kayhan.ir

رمز الخبر: 73134
تأريخ النشر : 2018March12 - 19:15

هل ستجدي استغاثة إردوغان بالناتو لحماية بلاده من الإرهاب؟

عبد الباري عطوان

الإنجاز الأكبر الذي تحقق للأتراك، شعبا، وحكومة، وأحزاباً، من جراء تدخلهم في الأزمة السورية التي بدأت دخول عامها الثامن هذه الأيام، هو اكتشافهم "الصادم" أن عضويتهم في حلف "الناتو" الذين كانوا أحد مؤسسه قبل أكثر من ستين عاما، كانت عضوية من الدرجة "الخامسة"، عضوية بواجبات ملزمة، ودون أي حقوق في المقابل.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وجه (السبت) في خطاب ألقاه في محافظة مرسين، دعوة إلى حلف "الناتو" للقدوم إلى سوريا، والمساعدة في حماية الحدود التركية من الإرهاب، وقال بالحرف "أخاطب الناتو.. أين انتم.. تعالوا إلى سوريا.. لماذا لا تأتون.. اليست تركيا أحد دول الحلف.. دعوتونا إلى افغانستان والصومال والبلقان فلبينا النداء.. الآن أدعوكم إلى سوريا فلماذا لا تلبون النداء؟"

هذا النداء "غير المفاجيء" للرئيس إردوغان يحمل الكثير من المعاني، ويرمي إلى تحقيق العديد من الأهداف أيضا:

الأول: أن الرئيس إردوغان الذي "تورط" في عفرين سياسيا وعسكريا بدأ يدرك جيدا أن حسم المعركة في هذه المدينة التي بدأ في خاصرها لن يكون سهلا، وقد يكون مكلفا، في ظل تدفق المقاتلين الأكراد إليها من الرقة والقامشلي وعين العرب والحسكة، وربما بدعم أميركي، ولذلك يطلب نجدة الحلف الذي قدم الأتراك له خدمات جليلة في ذروة الحرب الباردة.

الثاني: من غير المستبعد أن يكون الرئيس إردوغان بتوجيه هذا النداء، كان يخاطب الشعب التركي، أكثر مما كان يخاطب حلف "الناتو"، ويريد أن يقول له، أو للجناح الغربي الذي يطمح بأن تكون هوية بلاده أوروبية، ليس شرقية إسلامية، أن هذا الحلف لم يتدخل لحماية حدود بلادكم من الإرهاب عندما طالبتوه بذلك، وتخلى عن كل التزاماته نحوكم المنصوص عليها في ميثاق الحلف.

الثالث: التوجه إلى "منبج" بعد اقتحام عفرين، يعني الصدام مع الولايات المتحدة المتواجة قواتها في المدينة، وفي حوالي 20 قاعدة عسكرية تمتد على طول الحدود التركية السورية، أي الصدام مع القوة الأعظم في هذا الحلف، ولهذا يناشد الأوروبيين بالذات إلى منع هذا الصدام بين عضويين مؤسسين، والضغط على أميركا لتغيير مواقفها الداعمة للأكراد ومشروعهم الانفصالي الكبير بالتالي.

الرئيس إردوغان وفي الخطاب نفسه أكد أن الأتراك ليسوا قوة احتلال، وأن خطتهم في التدخل عسكريا في عفرين، وربما مدن سورية أخرى مثل القامشلي، وتل ابيض، ومنبج هي لتطهير الحدود التركية من الإرهابيين، ولم يتحدث عن أهداف أخرى أعلنها في الأيام الأولى لهذا التدخل العسكري (دخل أسبوعه الثامن) وهي إقامة منطقة آمنة في عمق 50 كيلومترا لإعادة توطين 3.5 مليون لاجيء سوري، الأمر الذي قد يفسر على أنه تخفيض لسقف التوقعات والمطالب، وغزل غير مباشر للقيادة السورية.

حلف "الناتو" لن يتجاوب مطلقا مع نداءات الرئيس إردوغان اليائسة هذه، والتدخل لحماية حدود بلاده مثلما طلب، ويتصرف بالطريقة نفسها التي تعاطى فيها الاتحاد الأوروبي مع طلب العضوية التركي، فتركيا دولة مسلمة في حلف غربي مسيحي أبيض، وعضويتها سقطت بسقوط الحرب الباردة، وتفكيك الاتحاد السوفييتي، وتبخر حلف "وارسو".

حلف الناتو يتعاطى مع تركيا وفق منظومة "الكفيل"، أو السيد والعبد، فعلى العبد أن يلبي أوامر السيد دون أي نقاش، وأن يقبل بالفتات، وهذا ما فعلته تركيا عندما لبت دعوة قيادة الحلف بالتدخل في أفغانستان والصومال والبلقان، إلى جانب سوريا وليبيا وهما الدولتان اللتان لم يتحدث عنهما إردوغان في الخطاب نفسه.

أميركا وحلفاؤها العرب والأوروبيون هم الذين ورطوا تركيا في هذه المصيدة السورية، وقرروا استبدالها بالأكراد كحليف موثوق يمكن الاعتماد عليه كمحور أساسي لاستراتيجية الغرب في الشرق الأوسط، ولهذا تمنع أميركا تركيا وسوريا معا من التمدد شرق الفرات، حيث احتياطات النفط والغاز "المحجوزة" للدولة الكردية التي باتت في طور التكوين، وعلى حساب أراضي البلدين بالدرجة الأولى.

تركيا كانت بالنسبة إلى الغرب حاجزاً لصد أي تدفق للمسلمين إلى أوروبا، سياسيا أو عسكريا، وانتهى هذا الدور بمجرد أن رفع الرئيس إردوغان "الراية العثمانية" التي تذكر بوصول القوات التركية إلى فيينا بعد اجتياحها بلغاريا ورومانيا وبعض دول البلقان.

القمة الثلاثية التي ستعقد في ضيافة إردوغان في إسطنبول مطلع الشهر المقبل وبحضور الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، ربما تكون فرصة لمراجعة تركية استراتيجية لكل أخطاء السنوات العجاف السبع الماضية، والانطلاق نحو سياسات وتحالفات جديدة أبرز عناوينها الانسحاب من حلف "الناتو".

الأميركان ورطوا تركيا في سوريا لمنعها من التوجه شرقا إلى حواضنها الطبيعية، ودون الاعتراف بها عضواً "أصيل" في حلف "الناتو" والنادي الأوروبي الأبيض، الهدف الأميركي تحقق بالكامل، وجرى تدمير سوريا وزعزعة أمن واستقرار تركيا، وتهديد وحدتيها الترابية والديمغرافية، ولهذا لن تجد صرخات ونداءات الاستغاثة للرئيس إردوغان التي وجهها إلى حلف "الناتو" أي صدى، أو تجاوب بالتالي.