ماذا وراء استعجال ترامب الخروج من الاتفاق النووي؟
ابو رضا صالح
ليس من الصعب تفهم السبب وراء تخبط الرئيس الاميركي دونالد ترمب في التعامل مع ايران، فواشنطن ليس فقط منيت بهزيمة منكرة امام ايران وسياساتها في المنطقة، بل هزمت ايضا امام منطقها الذي يقف بقوة وراء حضورها الذكي على مستوى القضايا الساخنة فيها.
خرج ترامب من الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 بعد يوم واحد فقط من الفوز الحاسم لحزب الله في لبنان، وقبل يومين فقط من موعد الانتخابات العراقية، وايام قلائل من ذكرى النكبة وانتقال السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس.
وفي حين بات ترامب مطئمنا اكثر من اي وقت مضى حيال ملف كوريا الشمالية، ولا يجد نفسه في حرج المواجهة على جبهتين، اعلن الخروج من الاتفاق النووي.
ترامب خرج من الاتفاق بعد ان قام بالتخلص من معارضيه في رفض خطة العمل المشترك، واستبدلهم باشخاص متماهين تماما معه ومعروفين بمعاداة ايران مثل وزير الخارجية بمبيو ومستشار الامن القومي جون بولتون على رأس اهم واخطر المؤسسات في صناعة القرار على صعيد السياسة الخارجية والامنية.
ترحيب رئيس وزراء كيان الاحتلال جاء فورا بعد اعلان ترامب الخروج من الاتفاق النووي، وتسلم منه نوط الشجاعة، وفيما انتقد غالبية الدول والمسؤولين على صعيد المنظمات الدولية قرار ترامب، انضمت الامارات ومعها البحرين الى المرحبين، فيما اخترقت الصواريخ الاسرائيلية سماء سوريا مستهدفة منطقة الكسوة جنوب دمشق، مباشرة بعد اعلان ترامب الذي وصفه رئيس السي اي ايه السابق بالقرار الاحمق.
هناك اسباب كثيرة يمكن ان تكون وراء قرار ترامب الخروج من الاتفاق النووي، وربما بعدد الايام الـ 500 من مكوث ترامب وفريقه في البيت الابيض تعرض الايرانيون الى تهديدات من ناحية المسؤولين الاميركيين وسمعوا العبارة المكررة فيها بان اميركا ستخرج من الاتفاق النووي، لكن السؤال المطروح الان هو عن دلالات الظروف الزمانية لهذا الاعلان، الامر الذي يجعل المشهد محل تأمل في النقاط التالية:
الاولى ان تقارير الوكالة الدولية للطالقة الذرية خلال الفترة ما بعد الاتفاق النووي، اكدت باستمرار التزام ايران ببنود الاتفاق، ولم تلق مزاعم ترامب المتكررة حول استمرار النشاطات النووية الايرانية بشكل سري اي اهتمام في الاوساط الدولية وحتى في داخل الولايات المتحدة، وقد استغل ترامب المسرحية الاخيرة لرئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، التي ادعى فيها انه يملك نصف طن من المستمسكات والوثائق حول مساعي ايران لصناعة قنبلة نووية، محاولا عدم اضاعة هذه الفرصة لاعطاء افكاره الوهمية صبغة منطقية. وفي هذا الاطار يمكن ان يأتي تأكيد وسائل الاعلام الاسرائيلية قبيل ساعات من اعلان ترامب ان الاخير اخبر نتنياهو بقراره، ليكشف عن التخطيط والتنسيق المشترك في الخطوات بين نتنياهو وترامب.
النقطة الثانية هي انه وفق المواعيد المحددة والمعلنة مسبقا كان مقررا ان يعلن ترامب قراره حيال الاتفاق النووي في الـ 12 من مايو/ايار، لكن ذلك تم قبل عدة ايام من الموعد المحدد، ومباشرة بعد اعلان نتائج الانتخابات اللبنانية رسميا وتأكيد انتصار حزب الله وحلفائه فيها.
ترامب استعجل اعلان موقفه من ايران والاتفاق النووي، واللافت في الامر انه مباشرة بعد اعلان ترامب، قصف كيان الاحتلال منطقة الكسوة السورية بالصواريخ، وهذا التزامن يبدو انه بهدف حرف الانظار عن موضوع اخطر واهم بكثير، والذي من المقرر ان يتم في الرابع عشر من مايو/ايار، وهو نقل السفارة الاميركية رسميا من تل ابيب الى القدس.
ربما يعلم ترامب جيدا ان الايرانيين لا ينوون عقد اتفاق ثان في ما يتعلق بالقدرات الصاروخية وسياساتهم في المنطقة، لا مع اميركا ولا مع اي بلد آخر، لكنه لا يستطيع التخلص من وهم ان التهديد والحظر والضغوط قد يأتي بالنتيجة المطلوبة دوما.
الاتفاق النووي لم يُفرح احدا الا نتانياهو، الذي يقدم ترامب قراره هذا هدية له في الذكرى السبعين لتأسيس كيانه المحتل، وايضا شفاء لجروح السعودية بعد هزيمتها المدوية في انتخابات لبنان.