هل يؤشر مقتل جنود اميركيين بمنبج الى عودة قوية لـ"داعش"؟
عبد الباري عطوان
التفجير الانتحاري الذي استهدف مطعما تؤمه القوات الأمريكية وسط مدينة منبج في شمال سورية وأدى إلى مقتل خمسة من عناصرها إلى جانب 11 آخرين من قوات سورية الديمقراطية وبعض المدنيين، قد يكون إنذارا مزدوجا لتركيا وأمريكا معا، تقول أول سطوره أن المنطقة الآمنة بعمق 20 ميلا التي يريد الرئيس رجب طيب أردوغان إقامتها على طول الحدود السورية التركية لن تكون آمنة على الإطلاق، وأن هذا التفجير الذي أعلنت جماعة "داعش ” المسؤولية عنه ربما يكون "أول الغيث”.
النظريات التآمرية كثيرة، والشكوك حول تبني (داعش) أكثر، وأصحابها يعتمدون في شكوكهم هذه إلى عدة أسباب:
الأول: أن "داعش" لم تشن أي هجوم، ومنذ ما يقرب العامين على أي أهداف أمريكية، رغم انخراط أمريكا في لعب الدور الرئيسي في محاربتها، وقيادة تحالف مكون من 65 دولة للقضاء عليها، ولعب سلاح الجو الأمريكي دورا كبيرا في قصف مواقعها، وقدمت واشنطن دعما عسكريا تسليحيا ضخما لقوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية شمل عتادا ثقيلا متطورا، مكنها من اقتحام مدينة الرقة عاصمة "داعش ”، والسيطرة على معظم المناطق الأخرى التي كانت تابعة لها.
الثاني: هناك جهات عديدة داخل الولايات المتحدة تعارض قرار الرئيس ترامب سحب جميع قواته من سورية (2200 جندي) والتخلي عن حماية الحلفاء الأكراد، وكان من أبرز هؤلاء وزير الدفاع جيم ماتيس الذي قدم استقالته احتجاجا، وربما وقفت أجهزة أمنية أمريكية خلفه، أي الانفجار، لعرقلة هذا الانسحاب.
الثالث: قوات سورية الديمقراطية، وفصائل كردية أخرى عارضت بشدة الانسحاب الأمريكي واعتبرته طعنة مسمومة في الظهر، وهناك جهات لا تستبعد أن تكون وقفت خلف هذا التفجير بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فمدينة منبج خاضعة ومنذ أكثر من عامين لسيطرة هذه القوات، ولم تتعرض القوات الأمريكية التي كانت تقوم بدوريات مشتركة معها لأي هجوم.
الرابع: رفضت القيادة السورية بشدة وجود هذه القوات الأمريكية في شمال سورية، مثلما رفضت إقامة منطقة آمنة على حدودها الشمالية تحت إشراف تركيا، ووصفت هذا الدور التركي بالعدوان على سيادتها الترابية، وأيدتها في هذا الموقف روسيا، وأكد سيرغي لافروف، وزير خارجية الأخيرة، أن المناطق السورية الشمالية يجب أن تخضع لسيطرة الجيش العربي السوري، فلماذا لا يكون الهجوم هو الرد؟ فالعالم السفلي مليءٌ بالاختراقات والانشقاقات.
الصورة ما زالت غير واضحة، فإذا كان تنظيم " داعش ” هو الذي يقف خلف هذا التفجير، وهذا ليس مستبعدا، فإن هذا يعني أن إعلان الرئيس ترامب هزيمته، والقضاء عليه كان سابقا لأوانه، ويذكر بقول الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش بانتهاء مهمة قواته في العراق، مع الفارق.
هناك احتمالان: الأول، أن تكون جماعة "داعش” تعيش حاليا مرحلة من النشوء من وسط رماد تدمير قواعدها ومركزي قيادتها في الرقة والموصل، وقررت اللجوء إلى "الخطة B”، أي النزول تحت الأرض وتبني الهجمات "الإرهابية”، وإيصال رسالة انتقامية واضحة إلى الأمريكان في هذا الصدد، أما الاحتمال الثاني، أن تكون "داعش” قررت التحالف مع أحد الجهات الإقليمية ضد التواجد الأمريكي في سورية، وربما العراق أيضا، على قاعدة "عدو عدوي صديقي”.
لا نستطيع أن نرجح أي من هذين الاحتمالين المذكورين سابقا، لكن ما يمكن أن نتكهن به أن الخطة الأمريكية التركية لإقامة "منطقة آمنة” شمال سورية، ربما تتحول إلى مصيدة للطرفين، والتركي خصوصا، وأن هذا التفجير لن يؤخر الانسحاب الأمريكي من شمال سورية بل ربما سيعجل به، ولا نستغرب أن يكون الرئيس ترامب قد اطلع على معلومات من أجهزة استخباراته تؤكد بأن قوات بلاده ستواجه هجمات انتحارية، ولهذا قرر سحبها تجنبا لتكرار تجربة مثيلاتها الدموية في العراق، وتجنب الخسائر البشرية بالتالي.
الرفض السوري الروسي الشرس والعنيف لإقامة منطقة آمنة في شمال سورية بإشراف تركي، ومباركة أمريكية، يعني الكثير، ويشكل تحذيرا واضحا لا يحتاج إلى تفسير، ولهذا تبعاته خطيرة جدا، فهل ستصل الرسالة إلى الرئيس أردوغان بطريقة أو بأخرى، ويراجع حساباته سريعا، ويتجنب هذه المصيدة الأمريكية الباهظة التكاليف ماديا وبشريا؟
لا نملك إجابة، لأن الأمور في بداياتها، وعودة تفجيرات "داعش”، وبعد أن تخلصت من عبء "الدولة”، والتمكن الجغرافي، إذا صحت، ربما تكون تحولا جديدا في الأزمة قد يغير خريطة التحالفات ويخلط الأوراق في المنطقة.. والله أعلم.