أميركا تنخرط في الحرب المباشرة مجدّداً والمقاومة ستُخرجها بلا سفن ولا طائرات...!
محمد صادق الحسيني
يبدو أنّ الرؤساء الأميركيين، سواء كانوا جمهوريين أم ديمقراطيين، يبقون دائماً أسرى ما يُسمّى الدولة العميقة في الولايات المتحدة، والمتمثلة في وزارة الدفاع ووكالات او أجهزة المخابرات الحكومية المختلفة، والتي تمثل بدورها مصالح الجهات الأكثر عدوانية وعنصرية وعنجهية في المجتمع الأميركي، ألا وهي تجمّع الصناعات العسكرية وتجمّع شركات النفط والطاقة العملاقة.
أما ما يدفعنا للوصول الى هذه النتيجة فهو قيام الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، بنكث وعوده لمنتخبيه، أثناء الحملة الانتخابية، بأن يوقف تدخل الولايات المتحدة في النزاعات والحروب الخارجية، وذلك حفاظاً على المصالح الأميركية، ويعود كما سابقيه الى الانخراط في سلسلة حروب ومغامرات فاشلة تمتد رقعتها من افغانستان شرقاً وحتى الجزائر غرباً والتي تواجه الاٍرهاب، الذي زرعته الادارة الأميركية، على حدودها الشرقية والجنوبية.
حيث تناسى ترامب، وبعد إرغامه على العودة الى بيت طاعة الدولة العميقة، كل وعوده الانتخابية والتي لم يكن آخرها وعوده لناخبيه بتحسين العلاقة مع روسيا، ضمن توجهاته لخلق نوع من الاستقرار في العلاقات الدولية. ولكنه بدلاً من ذلك لجأ، وفِي نقض واضح لتفاهماته مع الرئيس بوتين في شهر حزيران 2017 في هامبورغ في ألمانيا، لجأ الى منحى مختلف تماماً عن الوعود الانتخابية.
اما دليلنا على ذلك فهو ما يلي:
ان الرئيس ترامب، مثل سلفه الجمهوري ريتشارد نيكسون، يرفض الاستماع الى آراء العقلاء في الولايات المتحدة والذين يكررون الدعوة لسحب القوات الأميركية من كل من افغانستان والعراق وسورية، تماماً كما رفض سلفه نيكسون الاستماع لطلب ممثل التيار المناهض للحرب في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي، السيد جون كيري الذي كان ضابطاً في سلاح البحرية الأميركية العامل في فيتنام آنذاك، والذي دُعي خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ 22/4/1971 الى إنهاء فوري للحرب في فيتنام تفادياً لهزيمة كبرى. وقد كانت نتيجة ذلك التعنت الأميركي هزيمة عسكرية أميركية مدوية في فيتنام في العام 1975، كما هو معروف.
إن الرئيس ترامب أقرب في ممارساته، وفِي النتائج التي ستترتّب عليها حتماً، الى الرئيس الديموقراطي السابق بيل كلينتون الذي أرسل في شهر أيلول 1993 قوة عسكرية أميركية الى الصومال بحجة اعتقال أحد قادة الفصائل المسلحة الصومالية في موقديشو آنذاك، وهو محمد فرح عيديد، حيث حاولت قوة أميركية خاصة مدرعة، من الكتيبة الثالثة، التابعة لفوج الرينجرز Rangers الـ 75، والتي كان يطلق عليها آنذاك قوات دلتا Delta Force، وبمساندة قوة عمليات خاصة محمولة جواً تابعة للكتيبة الأولى من فوج العمليات الخاصة الجوية رقم 160. حاولت هذه القوة مهاجمة مقر قيادة عيديد، ولكنها مُنيت بخسائر بشرية كبيرة وأسقطت عدداً من المروحيات التي استخدمتها، إلى جانب تدمير عدد من المدرعات المستخدمة في الهجوم وذلك بتاريخ 3 و 4/10/1993.
مما اضطر الرئيس بيل كلينتون إلى اتخاذ قرار حاسم وسريع، بعد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومي الأميركي يوم 6/10/1993، بسحب القوات الأميركية فوراً من الصومال وانتداب السفير روبرت أوكلي Robert B. Oakley بالذهاب الى موقديشو للبدء بمحادثات سلام مع الفصائل الصومالية المسلحة، أي ان الادارة الأميركية اضطرت ان تتفاوض معهم بعد هزيمة كبيرة تلقتها على يد جماعة مسلحة سيئة التسليح والتدريب.
وهذا بالضبط ما سيحدث للرئيس ترامب، إذا استمر في تنفيذ سياسات إدارته العدوانية في كل من سورية والعراق، وإذا أصرّ على المضي قدماً في إقامة قواعد أميركية في البلدين حتى بعد انتفاء الحجة، التي كانت تتذرع بها الإدارة الأميركية لإرسال «قوات خاصة» او «وحدات للتدريب»، الى كل من سورية والعراق وهي حجة محاربة داعش. أي أن الجنود الأميركيين سيُضطرون الى إخلاء قواعدهم والانسحاب تحت النار، اذا واصل رئيسهم رفض الاستماع لصوت العقل الذي يدعوه الى الكفّ عن ممارسة العدوان والتوقف عن تعطيل عملية التسوية السياسية الشاملة في سورية بالتوافق بين السوريين أنفسهم.
ولكن ممارسات الإدارة الأميركية، في كل من العراق وسورية، تشي بغير ذلك تماماً. فهي في العراق تطالب الحكومة العراقية بمنحها عشرين قاعدة عسكرية، بينما أقامت في سورية عشرين قاعدة ونقطة ارتكاز أخرى، دون موافقة الحكومة السورية، التي تعتبر هذا الوجود احتلالاً أجنبياً لأراضيها وتحتفظ لنفسها بحق التصدّي له وطرده بكل الوسائل الضرورية لذلك.
وما الأعمال التحضيرية التي تنفذها القوات الأميركية لإنشاء قاعدة عسكرية جديدة، شمال شرق الخط الدولي رقم 2 وبالقرب من نقطة تنيفات، إلا دليل على وجود مخطط أميركي يهدف الى القيام بفتح جبهة جديدة ضد قوات حلف المقاومة في قاطع التنف/ الوليد/ على جانبي الحدود، وذلك في محاولة منها لإنقاذ مشروعها الأساسي الذي يهدف الى تقسيم العراق وسورية وضرب محور المقاومة وإقامة منطقة سيطرة أميركية/ أردنية/ عازلة بين العراق وسورية، بهدف قطع التواصل الجغرافي البري بين طهران والقدس عبر العراق فسورية فلبنان، تماماً كالمنطقة العازلة التي تخطط «اسرائيل» لإقامتها على حدود الجولان المحتل بهدف إبعاد قوات حلف المقاومة عن خطوط وقف إطلاق النار في الجولان المحتل.
اما ما قامت به القوات الأميركية المتمركزة في قاعدة التنف يوم أمس الاول، من عملية قرصنة لاسلكية ضخمة، سيطرت خلالها لاسلكياً على المنطقة الجوية الممتدة من قاعدة التنف في سورية وحتى الرطبة شرقاً داخل العراق، أي أنها قطعت او عطّلَتْ كافة أنواع الاتصالات السلكية واللاسلكية في المنطقة المشار اليها أعلاه، فما هو إلا أحدث دليل على استمرار القوات الأميركية في عدوانها ومشاركتها لعصابات وفلول داعش وغيرها من المرتزقة الذين تقوم بتدريبهم، بالتعاون مع الجيش الأردني، في قاعدة التنف السورية وفي قاعدة الموقر الاردنية. نقول مشاركتها لهم في تنفيذ جرائمهم ضد وحدات قوات حلف المقاومة على طرفي الحدود، وذلك من خلال تعطيل اتصالات هذه القوات التي تنفذ عمليات تطهير في قاطع الرطبة/ عكاشات/ وادي الغدف… في العراق.
ولكننا نقول إن ما تجهله قيادة الجيش الأميركي والإدارة الأميركية في واشنطن هو أن زيارة الرئيس الروسي الى قاعدة حميميم في سورية ولقاءه الرئيس الأسد هناك في شهر 12/2017 كانت بمثابة إعلان مشترك عن النصر على داعش وأما خطاب الرئيس بوتين في موسكو قبل أيّام فما هو إلا إعلان عن نهاية أحادية القطب في العالم وولادة عالم متعدد الأقطاب وجديد تتحكّم فيه موازين قوى تختلف تماماً عن تلك التي حكمت العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
إنه طائر الفينيق، إنها سورية التي تنهض من تحت الرماد لتعلن عن ولادة نظام عالمي جديد لا مكان فيه لمؤامرات الثورات الملوّنة أو تلك المسيّرة عن بعد، أي من واشنطن، بل انه نظام ستكون فيه الولايات المتحدة مجبرة على التخلي عن مشاريع إسقاط الدولة السورية وتفتيت سورية والعراق خدمة لمشاريع الهيمنة الأميركية المطلقة التي أصبحت من الماضي.
هذه المرة لن تجد أميركا الفرصة للهروب المنظم من بلادنا، كما فعلت من سايغون في سبعينيات القرن الماضي بأسراب طائرات من على سفنها نظّمت حفلتها لهم سفارتهم هناك، بل سيدفنون تحت التراب أو يُلقون إلى أسماك بحر الشام…!
فيما سنعلن نحن قيامتنا وعروجنا الى السماء من بلاد الشام كما صرّح جنرال النصر الحاج قاسم سليماني..!
بعدنا طيبين قولوا الله.