منظومة "ثاد" الاميركية في "اسرائيل"... خطوة روتينية أو مؤشر لمواجهة؟
شارل ابي نادر
بالمبدأ، ليست خطوة غريبة أو جديدة، أن تقوم الوحدات العسكرية الأميركية بتنفيذ إجراء مشترك مع نظيرتها الاسرائيلية، من ضمن مناورة مشتركة، مقررة مسبقاً أو طارئة، أو من ضمن برنامج تدريبي مشترك، يتخصص بسلاح محدد، أو بعدة أسلحة تتكامل مع بعضها بعضاً عسكرياً وتكتيكياً. لكن الغريب في الموضوع، أن يتزامن نشر منظومة "الدفاع" الجوي الأميركية "ثاد"، الأكثر تطوراً وفعالية بمواجهة الصواريخ الباليستية، مع توتر غير مسبوق في المنطقة، بين العدو الاسرائيلي مدعوماً بالكامل من الاميركيين من جهة، وبين كل من ايران وسوريا وحزب الله من جهة أخرى. فكيف يمكن قراءة الأبعاد العسكرية والاستراتيجية الخاصة بهذه الخطوة؟ وما هي الأهداف من نشر هذه المنظومة في كيان العدو؟
اذا اعتبرنا أن مدى التدخل الفعال لمنظومة "ثاد" يتراوح بين 200 كلم و1000، فهذا يعني أن نشرها في وسط صحراء النقب كما تم، يؤمن حماية شبه كاملة للأراضي المحتلة لناحية المسافة والمساحة الجغرافية، مع قدرة على التدخل فوق الاراضي اللبنانية والاراضي السورية. وحيث تتألف بطارية الصواريخ "ثاد" من 9 منصات تحمل كل منها 8 صواريخ، تكون البطارية الواحدة قادرة على اعتراض 72 صاروخاً باليستياً في نفس الوقت وبمختلف الارتفاعات، وتتميز بالقدرة على التدخل ضد كافة الصواريخ، داخل او خارج الغلاف الجوي.
هذا لناحية القدرة الصاروخية ومسافة التدخل، ولكن يمكن القول أيضاً إن للمنظومة مميزات مهمة في كشف الأهداف (الصواريخ) باكراً جداً، أو بمعنى آخر، كشفها مباشرة تقريباً بعد انطلاقها من قواعدها، مع قدرة دقيقة جداً في توجيه الصاروخ وملاحقة الهدف والاصابة المباشرة، والأهم أيضا في مميزات هذه المنظومة، أنها قابلة لأن تعمل مع منظومات أخرى، وهذه القابلية تمتد الى تبادل المعلومات مع رادار منظومة أخرى، والى المساعدة على توجيه صواريخ منظومة أخرى، والى الاستفادة من معطيات منظومة أخرى، مع معلومات غير مؤكدة عن امكانية ربطها مباشرة مع منظومات الدرع الصاروخية (الاميركية) الموجودة في أوروبا.
انطلاقا من هذه القدرات المميزة للمنظومة ثاد، يستنتج أن المناورة التي من الممكن تنفيذها بحمايتها يمكن أن تكون "دفاعية" بالأساس، أو دفاعية لتغطية عملية اعتداء واسعة، وذلك على الشكل التالي:
مناورة "دفاعية" بالأساس
من الطبيعي أن لجوء العدو الاسرائيلي مرغماً، على الاستعانة بالمنظومة الاميركية "ثاد"، يُعتبر اعترافاً بعجز القبة الحديدية ومنظومة السهم في اعتراض صواريخ المقاومة، والمثال الحي على ذلك ما حدث في آخر مواجهة صاروخية مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد عمليته الفاشلة في خان يونس وتطور المواجهة الى اشتباك جوي صاروخي، نجحت عبره صواريخ المقاومة في تجاوز غلاف غزة بنسبة معقولة وأصابت نقاط ومواقع للعدو.
يبقى أيضاً درس حرب تموز/ يوليو عام 2006 في ذاكرة العدوان، حيث تجاوزت نسبة كبيرة من صواريخ حزب الله منظومة الدفاع الجوي العدوة، وكانت مؤثرة على جبهته الداخلية، في الاصابات وفي ضرب معنويات ومصداقية وحداته في حماية عمق الكيان، وهذا الدرس سوف يتكرر حتما وبشكل أكثر ايلاما، عند أية مواجهة حالية، حيث القدرات الصاروخية في المدى وفي التوجيه وفي الدقة لدى حزب الله، قد تضاعفت أضعافاً وأضعافاً عن حرب تموز/ يوليو 2006، وهذا يعرفه جيداً العدو، ويبحث دائماً عن مواجهته، فكانت فكرة ومناورة الاستعانة بمنظومة ثاد الاميركية.
لتغطية عملية اعتداء واسعة
لا شك أن التغيير الذي فرضه محور المقاومة مؤخراً في قواعد الاشتباك ضد العدو الاسرائيلي، والذي تمثل برفع مستوى الدفاع الجوي، أولا بالفعالية لناحية تحسين إجراءات الحماية والرصد والتدخل ضد قاذفات وصواريخ العدو، وثانياً بامتلاك القدرات النوعية وخاصة منظومة اس 300 الروسية ونشرها، كل ذلك فرض قواعد اشتباك جديدة، استدعت من العدو البحث عن مناورة مركبة لحماية او لتغطية أي عملية اعتداء يحاول القيام بها، على سوريا أو على لبنان أو على غزة.
بعد المضاعفات الأخيرة التي حدثت في سوريا، والتي تمثلت بالتوتر الروسي الاسرائيلي على خلفية تسبب العدو باسقاط طائرة ايل 20 الروسية، وبالتحذيرات الروسية الجدية (والتي كانت رسمية وعلنية) عن وجوب وقف الاعتداء على السيادة السورية، والأهم من ذلك، بعد تلميحات الأمين العام لحزب الله الأخيرة بأن أي اعتداء اسرائيلي على سوريا بعد اليوم، مستهدفاً وحدات ايرانية أو سورية أو لحزب الله، بدأ ياخذ طابع العدوان القابل للرد النوعي، مع الامكانية الكبيرة لأن ينتج عنه مواجهة واسعة وليست محدودة، كل ذلك دفع بالعدو للبحث الجدي عن الوسيلة الانسب والاكثر فعالية والقادرة على تأمين حماية لعمقه ولداخله ولوحداته، وفي نفس الوقت، القادرة على تغطية أي عملية عدوان واسعة، مخطط لها مسبقا، أو تلك التي سيجد نفسه مضطراً لها بعد أن تتدحرج المواجهة الى عملية واسعة.
في مطلق الأحوال، واذا كان سبب نشر المنظومة الاميركية "ثاد" في "اسرائيل" "دفاعياً" أو لتغطية عدوان واسع، يمكن القول وبكل موضوعية، إن قواعد الاشتباك في المنطقة قد تغيرت، لناحية محور المقاومة من جهة، ولناحية العدوان الاسرائيلي ـ الاميركي من جهة اخرى، وهذا التغيير في قواعد الاشتباك، والذي توجهه قدرات وأسلحة نوعية واستراتيجية، أصبح يحمل مخاطر أكبر، ليس فقط لناحية مواجهة محدودة، انما لناحية مواجهة واسعة لن يكون تدحرجها مضبوطا.