kayhan.ir

رمز الخبر: 67421
تأريخ النشر : 2017December01 - 22:10

لماذا صمت الحريري على ما جرى له في السعودية، وهل يستقيل فعلا؟


بعد عَودَتِه إلى لبنان عبر البوابة الفرنسيّة، بعد "احتجازِه” في المملكة العربيّة السعوديّة في ظُروفٍ غامضةٍ، وتَراجعه عن استقالتِه من رئاسة مجلس الوزراء، باتت تَحرّكات السيد سعد الحريري وتَصريحاته ومُقابلاته التلفزيونيّة تَستحق المُتابعة لاستشراف بعضِ التّفاصيل عن ظُروفِ هذهِ الاستقالة، ومُخطّطاتِه المُستقبليّة، وطبيعة الضّغوط الإقليميّة والدوليّة التي يَتعرّض لها، باعتباره أحد اللاعبين الأساسيين في الخَريطةِ السياسيّة اللبنانيّة.

في الحَديث الذي أدلى بِه إلى قناة "سي نيوز″ الفرنسيّة، كشف السيد الحريري عن مَوقفين لا يُمكن تَجاهُلهُما اذا أراد المَرء أن يُحاول رَصدْ تَحرّكاته المُستقبليّة:

الأوّل: تأكيده أن ما حَصل معه أثناء زيارته الأخيرة إلى السعوديّة سيَحتفظْ بِه لنفسه، ووصفه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الذي تَردّد أنّه خلف قرار احتجازه، إلى جانب أكثر من 200 أمير ورجل أعمال مُتّهمين بالفَساد في ظُروفٍ ربّما تَختلف قليلاً أو كثيرًا، بأنّه "مُصلحٌ كبير”.

الثّاني: مُطالبته "حزب الله” باتّباع سياسة الحِياد في سياساته ومَواقِفه من أجلِ وضعِ نهايةٍ للأزمةِ اللبنانيّة، مُضيفًا "لا أُريد حزبًا سياسيًّا في حُكومتي يتدخّل في شؤون دُولٍ أُخرى”، وهَدّد بالرّحيل عن رئاسة الحُكومة حال "رفضت إيران وحزب الله التّوازن السّياسي الذي يُمثّله”.

بالنّسبة إلى النّقطة الأولى المُتعلّقةِ باستمرار تَكتّمه على ما حصل معه في السعوديّة، والاحتفاظِ به لنفسه، فهذا يعني أن "شيئًا ما” حَدث، ولا يُريد الإفصاح عنه، وهذا أمرٌ يَتعارض في رأينا مع وَضعيّته كرئيس وزراء في الحُكومة، وَصلَ إلى هذا المَنصب بتوافقاتٍ سياسيّةٍ، وعَبر صناديق الاقتراع.

بكلماتٍ أُخرى، السيد الحريري مُطالبٌ بأن يقول الحقيقة كاملة، أمام ناخبيه وجُمهوره الكَبير الذي دَعمه، والرئيس اللبناني الذي ساندُه، ومارس كل أنواع التّحشيد لعَودته سالمًا إلى بلده، وإلا فإنّه سيَخسر الشعبيّة الكُبرى التي حَظِيَ بها، ولم يَنلْها أيُّ مَسؤولٍ سياسيٍّ لبنانيٍّ من قَبلِه، باستثناء والده الرّاحل رفيق الحريري.

أما إذا انتقلنا إلى النّقطة الثانية، وهي الأهم في نَظر هذهِ الصحيفة، فمُحاولته "إملاء” سياسة "الحِياد” على "حزب الله”، واشتراط عدم تَدخّله في شُؤونِ دُولٍ عربيّةٍ أُخرى (السعوديّة تحديدًا في اليمن) لاستمراره في رئاسة الحُكومة.

لا نُجادل مُطلقًا في حَق السيد الحريري في تَزعّمه حُكومة لبنانيّة يُشكّل الانسجام والتّوافق السياسي عمودها الفِقري، ولكن ما نُجادل به، وبقوّة، في هذهِ الصحيفة "رأي اليوم” مُحاولته فَرضْ آراء ومَواقف على حُلفائه أو شُركائه الآخرين في هذهِ الحُكومة، فعندما عقدَ صفقةً سياسيّةً بإنهاء الأزمة في لبنان تقود إلى حلِّ أزمة الرئاسة قبل عام، كان يَعرف جيّدًا أن قوّات "حزب الله” تُقاتل في سورية أوّلاً، وتدعم حركة "حماس″ في فِلسطين المُحتلّة ثانيًا، وتُقيم علاقات تحالفيّة قويّة مع تيّار "أنصار الله” الحوثي في اليمن ثالثًا، ويُشكّل ذِراعًا عَسكريًّا قَويًّا لإيران في المِنطقة رابعًا.

عندما يكون السيد الحريري وتَياره محايدا على الطريقة "السويسرية”، ولا ينحاز الى معسكر عربي ضد آخر، ويَتَلقى الدَعم والمساندة منه، فإنه في هذه الحالة يُصبح في وَضع يؤهله لِمُطالبة الآخرين بالحياد و”النأي” بالنفس عن سياسة المحاور.

الأمر المُؤكّد أن هُناك جهاتٍ داخل تيّار المُستقبل الذي يَتزعّمه، وفي المِنطقة، والسعوديّة ودول خليجيّة أُخرى تحديدًا، تُمارس ضُغوطًا عليه للخُروج من الحُكومة، ومن الصّفقة التي جاءت به رئيسًا لها، ولكن الرّضوخ لهذهِ الضّغوط ستُؤدّي بطريقةٍ أو بأُخرى، إلى إشعالِ الحَرب في لبنان، وزَعزعة استقراره، لأن "حزب الله” لن يَتنازل عن سياساتِه ومواقِفه، ولن يكون حِياديًّا في مِنطقة تَغلي بالاستقطابات السياسيّة والعَسكريّة، فهو جُزءٌ من مَنظومةٍ إقليميّةٍ عُظمى.

فإذا كانت "إسرائيل" التي تُعتبر القوّة الإقليميّة النوويّة الأعظم في المِنطقة، فشلت في تجميد "حزب الله”، ونَزعْ سِلاحه، وتَعرّضت لهَزيمتين مُذلّتين على أيدي قوّاته، فهَل يُمكن أن يَنجح تيّار المُستقبل وحُلفاؤه فيما عَجزت عن تحقيقه "إسرائيل"، خاصّةً أن تحالفه خرج مُنتصرًا في الأزمة السوريّة، وباتَ يَتمتّع بدعمٍ قويٍّ من الرئاسةِ والجيش اللّبناني مَعًا؟

نَتمنّى في هذهِ الصّحيفة على السيد الحريري أن يَتحلّى بالهُدوء وضَبطْ النّفس، وأن يَضعْ مَصلحة لبنان وأمنه واستقراره فَوق أيِّ مَصالح أُخرى إقليميّة أو دوليّة، خاصّةً أنّه أكّد أكثر من مرّة بأنّه لن يُحوّل بِلاده إلى ساحةِ حَربٍ، لأن الرّضوخ للخِيار الآخر يَعني الدّمار والعَودة إلى الحَرب الأهليّة، بطريقةٍ أو بأُخرى، وسيكون تيّاره وطائفته الأقل استعدادًا لها، والأكثر تَضرّرًا مِنها.

"رأي اليوم”