلاح فاطلق النار على الفغم وجرح اثنين اخرين، وان الجاني قُتل بعدما رفض الاستسلام للجهات الأمنية التي حاصرت الموقع الذي تحصَّن بداخله، حيث أطلق النار.
المغرد السعودي المعروف والمطلع على خفايا قصور ال سعود ، "مجتهد" استهجن ما ذكره حساب "بن عويد" على "تويتر"، متسائلاً: "من أعطاه حق نشر هذه المعلومة سواء كانت صحيحة أو كاذبة؟"، اما المعارض السعودي المعروف محمد المسعري، فاعتبر طريقة اعلان حادث القتل هي بحد ذاتها تؤكد ان النظام هو الذي دبرها.
"مجتهد" وجميع المعارضين السعوديين امثال المسعري وسعد الفقيه والعسيري ، بالاضافة الى ما تسرب على مواقع التواصل الاجتماعي من داخل السعودية، كلها تؤكد ان عملية تصفية الفغم ، لم تحصل في جدة ، وليس بسبب خلاف مع صديق، بل في داخل القصر الملكي، وان العملية من تدبير ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ما يؤكد هذا الاتهام لولي العهد السعودي ، ان الاخير، ووفقا لما قاله مجتهد يعتبر الفغم من الحرس القديم الموالي لآل سعود عموماً، وانه لا يثق بإخلاصه له شخصياً، وانه ردد أكثر من مرةٍ رغبته في إبعاده عن موقعه الحالي. وهذا الراي تعضده تغريدة للمسعري يعود تاريخها الى خمسة اشهر من الان، حذر فيها المسعري الفغم من ان ابن سلمان ينوي التخلص منه ، ونصحه الا يكون مثل العتيبي، في اشارة الى القنصل السعودي في اسطنبول، وعليه ان يغادر السعودية على وجه السرعة.
انه إنقلاب او تمهيد لإنقلاب
كل هذه المواقف التي توالت خلال الساعات الاربع والعشرين الماضية تشير الى أمر واحد، بات يتضح شيئا فشيئا، وهو ان عملية تمهيد لانقلاب تجري على قدم وساق في القصر الملكي السعودي، يقودها ولي العهد محمد بن سلمان شخصيا، عبر التخلص من الرجال المقربين من الملك، من الذين لا يمكن شراء ولاءهم لا بالمال ولا الترهيب.
الملك سلمان يثق ثقة عمياء باللواء الفغم، وهو من قبيلة المطيري المعروفة بولائها المطلق لال سعود، وكانت من القبائل التي ساعدت آل سعود في تأسيس كيانهم، واصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بترقية الفغم ترقية استثنائية إلى رتبة لواء، وكان هو الوحيد بالاضافة الى الملك سلمان، من يعرف شفرة باب غرفة نوم الملك، حتى قيل ان هذه الشفرة لا يعرفها حتى ولي العهد محمد بن سلمان، الامر الذي جعل من الصعب على الاخير ان يتحرك بحرية داخل القصر مع وجود اللواء الفغم والعناصر التي تأتمر بأمره، ولم تفلح كل محاولات ابن سلمان لاقناع الملك للتخلص من الفغم، الذي كان حارسا شخصيا ايضا للملك عبد الله بن عبد العزيز.
اما لماذا جاءت عملية التخلص من الفغم مرتبكة، كعملية التخلص من الصحفي جمال الخاشقجي، فيعزو العارفون بخفايا واسرار آل سعود ذلك الى استعجال ابن سلمان للوصول الى العرش، خلال الفترة المتبقية للرئيس الامريكي دونالد ترامب، الرجل الوحيد داخل امريكا الذي يدعم اعتلاءه العرش السعودي، والتي تشير كل الدلائل انه في وضع سيىء داخل الولايات المتحدة بعد فضائحة السياسية والمالية والاخلاقية، والتي قلصت كثيرا من فرص فوزه بولاية ثانية، لذلك كان على ابن سلمان ان يتحرك قبل رحيل ترامب.
جنون العظمة وتعطشه للسلطة وطبيعته المتهورة وشخصيته الدموية، كلها عوامل جعلت ابن سلمان، يقوم باعمال لا يفكر كثيرا بتداعياتها، مثل الحرب الدموية التي شنها على اليمن بهدف تنصيب نفسه زعيما للعرب والمسلمين، وتجاوزه كل الامراء السعوديين من اعمامه وابناء عمومته ممن اهم اكبر منه سنا وخبرة وتجربة، حتى لولي العهد المعلن محمد بن نايف، واغتصاب ولاية العهد، رغم انه كان في العشرينيات من العمر، وزجه بكل المعارضين من ابناء عمومته في السجون ، ولم يكتف بذلك بل سلبهم ثرواتهم واتهمهم بالفساد، ونكل بكل من تجرأ ، حتى في المجالس الخاصة، على انتقاد ممارساته واساليبه العنيفة، واخرها قتله الفظيع للصحفي جمال خاشقجي، الذي صادفت ذكراها السنوية الاولى بتصفية الرجال المحيطين بابيه وفي مقدمتهم حارسه الشخص عبد العزيز الفغم.
قيل ان الملك سلمان ضاق ذرعا بتصرفات ابنه التي جلبت الكوارث على السعودية، داخليا وخارجيا، ويبدو ان قتل الحارس الشخصي الامين له على يد ابنه، سيزيد الطين بلة، لا سيما ان هناك امراء من آل سعود، سيتخذون جريمة القتل ذريعة لتوحيد صفوفهم للوقوف في وجه ابن سلمان، عبر الوصول الى الملك واقناعه بتوليه منصب ولاية العهد لامير من امراء آل سعود اكثر اتزانا وحكمة من الامير الغر .
يبدو ان ابن سلمان على علم بما يدور في قصور امراء آل سعود، لذلك بدأ بالسيطرة على القصر الكبير وأزاحة من يعتبرهم عقبات في طريقه ، من اجل التمهيد لانقلاب قد يُعلن عنه في اي لحظة، بينما مازال السؤال الاكبر دون جواب .. هل اقترب الخطر من الملك؟.