أوامر أميركا الهاتفية للسعودية وانقلاب السحر
بلال ديب
تُحاوِلُ الولاياتُ المتَّحِدة الأَمرِيكيَّة تَوظيِف عُمَّالَها على الوِلاياتِ الواقِعَةِ على الجانبِ العربّي من الخليج الفارِسي، في خِدمَةِ مَصالِحها القوميَّة العُليا.
وبالفعل لا يتوانى بعض الحكام من السمع والطاعة، فلم يغب عن ذهن ترامب النقص في خزانات النفط الذي سيحصل نتيجة عزلة الولايات المتحدة ومن يمشي في ركبها عن إيران وفنزويلا، بعد سياسة العقوبات التي تنتهجها الإدارة الامريكية، الا انه يستند الى السعودية في سد ذلك النقص.
فأي مؤشرات تحمل هذه العملية الثنائية، (العقوبات –الإغراق) في منطقة الخليج الفارسي على الصعيد الجيوسياسي، والأمني؟ وماهي أبعادها الاقتصادية على الدول التي ستلبي الرغبة الامريكية؟ وهل ستحقق هذه الخطوة ما تصبوا اليه اميركا وإسرائيل والسعودية سياسياً في إيران؟ وهل ستكون إيران في مأزق اقتصادي حقاً؟
أوامر التعويض الهاتفية
يتوقع المراقبون أن يصل سعر برميل النفط (خام برنت) الى حوالي (90) دولار أمريكي خلال الفترة القريبة القادمة، وهو الآن عند (80) دولار، الامر الذي كانت السعودية تتمناه الى أن جاءت الترتيبات الجديدة، بأوامر هاتفية، فرضتها اميركا بحكم الأهداف التي ترعاها في المنطقة، فاليوم سيكون لزاما على السعودية وفق تعليمات ترامب تحويل مؤشر الأسعار الى الأسفل، من خلال المزيد من ضخ النفط في السوق العالمية.
وبحسب الأمر الهاتفي الأمريكي سيكون ما يجب الوصول اليه من الإنتاج حوالي (12) مليون برميل يَومياً، الا أن مثل هذا الامر يعد أولاً خُروج عن اتِّفاق "أوبك" الذي جَرى التوصُّل إليه قَبل أُسبوعٍ ونيف بالتَّنسيق مع روسيا، والذي حدد زِيادَة الإنتاج في حُدود مِليون برميل فقط، الأمر الذي يرى فيه خبراء احتمالاً لانهيار المُنَظَّمة، أو حُدوث انقساماتٍ فيها على الأقل، والذي يؤكد أن السعودية باتت خارج "أوبك".
خنق الاقتصاد وتحريك الشارع
محاولة أميركا هذه تعني أنها تحاول خنق الاقتصاد الإيراني بهدف تغيير النظام السياسي من خلال الضغط على الاقتصاد، ومحاربة الحكومة اقتصادياً بالحصار النفطي، ثم تَحريك الشارع الإيراني، واستمرار الضغط على الدول والشركات التي تتعامل مع ايران اقتصادياً من اجل فرض الطوق المالي الخانق الذي ترى أنه سبيل لانهاك الحكومة، وتهيئة الظروف لإسقاط الدولة!.
فالغلاء ونقص الموارد وارتفاع سعر الدولار والذهب ومنع التعامل مع الخارج هي أساليب لرفع حرارة الشارع في أي دولة تخالف الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة الى الضغط السياسي الذي فرضه ترامب على ايران بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني (5+1) من جانب واحد، وما له من تبعات بما سُمي تشديد إجراءات العقوبات الاقتصادية والتي يفترض ان تكون في حيز التطبيق منتصف تشرين الثاني القادم.
إيران ليست معزولة
بالمقابل تسعى الدول الأوروبية الى الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، إضافة الى رغبتها بعلاقات اقتصادية مستمرة ورغبتها بالنفط الإيراني، يتوازى ذلك مع استمرار الطلب الهندي والصيني على النفط الإيراني مع احتمالية زيادة الطلب من قبل الدولتين، إضافة لزبائن ايران في تركيا واليابان وكوريا الجنوبيّة وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، ما يعني أن ايران ليست في قمقم، وبضاعتها ليست كاسدة، الا أن الضغط الحاصل على البلد الذي تمرس في التعامل مع العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية لسنوات طويلة، والذي انتج سابقا نهضة علمية وتقنية واقتصادية سيكون فاتحة لعلاقات جديدة مع دول وكيانات اقتصادية لا ترغب بالبقاء في السلة الأمريكية وتحت الوصاية التي يفرضها ترامب.
وتحمل أشارة الرئيس روحاني، خلال مؤتمر صحفي قبل مغادرة طهران الى أوروبا قبل أيام، إلى أن "أوروبا باتت تختلف اليوم عن السابق وهي تعلن معارضتها للتفرد، وأن أوروبا إلى جانب روسيا والصين تشدد على أهمية الاتفاق النووي"، إضافة الى الطموحات التي تحملها زيارة روحاني الى أوروبا من خلال التوقيع على وثائق التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، ولقاء الإيرانيين المقيمين، تَعد بمزيد من كسر الطوق الأمريكي المدعم بالنفط السعودي.
وبالتالي فالباب الأوروبي لم يغلق بوجه إيران رغم القرارات الأمريكية وكذلك باب شرق اسيا والصين والهند إضافة الى العلاقات والمصالح المتبادلة بين إيران وروسيا ودول البريكس وسواها من الدول التي باتت تميل الى معارضة أميركا، يضاف الى ذلك الحضور القوي لـ إيرن في المنطقة ووجود حلفاءها من العراق الى سوريا ولبنان وامتدادا الى اليمن ودول أخرى من البيت العربي تبدد العزلة المفترضة في اذهان اميركا على ايران، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
لا حرب بل مكاسب
الا نوايا أميركا التي تبيتها من خلال اغراق السوق النفطي تشي وفقاً لبعض التحليلات والمقارنات بمراحل تاريخية سابقة عمدت فيها امريكا الاغراق سوق النفط حفاظا على تدفقه ومنعا لتضخم سعره، بتحضيرات لحرب ما في المنطقة، الا أنني أرى ان الأمر مختلف هذه المرة فما ستقع فيه السعودية بناء على ما تقدم ذكره من أسباب موضوعية، هو ما يقع فيه عادة "طائر الحجل الذي يحاول تقليد الطاووس في مشيته فلا هو يستطيع ان يمشي بغرور الطاووس ولا يبقى محافظا على مشيته الأصلية".
ومن سيدفع الثمن هم المواطنون في السعودية بكل تأكيد لأن ضخ كميات كبيرة من النفط سيحرك السعر باتجاه الانخفاض وبالتالي سيكون تبعات هذا مباشرة على اقتصاد السعودية ودول جوارها التي تعتمد بشكل أساسي على عائدات النفط، ومن سيكسب هو الأمريكي الذي سيحصل على كميات اكبر تعوض النقص الحاصل جراء ممارساته وبسعر أقل بكثير، الا ان السعودية لن تجني الا المزيد من التوترات والعداء مع دول الجوار وربما سيزداد الشرخ بين الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي جراء هذه الإجراءات، ناهيك عن انقلاب السحر على الساحر وبدء الغليان في الشارع لدى تلك الدول والذي لن ينفع معه سياسة القمع، وبذات الوقت فان الامراء السعوديين لن يعوضوا المبالغ التي سيتم فقدانها، كما حصل اول مرة بعد دفع المليارات الى السيد الأمريكي.
فالمأزق وإن كان بادياً الآن على أنه مأزق اقتصادي إيراني، الا أنه سرعان ما سينقلب الى مأزق حقيقي في السعودية ودول جوارها، وفي كل الحالات الرابح سيكون اميركا، ولن تكون إيران خاسراً بالمعنى الذي تتوقعه السعودية وإسرائيل، ونقول إسرائيل لأن كل هذا الذي يحصل ويدور في فلك القضية الأساسية المتمثلة بتحويل الصراع من صراع "عربي – إسرائيلي" على أرض محتلة الى صراع "عربي – إيراني" على أساس مذهبي، تقوده وترعاه السعودية، وتخطط له وتهندسه إسرائيل وتوقع على أوامره أميركا.