ترامب .. الرجل الذي أيقظ أوروبا من سباتها
فيروز البغدادي
يبدو ان الزيارة التي يقوم بها الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الى فرنسا للمشاركة في مراسم احياء الذكرى السنوية المئة لنهاية الحرب العالمية الاولى، كما كان متوقعا لها، لم تأت، نتائجها لحد الان، في صالح ترامب، الذي اصبحت كل تصريحاته ومواقفه وحتى زياراته خارج وداخل امريكا تعود عليه بالضرر، نظرا لتركيبته النفسية التي تتميز بخليط من العنجهية والعنصرية والتعصب والجشع والسطحية والسوقية والنزق.
فرنسا، البلد الذي اختاره ترامب لزيارته، تقود، لسوء حظ ترامب، الى جانب المانيا، المواجهة الاوروبية ضد سياسته الرامية الى جعل أمريكا "دركي التجارة على هذا الكوكب” على حد تعبير وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي برونو لومير، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشيال تايمز″.
الموقف الموحد والرافض لفرنسا والمانيا وبريطانيا، الذي زار قادتها واشنطن من اجل اقناع ترامب بعدم الخروج من الاتفاق النووي، لسياسة الحظر الامريكي ضد ايران، يبدو انه سوف لن ينحصر في نطاق طرق مواجهة الحظر الامريكي الاحادي الجانب على ايران، بل ان هذا الموقف الموحد سيتمدد ويشمل العديد من القضايا الاخرى، الامر الذي يؤكد ان اوروبا جديدة في طور التشكل ببركة غباء ترامب والفريق المحيط به.
باريس التي تعتزم تعزيز دور اليورو في التعاملات الدولية ومواجهة الحظر الأمريكي ضد إيران، بصدد خطط لإنشاء قناة مالية تسمح لأوروبا بالحفاظ على العلاقات التجارية مع إيران وتعزز السيادة الاقتصادية للقارة الاوروبية، للوصول الى مرحلة الانعتاق من هيمنة الدولار.
الكاتب سيرغي مانوكوف وفي مقال له في "إكسبرت أونلاين” تحت عنوان "باريس غير مطيعة”، اشار الى ان وزير الاقتصاد الفرنسي لو مير حذر من أن أوروبا لن تسمح للولايات المتحدة بأن تفرض ارادتها على التجارة العالمية، مؤكدا على أن العقوبات الامريكية ضد إيران أظهرت مرة أخرى حاجة الاتحاد الأوروبي إلى "إعادة تأكيد استقلاله”.
إنشاء كيان قانوني يقوم بتسديد المدفوعات لتسهيل المعاملات المالية المشروعة مع إيران، والذي يعتبر خطوة واحدة من خطوات حملة واسعة النطاق تهدف إلى تعزيز دور اليورو في الساحة الدولية، لم يكن الخبر "السيىء” الوحيد للرئيس الامريكي في باريس، فهناك خبر "سيىء” آخر تناهى الى مسامع ترامب قبل وصوله باريس، وهو تصريحات الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون الى اذاعة "اوروبا1” ، والتي دعا فيها الى تشكيل جيش اوروبي موحد، للدفاع عن القارة الاوروبية ليس فقط امام روسيا والصين بل امام امريكا ايضا.
ترامب وفي تغريدة على تويتر قبل وصوله إلى باريس، أبدى رفضه لتصريحات ماكرون وكتب يقول "”هذا مهين للغاية، لكن ربما يجدر بأوروبا أولا أن تدفع حصتها العادلة في حلف شمال الأطلسي، الذي تدعمه الولايات المتحدة بشدة” ، وهو ما يكشف حجم الدمار الذي خلفته السياسة الكارثية لترامب على العلاقة بين امريكا والاتحاد الاوروبي.
سياسة الانسحابات العبثية لترامب من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحفظ الامن والسلام والبيئة، ارغمت حلفاء الامس على التفكير الف مرة قبل الاتكال على امريكا، التي سمحت بوصول شخصية مثل ترامب، الى البيت الابيض، وادارة دولة تدعي قيادة العالم وتتربع على اكبر ترسانة نووية في العالم ، ويحضر للانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا، الامر الذي يجعل اوروبا هي الضحية الاولى لهذا الانسحاب، جميع هذه الامور دعت ماكرون الى التاكيد على ان تكون هناك آلية اوروبية مستقلة للحفاظ على امنها دون الاستعانة بامريكا، كما تفكر، اي اوروبا، بايجاد الية للتقليل من تأثير العقوبات الأمريكية على الشركات الأوروبية التي تقوم بأعمال مع إيران.
آخر النكسات، التي شهدتها زيارة ترامب الى فرنسا، كان موقفه المضحك من جدول الزيارة، الذي كان يتضمن زيارة إلى المقبرة الأميركية في بوا بيلو، التي كانت ساحة معركة وتضم الان قبورا لجنود المارينز الذين حاربوا القوات الألمانية في 1918 ، الا ان ترامب الغى ذلك بسبب الطقس الماطر! وبقي في الفندق.
تعرض ترامب لانتقادات لاذعة بسبب سلوكه غير المألوف، حيث رأى البعض في عدم ذهاب ترامب إلى بوا بيلو ما ينم عن عدم احترام للجنود الأميركيين الذين حاربوا وقتلوا في الخنادق. فيما اعتبر آخرون، السبب الرئيسي وراء الغاء ترامب الزيارة، هو خشيته من ان يتبعثر شعره!.
ولكن نيكولاس سومس، عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين وحفيد ونستون تشرتشل غرد قائلا "ماتوا في مواجهة العدو فيما ذلك البائس غير المؤهل دونالد ترامب لم يتمكن حتى من تكريم الذي سقطوا في المعركة”.
ليس سوى ترامب، من يستطيع ان يوقظ اوروبا من سباتها الذي دام عقودا، وهي تنام على كف عفريت، وتحسب انها تنام ملء جفونها في ظل قوة امريكا، التي اظهرت حقيقة مطامعها وبشكل بشع، عندما ضربت بعرض الحائط بمصالح القارة الاوروبية، عندما فرضت، لا على ايران، بل على اوروبا حصارا، عقابا لها بسبب تعاملها التجاري مع ايران، وعندما هددت بالانسحاب من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى مع روسيا، وترك اوروبا في مواجهة روسيا لا لشيء الا من اجل حلب اوروبا، كما حلب ويحلب السعودية والامارات وغيرها من الدول النفطية بذرائع تضحك الثكلى.