ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الوحدات العسكرية الفرنسية في سوريا؟
شارل ابي نادر
منذ بداية تَشَكُّلِه، كانت فرنسا دولة أساسية ضمن ما يسمى بالتحالف الدولي ضد الارهاب، والذي كان مركز عمله الرئيس في سوريا، و صحيح أنها (فرنسا) كانت تتنافس دائما مع بريطانيا على المركز التالي خلف الولايات المتحدة الاميركية (رأس حربة التحالف)، عسكريا وديبلوماسيا، لناحية الضغط والتصويب واستهداف الدولة السورية، بجيشها وبمؤسساتها وبرئيسها، ولكن يبدو حاليا ان للوحدات العسكرية الفرنسية - والتي توسعت مؤخراً بشكل لافت في العديد وفي التسليح وفي مراكز الانتشار - دور مهم وأساسي في الميدان السوري، يمكن تحديده بالتالي:
* قتال "داعش"
- لقد ازدادت مؤخرا حركة العمليات العسكرية للوحدات الفرنسية وخاصة في الشرق السوري بشكل لافت، ومنها تركيز بطاريات مدفعية هاوتزر الميدانية في مواقع ملائمة لاستهداف مراكز لـ"داعش"، نشر وحدات خاصة في مواقع حساسة، تنشيط حركة طوافات القتال والمساندة، تثبيت ودعم النقاط العسكرية الفاصلة بين ريف الرقة الشرقي وريف الحسكة الجنوبي من جهة، وبين ريف دير الزور الشرقي والشمالي الشرقي من جهة اخرى.
- يبدو من حركة عمليات الوحدات الفرنسية هذه أن الأخيرة تتحرك وفق خطة أو مناورة قتالية تستهدف ما تبقى من مواقع لـ"داعش" في شرق وجنوب شرق دير الزور، وامتدادا حتى الحدود العراقية، وصحيح انها ما زالت تشترك في أغلب عملياتها هذه مع الوحدات الاميركية، أو بالتنسيق معها، ولكن يبدو أنها استطاعت، وبعد تفعيل تدخلها المباشر، تنشيط الأعمال القتالية ضد التنظيم الإرهابي أكثر من الفترة السابقة، والتي كان الأميركيون يستفردون بها لوحدهم في الأعمال العسكرية المباشرة للتحالف المذكور.
* فصل الأتراك عن الأكراد
- قد تكون هذه المهمة من أكثر المهمات حساسية وصعوبة ودقة، لأن الخلافات والنزاعات بين الأتراك والأكراد هي قوية وعميقة لدرجة يصعب الفصل أو التوافق بينها، وحيث فشل الاميركيون في التوفيق بين الطرفين، وكانت معركة عفرين خير دليل على ذلك، ربما اقتنع الطرفان (الكردي والتركي) بالدور الفرنسي كوحدات فصل بينها أكثر من الدور الاميركي، مع العلم أن الاكراد يرغبون بهذا الفصل، طبعا أكثر من الاتراك، الذين يعتبرونه من خلال الفرنسيين أهون الشرّين.
- تبعاً لمواقع انتشار الوحدات العسكرية الفرنسية، في منبج، كوباني، عين عيسى، تل ابيض، تل بيدر والمبروكة، والتي هي بالأغلب مواقع للوحدات الأميركية، يمكن استنتاج مهمة ودور الفصل الميداني بين الوحدات التركية وبين الأكراد وخاصة قوات سوريا الديمقراطية .
*استبدال الوحدات الاميركية
- ربما تكون مهمة حلول الوحدات العسكرية الفرنسية مكان الوحدات الاميركية في سوريا، والتي من المقرر انسحابها، اذا صدق الرئيس الاميركي في قراره، ربما تكون هي المهمة الاساس في هذا التواجد العسكري الفرنسي، وذلك بمعزل عن اهمية المهمات الاخرى المذكورة اعلاه، اي قتال داعش والفصل بين الاتراك والاكراد، وحيث كانت فرنسا اول دولة رافضة للانسحاب الاميركي من سوريا، واكثرها خشية من الفراغ الذي سوف يخلفه هذا الانسحاب، حسب مفهومها للفراغ طبعا ، والذي يُعبّر عن النظرة الغربية المعادية للدولة السورية ، فقد رأت امام الاصرار الاميركي في الانسحاب ضرورة توسيع تواجدها العسكري في سوريا .
- من ناحية اخرى، لا شك ان التهديد الجدي باستهداف الوحدات العسكرية الاميركية المحتلة في سوريا، وحيث حصلت بعض العمليات التي تدخل في هذا الاطار، كان ذلك من الاسباب التي سرّعت بقرار الرئيس الاميركي بتقرير سحب هذه الوحدات، وحيث ان الموقف الفرنسي غير المعادي بشكل كامل كما الاميركي، لمحور المقاومة ، وخاصة لايران ، مع وجود التواصل الديبلوماسي والاقتصادي والسياسي حاليا بين طهران وباريس ، خاصة مواكبة لمشكلة انسحاب الاميركيين من الاتفاق النووي ، كان لا بد من تفعيل التواجد العسكري الفرنسي ، والذي يؤمن تعبئة الفراغ العسكري الذي يخلفه انسحاب الاميركيين ، وفي نفس الوقت يُبعِد ، و لو مرحليا او مؤقتا ، خطر استهداف هذه الوحدات العسكرية الغربية ، كوحدات محتلة لاراض سورية، ريثما تسلك المفاوضات السورية ويتثبت اتفاق استانة وخفض التصعيد وتفعيل الحوار السياسي .
في النهاية. ومهم كان دور الوحدات العسكرية الفرنسية في سوريا، فهي قوات احتلال، ووجودها غير شرعي استنادا للقانون الدولي ، وربما سيكون دورها مفيدا لو التزمت بمقتضيات المرحلة الحالية والتي يمكن تلخيصها بما يلي: ان الدولة السورية بجيشها وبمؤسساتها الرسمية انتصرت في الحرب الكونية التي شنت عليها، وهي الان (الدولة السورية، في المراحل الاخيرة من تظهير وتثبيت هذا الانتصار، وبناء عليه، قد يأخذ الدور الفرنسي طابعا ايجابيا اذا كان وضمن مرحلة انتقالية محددا بالتالي:
- مُساعِداً للتخلص من الاحتلال الاميركي.
- مُساعِداً للتخلص من الارهاب.
- مُساعِداً لتأمين الظروف المناسبة للتفاوض السوري- السوري.
- جاداً وصادقاً في المساعدة على اعادة التوازن الى مؤسسات الدولة السورية وخاصة في الشمال والشرق