مؤتمر ميونيخ وكشف المستور!
إيهاب شوقي
لا شك أن الاحداث العالمية الكبرى تفرز صانعيها وتشير اليهم بالبنان، ولا شك ان المؤتمرات الكبرى والتي تتميز بجلسات خاصة وسرية تعكس الفاعلين الرئيسيين بقدر ما تتحمل المؤتمرات من شرعية التمثيل.
وبتوضيح اكثر فان هناك عصابات مسلحة او قوى مقاومة -مع الفارق الجوهري بين الاثنتين- لا يمكن تمثيلها في مؤتمرات كبرى رغم ان لها دورا مؤثرا في الاحداث الكبرى، ولكن يمكن تمثيلها بشكل او بآخر عن طريق الاصدقاء او الداعمين.
مؤتمر ميونخ للأمن، وهو من اهم المؤتمرات الدولية والتي ينبثق عنها غالبا سياسات عملية على الارض في السنة التي تلي انعقاده، يعد مؤشرا على هذه القوى العالمية والتي لها تأثير فعلي ومفصلي على الأمن العالمي.
وقد بدأ "مؤتمر ميونخ للأمن" في ألمانيا دورته الـ54 هذا العام، وسط أجواء تشاؤمية، كما تقول التقارير، وتعزي التقارير السبب الى نشر تقرير في وقت مبكر تمهيداً للنقاش حمل عنوان "إلى حافة الهاوية والعودة".
وهو عنوان التقرير، الذي أعرب رئيس ميونخ الدولي للأمن فولفجانج إيشينجر، خلال تقديمه، عن تخوفه من أن العالم أصبح على شفير صراعات مسلحة ثقيلة، مشيرا إلى تفاقم التوتر السياسي والعسكري بين أمريكا وروسيا والتي تقترب بشدة من محاذير خطرة، وصفها إيشينجر بحالة "عدم الثقة بين القيادة العسكرية في واشنطن وفي موسكو".
وبالعودة الى كونه مؤشرا على صانعي الاحداث، فقد باشر أكثر من 500 مدعو، بينهم 16 رئيس دولة و15 رئيس حكومة و47 وزير خارجية و30 وزير دفاع و59 ممثلاً عن منظمات دولية، مناقشة مآلات التحديات الأمنية حول العالم، وسبل كبح جموحها.
وكما هو واضح من تمثيل وفوده، فإن المشاركات اللافتة تخلو من اي دولة عربية سوى السعودية وقطر، اضافة للعراق (لأسباب استثنائية) ومن الدول الاقليمية لم يوجد ايضا تمثيلا لافتا سوى لتركيا وايران، اضافة الى الكيان الصهيوني.
هذا التمثيل اللافت والذي لا يعني مجرد مشاركة في جلسة هنا او هناك، يكشف بجلاء عن الاوضاع الدولية والاقليمية، وعن وجود دول تصنع الاحداث اما عبر التمويل مثل السعودية وقطر، وأخرى امتلكت قوى للعدوان وأخرى للمقاومة.
الا ان اللافت هو انقشاع الاوهام الدعائية عن دول تلاشت تأثيراتها رغم امتلاكها كافة مقومات التأثير في الأحداث على الارض وعلى رأسها مصر!
لا شك وان وجود تركيا وايران وقطر والسعودية والعراق يكشف عمق تأثيرات الاحداث في الاقليم والمتمركزة في سوريا على الامن العالمي، وان المواجهة في سوريا تتخطى البعد الاقليمي الى ابعاد دولية كبرى تذهب بعيدا الى الصراع الرئيسي على اوراسيا وصراعات الطاقة.
والغريب أن أحداث سيناء وسط ما هو معلن من انها حرب كبرى يحشد الجيش المصري بكامله بها وتذاع عبرها البيانات العسكرية، لا تسترعي اهتماما دوليا، بل جلسة تدعى بها مصر مممثلة في وزير خارجيتها ليتحدث بشكل عام عن الحرب على الارهاب، مما يكشف ان عملية سيناء الحالية لا تعد مؤثرا مفصليا في حدث عالمي.
هذا يعكس أحد احتمالين:
* الاول هو انها حرب دعائية لاغراض داخلية سياسية وربما انتخابية، وتعلم المؤسسات الامنية العالمية ذلك او تقديرها الاستراتيجي يصب في ذلك.
* والثاني انها حرب حقيقية ولكنها بتنسيق مريح مع الكيان الصهيوني اوتحت السيطرة الامنية العالمية بحيث لن ينجم عنها اي توتر استراتيجي بين مصر والكيان بما يشكل حدثا دوليا.
ربما تناقش الجلسات المغلقة مستقبل الارهابيين الفارين وتسكينهم في اماكن اخرى، وسط تقارير مزعجة تنسب الى عضو مجلس الشيوخ الباكستاني رحمن مالك، وفحواها ان الهند تقوم بتنظيم التعاون بين الارهابيين والميليشيات الهندوسية التابعة لرئيس الوزراء الهندي، نارندرا مودي، بهدف اختراق المسلحين المسلمين في كشمير لإبادتهم، ووسط تقارير تتواتر عن توظيفهم في اماكن اخرى للصراعات ومنها سيناء.
هدد نتنياهو ايران، واستهزأت طهران بتهديداته ووصفت كلمته بالسيرك الهزلي، ولكل منهما وجاهة التهديد ووجاهة الرد، حيث السياسات والقوى على الارض تعبر إما عن العدوان وإما عن الردع والمقاومة.
وبينما ذهبت وفود متسلحة بسياسات وتحركات على الارض، يساعدها في ذلك توجهات واضحة وانحيازات معلنة، فقد لجأ اخرون الى كلام انشائي ومطالبات جوفاء لعدم الاصطفاف في معسكرات حقيقية وواضحة.
لا شك وان هناك أمورًا أخرى ستناقش بل وربما نوقشت، ربما مثل التي عبر عنها محللون غربيون، وربما تتعلق مباشرة بمستقبل انظمة في الاقليم، حيث يسود اتجاه لاستغلال شعبية الرؤساء والملوك في التطبيع، وهو يعني ان هناك اتجاها غير معلن للتخلص من الانظمة التي تفتقر الى الشعبية باعتبارها غير مؤهلة لاتمام صفقات كبرى.
وبالنسبة للمراقبين المقربين من المملكة الأردنية، يتحدث عبد الله صوالحة وابراهام هاك في تقرير مشترك لمعهد واشنطن، عن عدم وجود تجاوب شعبي اردني للتطبيع وعدم انخراط الاردن بشكل كامل في صفقات كبرى مع العدو الاسرائيلي: (إنه وضع غريب نظرًا إلى الدعم الشعبي الكبير الذي يتمتع به النظام الملكي الاردني في البلاد. باختصار، يمكن للقيادة الأردنية الاستفادة من رأسمالها السياسي الشعبي الهائل من أجل تقليص الفجوة بين مصلحة البلاد الواضحة في إطار علاقة طبيعية ومزدهرة مع إسرائيل من جهة والشعور الشعبي العدواني إزاءها من جهة أخرى.)
على الانظمة المفتقدة للشعبية أن يصيبها القلق، وربما نرى ملامح هذا القلق لدى أنظمة عدة.