kayhan.ir

رمز الخبر: 99197
تأريخ النشر : 2019August12 - 19:52

صفقة القرن: بين الفتن الداخلية والحروب


سركيس أبوزيد

استضافت مؤخراً عاصمة البحرين المنامة، بالشراكة مع الولايات المتحدة، ورشة عمل تحت عنوان "السلام من أجل الإزدهار" يومي 25 و 26 حزيران/ يونيو الماضي، وركزت هذه الورشة على الشق الاقتصادي من "صفقة القرن"، بهدف التشجيع على الإستثمار في المناطق الفلسطينية، وشاركت في الورشة كل من السعودية والإمارات ومصر والأردن والمغرب وقطر، ومسؤولون سياسيون ورجال أعمال، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني، فيما غابت قوى دولية أساسية وفي طليعتها الصين وروسيا.

السلطة الفلسطينية لم تشارك، لأنها اعتبرت أن السلام الاقتصادي الذي يدعو له المؤتمر يجب ألا يسبق السلام السياسي، ولأن المؤتمر، بحسب الإعتقاد الفلسطيني، هدف الى:

ـ الضغط على الفلسطينيين لتمرير "صفقة القرن"، وإضفاء شرعية أميركية ودولية على إستمرار الإحتلال، ومحاولة لفرض التطبيع بين العرب و"إسرائيل".

ـ إشغال المنطقة بالقضايا الاقتصادية والإنسانية، والفتن الطائفية، على حساب حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، في مسعى لإدماج" إسرائيل" اقتصاديا وسياسيا وأمنيا في المنطقة.

ـ تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية "الأونروا"، والإستعاضة عن أنظمتها في مجال التعليم وتوزيع الأغذية ببرامج تطوير تنفذها منظمات غير حكومية دولية.

ومسبقاً، أعلنت الإدارة الأميركية أن المؤتمر لا يشكل بديلا للحل السياسي للقضية الفلسطينية، وأن الفكرة التي تعمل عليها هي تأمين الإلتزامات المالية من دول الخليج الفارسي الغنية، والمانحين في أوروبا وآسيا، لحث الفلسطينيين وحلفائهم على تقديم تنازلات سياسية لحل النزاع، وتتضمن الخطة أربعة عناصر، هي: البنية التحتية، الصناعة، والتمكين والإستثمار في الشعوب، إضافة إلى الإصلاحات الحكومية، لإيجاد بيئة جاذبة للإستثمار في المنطقة.

هناك إعتقاد أن التركيز حاليا على الجانب الاقتصادي يندرج في إطار "التكتيك التسويقي" الذي يتحيّن اللحظة المناسبة للإعلان عن "صفقة القرن" وفرضها باعتبارها أمرا واقعا، واللحظة المؤاتية لتكريس "صفقة القرن" هي في مؤتمر المنامة. فالولايات المتحدة و"إسرائيل" عمدتا بشكل غير مسبوق خلال الأشهر الماضية إلى فرض ضغوط مالية على السلطة الفلسطينية، التي تعارض بقوة خطة السلام الأميركية. لكن سلاح الاقتصاد لا يُستخدم فقط ضد الفلسطينيين، بل ضد كل الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية مباشرة.

فبالنسبة إلى الأردن، فهو يعني لـ"إسرائيل" أكثر مما يعنيه أي بلد عربي آخر لخصوصيته الجيوسياسية، والإستقرار في الأردن مهم لـ"إسرائيل" بسبب إرتباطه المباشر بأمنها القومي ومستقبل القضية الفلسطينية. هذه الخصوصية الجيوسياسية للأردن، النابعة من تموضعه بين أهم مصلحتين استراتيجيتين للغرب في المنطقة: النفط و"إسرائيل"، إضافة إلى احتضانه الجزء الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين منذ 1948، كلها تفرض له دورا مركزيا قهريا في مستقبل القضية، فهو يشكل مدخلا رئيسا لأي سيناريو يُرسم للمستقبل الفلسطيني.

وفيما يخص الموقف اللبناني، فقد رأت مصادر سياسية قريبة من عين التينة أن لبنان سيكون مستهدفا بالصفقة بالتأكيد، وإنطلاقا من ذلك، فإن الخطر الحقيقي على لبنان من بوابة "صفقة القرن" لا يكمن في الأساس بالمستوى المتصل بالتوطين، وإنما في إحتمالات أن يكون تفجير الوضع الداخلي في لبنان، سواء بفتن داخلية أو بحرب إسرائيلية، بوابة لإمرار الصفقة الأميركية، في حال تعثر إمرارها بالمؤتمرات الاقتصادية والحراكات السياسية، خصوصاً أن للبنان تجارب كثيرة في هذا الإطار، حين يتعلق الأمر بإمرار الصفقات الإقليمية الكبرى.

وهنا يبرز سؤال حول احتمالية فشل تمرير "صفقة القرن"؟

فنتنياهو الذي لم يستثمر بشكل جيد دعم ترامب وبوتين اللذين أغدقا الهدايا عليه، أخطأ في الدعوة الى انتخابات معادة، وسرعان ما اشتد الخناق حول عنقه مع تحريك ملفات الفساد ضده وانفضاض حلفائه من حوله، وقيام خارطة سياسية جديدة قوامها "حزب الجنرالات" الذين يقودهم الجنرال بيني غانتس، واتسعت دائرتهم أخيرا مع نزول إيهود باراك الى الساحة وسعيه الى توحيد أحزاب اليسار جميعا في تكتل واحد يعزز قوى المعارضة ويسقط حكم نتنياهو.

وإذا فشل نتنياهو في الانتخابات أو في الحكومة، فإن ترامب يخسر حليفا أساسيا وتكون "صفقة القرن" فقدت المرتكز الإسرائيلي لها. كما أن الأميركيين لم يحسبوها جيدا، ولم يتوقعوا أن تصطدم "صفقة القرن" بموقف فلسطيني واحد ومقفل وعصي على أي خرق أو شرخ، وبموقف عربي يحجم عن ممارسة أي ضغوط على الفلسطينيين ولا يقبل إلا ما يقبلونه، كل ذلك، شكل جرس إنذار لإدارة ترامب التي بدأت تشكك في ظروف ومقوّمات نجاح "صفقة القرن" وتتجه الى تأجيل الإعلان عن شقها السياسي.

في الواقع، ثمة رأيان حول مؤتمر البحرين حول "صفقة القرن":

ـ الأول: يعتبر أن المؤتمر هو أول محفل رسمي يناقش "صفقة القرن"، ويكشف عن ملامحها للمرة الأولى.

ـ الثاني: يقول إن أجواء المؤتمر بدأت تتلبّد، والتعثّر بدأ يظهر لأسباب عدة، أبرزها الوضع الإسرائيلي الذي يُقلق واشنطن، إذ يدرك ترامب أن الذهاب الى انتخابات إسرائيلية جديدة يعني الذهاب الى المجهول وسقوط مشروعه "صفقة القرن. كما أن "الدولة العميقة" في "إسرائيل" تُعلن رفضها لـ"صفقة القرن" بأسلوب آخر. وللخروج من هذه الأزمة، قد يلجأ نتنياهو الى عمليات عسكرية جوية ضد غزة كونه وزير الدفاع. والحاجة الى هذه الحملة الجوية ستكون بهدف خلق واقع فلسطيني جديد، والحصول على أوراق قوة بعد الخسائر التي مُني بها خلال مرحلة تأليف الحكومة.

من الواضح، أن "صفقة القرن"، وبمعزل عن الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها، كانت قد تلقت ضربات متلاحقة لتصبح في حال ترنح واحتضار، خصوصا بعدما فشل مؤتمر البحرين في تحقيق أهدافه. ونجح الفلسطينيون في الحصول على مواقف سياسية عربية داعمة. فالمقاطعة الفلسطينية لمؤتمر البحرين كانت كافية لضرب "شرعيته" باعتبار أن أحد طرفي الصراع والمعني الأول ليس موجودا. في الوقت نفسه، حاول جاريد كوشنير مستشار ترامب وصهره ومهندس هذه "الورشة الاقتصادية" التسويق للمؤتمر وأهدافه في ضوء المقاطعة الفلسطينية له التي اعتبرها "خطأ استراتيجيا"، وفي ضوء الإرتباك العربي في التعاطي معه، والذي ظهر في مستوى التمثيل، عاكسا مشاركة رمزية ومقرونة بالتأكيد على حل الدولتين والقبول بما يقبل به الفلسطينيون. وذهبت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إلى القول بأن الخطة الاقتصادية التي طرحها كوشنر، "مسرحية هزلية"، تستحق "الاستقبال الساخر" الذي لاقته.

بهذه الملامح الأولية، تمضي "ورشة المنامة"على فشلها، على سوابق مماثلة، من المؤاتمرات والاتفاقيات بشأن القضية الفلسطينية، فمن خلال هذه الصفقة، سعت " إسرائيل" لشطب قضايا الصراع ومركباته، القدس والدولة الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين والمياه وغيرها، وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية إسرائيلية ـ فلسطينية ـ عربية، تساهم في تطوير الاقتصاد الإسرائيلي، عبر اختراق الدول العربية وغزوها اقتصاديا وثقافيا وأمنيا. كما حاولت تقديم رشاوى لبعض الدول العربية بغرض إقناعها بالمشاركة في الحل الاقتصادي الذي يمثل جوهر صفقة ترامب التي تنوي الإدارة الأميركية الإعلان عنها في الفترة المقبلة. فهل ستنجح الإدارة الأمريكية في ذلك، فلننتظر؟