المقاومة والعدو يستحضران سيناريوات التصعيد
لم تغب غزة يوماً عن المشهد الفلسطيني العام، ولا أخيراً عن «انتفاضة العاصمة» الجارية. فقبل القصف الإسرائيلي، الذي صار يومياً خلال الأسبوع الماضي، كان «أقل الإيمان» الحراك الشعبي الكبير، لكن هذا لا يشفي غليل الشبان الذين صار حضورهم على الحدود يومياً وليس مقتصراً على يوم الجمعة.
وعملياً، قدّم القطاع شهداء الهبّة الجارية، في الوقت الذي يواصل فيه أهالي القدس والضفة احتجاجاتهم التي أسفرت عن أكثر من ألف مصاب ومئتي أسير، لكن تقديرات الطرفين، المقاومة والعدو، تستحضر تطور الوضع الميداني في غزة، خاصة بعدما مرّ أسبوع ولم تنته المواجهات.
يعيش الغزيون هذه الأيام الأجواء نفسها التي سبقت العدوان الإسرائيلي على «القطاع» صيف العام الماضي، عندما أحرق مستوطنون الفتى المقدسي محمد أبو خضير. لم تمضِ أيام على الغضب الفلسطيني ومحاولة غزة «كسر الصمت»، حتى ردّت تل أبيب بقصف نفق كان فيه مقاومون من «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، ما أدى إلى اندلاع حرب استمرت 51 يوماً.
في الأيام الماضية، ومنذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعترافه بالقدس المحتلة «عاصمة لإسرائيل»، أُطلق عدد من قذائف الهاون والصواريخ على مستوطنات العدو في ما يسمى «غلاف غزة»، بعضها انفجر على السياج الحدودي وبعضها تصدّت له منظومة «القبة الحديدية» كما أعلن العدو، وبعضها سقط داخل المستوطنات.
حتى الآن لم يتبنَّ أيّ فصيل فلسطيني الصواريخ، ولكن وفق توزيع المناطق التي أطلقت منها: محافظات الشمال، والوسطى، والجنوب، يتبيّن أنها لم تكن عبثية بل مدروسة. تطورت نوعية الصواريخ التي أطلقت، من بدائية سقطت على الحدود إلى صواريخ «غراد» أسقطتها «القبة الحديدية» فوق عسقلان شمال غزة، وفق الإعلان الإسرائيلي. إلى الآن، تسعى المقاومة إلى تجنب الانجرار إلى حرب ضد العدو في غزة (وهو ما يسعى إليه الاحتلال أو يتوقعه فضلاً عن التجهّز له)، وذلك كي لا تخطف الأضواء عن الضفة والقدس المحتلتين، لكنها مع ذلك لا تريد إخراج القطاع من معادلة «انتفاضة العاصمة».
يتطابق ذلك مع الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها فصائل المقاومة في غزة بعد انتهاء حرب عام 2014، إذ قررت المقاومة، وفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»، تجنّب الانجرار إلى معارك بين الحروب بما يستنزف قدراتها العسكرية وينعكس سلباً على الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأبناء القطاع، كما قررت أنه في حال أي حرب جديدة مع العدو، فإن احتلال بعض المستوطنات المحيطة بالقطاع سيكون من أهدافها، حتى تتغير المعادلة.
صحيح أن ترك حركة «حماس» الحكم في القطاع أزاح عنها أعباءً كبيرة، لكن ملف المصالحة العالق ــ الذي تزامن تعرقله مع القرار الأميركي ــ لا يزال يدخل ضمن حسابات الحركة، خاصة أن «فتح» تبدو في موقف صعب بشأن صورة القرار اللاحق، وما يمكن أن تفعله على صعيد الضفة، وربما تمثل غزة في حسابات أحدهم «تنفيساً» للأزمة.
وميدانياً، استشهد مقاومان في «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، وذلك خلال «مهمة جهادية» في منطقة المنشية شمال بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. ووفق المتحدث باسم وزارة الصحة، أشرف القدرة، وصل جثمانا حسين نصرالله ومصطفى السلطان إلى المستشفى الاندونيسي شمالي القطاع.
أما في الضفة والقدس، ومع دخول اليوم السابع لإعلان ترامب، لا تزال الاعتصامات والتظاهرات الرافضة للقرار الأميركي مستمرة، وذلك إلى جانب المسيرات الحدودية في القطاع. وأصيب أمس 124 فلسطينياً في المناطق كافة، وفق «جمعية الهلال الأحمر». وبذلك، يرتفع عدد الشهداء منذ بداية الأحداث إلى 6 إلى جانب 1778 إصابة.
وضمن المصابين كان الفتى حامد المصري (15 عاماً)، الذي أصيب بجراح بالغة جراء إطلاق قوات الاحتلال النار عليه في مستوطنة «أرئيل» وسط الضفة، بدعوى أنه كان يحمل سكيناً لتنفيذ عملية طعن. وفي وقت لاحق أصدر جيش العدو الإسرائيلي بياناً قال فيه إن «الفلسطيني الذي اشتبه في أنه أتى لطعن جندي قرب أرئيل لم يكن مسلحاً». وكشف التحقيق الذي أجراه الجيش أنه «مدّ يده إلى جيبه لإظهار هويته نحو أحد جنود لواء كفير، فأطلق النار في اتجاهه وأصابه بجروح خطيرة».
وفي وقت سابق، أفادت «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي شنّت حملة اعتقالات واسعة شملت أكثر من 200 مواطن فلسطيني منذ إعلان القرار الأميركي الأسبوع الماضي. وأوضحت الهيئة، في تقرير، أن «الاعتقالات تركزت في مدينة القدس، واستهدفت خاصة الناشطين الذين شاركوا في المواجهات التي اندلعت خلال أيام الغضب الماضية على مداخل المدن أو على حواجز الاحتلال».
في السياق نفسه، قالت الهيئة إن «إدارة السجون» نقلت القيادي في حركة «فتح» والنائب في المجلس التشريعي، الأسير مروان البرغوثي، من قسم العزل الجماعي إلى زنزانة العزل الانفرادي. وأتى قرار العزل على خلفية بيان صدر عن البرغوثي قبل أيام بمناسبة ذكرى الانتفاضة الشعبية الكبرى، أكد فيه «استحالة التعايش مع الاحتلال والاستيطان، ورفض هذه الحالة، وواجب مقاومة الاحتلال والاستيطان، وحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق العودة، والتمسك بالقدس عاصمة أبدية للدولة الفلسطينية الكاملة السيادة».
وفي أول اجتماع فتحاوي واسع، دعا «المجلس الثوري» للحركة الإدارة الأميركية إلى الإسراع في التراجع عن إعلان ترامب، محذراً من «تداعيات ومخاطر هذا الإعلان». وشدد المجلس، في بيان أصدره عقب اجتماع في مدينة رام الله بحضور عدد من أعضاء «اللجنة المركزية لفتح»، على «ضرورة استمرار التحرك الجماهيري في القدس وعلى امتداد الأرض الفلسطينية لمواجهة هذا القرار الجائر، ولمواجهة الاحتلال الاسرائيلي ومستوطنيه». وأكد البيان أنه «لا مجال للتعامل مع الأدارة الأميركية في ظل تنكرها لحقوق شعبنا التي أكدتها الشرعية الدولية... الدور الأميركي قد انتهى كوسيط في المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية».
من جهة أخرى، أجرى رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، اتصالاً بشيخ الأزهر أحمد الطيب، مشيداً بموقف الأخير وعلماء الأزهر في رفض قرار ترامب وتأكيدهم «إسلامية القدس»، فيما قال الطيب إن موقف الأزهر هو «إلى جانب الشعب الفلسطيني وصموده وحقوقه ومقاومته»، مضيفاً أنهم سيدعون إلى «عقد مؤتمر إسلامي موسع في القاهرة توجه فيه الدعوات إلى القيادات الفلسطينية من مختلف التوجهات في الداخل والخارج للمشاركة».
(الأخبار)