kayhan.ir

رمز الخبر: 65268
تأريخ النشر : 2017October21 - 20:42

«عقدة» التنف إلى المفاوضات: ما هو هدف الجيش بعد الميادين؟


حسين الامين

أطلق الجيش السوري عملياته الهادفة إلى السيطرة على الحدود السورية ــ الأردنية، في بداية صيف هذا العام. وتقدمت قواته على طول الحدود، بدءاً من ريف السويداء الشرقي حتى منطقة الزلف وجبل الجارين وأم أذن. وفي موازاة ذلك، كانت مواقف الفصائل المسلحة المدعومة أميركياً متباينة بشأن ضرورة البقاء والمواجهة أو الانسحاب إلى محيط مخيم الركبان أو إلى الداخل الأردني. النتيجة كانت انسحاب «جيش العشائر» و«أسود الشرقية» و«قوات أحمد العبدو»، تحت ضغوط الداعمين، إلى داخل «المنطقة الآمنة» الأميركية في محيط قاعدة التنف، والتي تضم بدورها فصيل «مغاوير الثورة».

ومع بداية الشهر الحالي، وصلت قوات الجيش السوري إلى النقطة الحدودية رقم 204، التي تبعد عن التنف نحو 45 كيلومتراً. هناك، تعرضت تلك القوات لرمايات مدفعية ورشاشة من جانب المجموعات المسلحة، في موازاة تحليق ــ غير اعتيادي ــ لطائرة مسيّرة فوق مناطق تقدمها. على الفور، تراجع المهاجمون إلى النقطة رقم 202، وأعادوا تموضعهم هناك في انتظار أوامر جديدة. التعليمات صدرت بالانسحاب وعدم الاحتكاك مع القوات الأميركية، على اعتبار أن النقطة التي تبعد نحو 50 كيلومتراً عن قاعدة التنف (وفق اعتقاد القيادة الميدانية هناك) خارج «منطقة منع التصادم» الأميركية. ولكن، بعد ساعات قليلة، تلقّى الضباط الميدانيون أوامر صارمة بالانسحاب لمسافة 10 كيلومترات، لتصبح قوات الجيش على مسافة تقارب 60 كيلومتراً عن القاعدة الأميركية.

يوضح مصدر سوري رفيع في حديثه إلى «الأخبار» أن «الجيش انسحب بعد أن حقق هدفه من العملية». ويضيف أن «القيادة العسكرية كانت تعلم أن الجانب الأميركي لن يسمح للجيش بالتقدم نحو قاعدة التنف، وخرق منطقة الحظر، ولكن ما أرادته هو الضغط على القيادة الأميركية لدفعها إلى الدخول في مفاوضات حول مصير هذه المنطقة». تثق القيادة العسكرية السورية بأن القوات الأميركية في التنف تساعد المسلحين وتوجههم وتدعمهم. ومنذ أيام أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، إلى أن «600 مسلح خرجوا يومي 2 و3 من الشهر الجاري من المنطقة الخاضعة لقوات (التحالف الدولي)… وتلقوا مساعدات في ظروف غريبة». والواضح أن الجانب الأميركي كان مرتاحاً إلى الهدوء الذي خيّم على المنطقة الحدودية منذ فترة ليست بقصيرة، واستغل هذا الهدوء للعمل على تنظيم المسلحين التابعين له وتدريبهم، وإرسالهم في مهمّات خاصة، إلى جانب مراقبته التطورات العسكرية الجارية في البادية الشرقية.

إذاً، توقّفت العمليات تماماً في تلك المنطقة بعد هذه الحادثة، ولكن ما أرادته القيادة في دمشق حصل فعلاً. فعلى وقع تقدم الجيش نحو التنف، تلقّت القوات الروسية العاملة في قاعدة حميميم اتصالاً من القاعدة الأميركية في التنف. وكان فحوى الاتصال، وفق ما تفيد مصادر مطلعة في حديثها إلى «الأخبار»، هو طلب أميركي بالضغط على دمشق لوقف تقدم القوات، والانسحاب إلى خارج «منطقة الحظر» تجنّباً لأي اشتباك «سيحدث لو أكملوا تقدمهم». ولكن الجانب الروسي لم يستجب بسرعة للمطلب، واشترط ــ بالتنسيق مع القيادة السورية ــ بدء مفاوضات تفضي إلى انسحاب القوات الأميركية من محيط التنف، وهو ما لقي قبولاً أميركياً. هنا تجدر الإشارة إلى أن القيادة في دمشق كانت قد اتخذت قراراً حاسماً بمنع الاحتكاك مع الأميركيين، وقد أبلغت قيادتها العسكرية بذلك، غير أنها أرادت ــ بهذا التقدم الميداني ــ حشرهم وجرّهم إلى التفاوض بدل القتال.

حالياً، تجري مفاوضات بين «حميميم» و«التنف» للوصول إلى حل لهذه المعضلة. وترى مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن المفاوضات تجري «من موقع قوة للجيش الذي يفرض حصاراً على منطقة التنف»، وبالتالي فإن المطلب الأساسي هو انسحاب القوات الأميركية من المنطقة. المعطيات تشير إلى أن الدولة السورية أبلغت حليفتها روسيا ضرورة إقناع الولايات المتحدة بالانسحاب، وإلا فإن قوات الجيش السوري التي تحيط بالمنطقة سوف تتابع عملياتها للإمساك بكامل الحدود، ما سيرفع احتمالات الاحتكاك وربما الاشتباك.

طريق دمشق ــ بغداد آمن

لا يعتبر وجود قاعدة التنف الأميركية عند تقاطع الحدود الأردنية ــ العراقية ــ السورية أمراً عابراً. فالوجود الأميركي هناك هو احتلال. غير أن الواقع يقول إن القاعدة في وضعها الحالي لا تؤثر على ملف وصل عواصم محور المقاومة أبداً. ويشير مصدر عسكري مطّلع إلى أن «القاعدة محاصرة من قبل الجيش، ولا تستطيع القوات داخلها التواصل بأريحية مع المسلحين خارجها، كما لا إمكانية برية لها للسيطرة على الحدود أو منع أحد من عبورها». وبالتأكيد، ثمة معابر مفتوحة أمام المتنقلين بين العراق وسوريا (رسمية أو غير رسمية)، حيث لم تنقطع إمكانية التواصل البري. ويشرح المصدر في حديثه إلى «الأخبار» أن «هنالك معبراً مفتوحاً بين العراق وسوريا، ويقع شمال التنف، وهو يُعرف بمعبر السلطاني. وقد قام الجيش بتأمينه عبر نشر مواقع في محيطه وتسيير دوريات مراقبة وإقامة الحواجز».

وتؤكّد نيران المعارك في الشرق السوري أن العمليات في البادية الشرقية ما زالت مستمرة، حيث يحرز الجيش تقدماً جيداً على طريق حميمة ــ المحطة «T2». ويوضح المصدر أن «العمليات سوف تُستكمل لتنظيف الحدود وتأمينها صعوداً نحو البوكمال»، مضيفاً أن «الإنجازات التي حققناها طوال الحرب سوف تكون بلا قيمة إن سمحنا للأميركي بالسيطرة على الحدود، ومُنعِنا من العبور والتواصل». وتبقى مسألة السيطرة على الحدود قضية جوهرية في الصراع الأخير على مكاسب الحرب. وأي اشتباك قد يحصل لن يبقى موضعياً لوقت طويل، فالإمساك بالحدود يعادل نصف الانتصار الكبير.

مدنيو «الركبان»… نقطة خلافية؟

تثير التطورات الأخيرة في محيط قاعدة التنف وعلى طول الحدود الأردنية، أسئلة حول مستقبل مخيم الركبان والمدنيين المقيمين فيه، ولا سيما في ضوء الحديث عن مفاوضات أميركية ــ روسية لحل شامل هناك.

وبدا لافتاً خلال الأسابيع القليلة الماضية أن الجانب الأردني رفض الخضوع لطلبات أممية مدعومة من أطراف دولية، لتسجيل القاطنين في المخيم كلاجئين في «مفوضية شؤون اللاجئين ــ الأردن» كخطوة أولى لنقلهم إلى الداخل الأردني، مع تعهدات بتمويل إقامتهم وخدماتهم. الرفض الأردني أتى ضمن سياق أوسع لتسوية الوضع على الحدود الشمالية، وإعادة ترتيب العلاقات مع دمشق. ويمكن الإشارة هنا إلى لقاء غير رسمي، جمع رئيس مجلس الشعب السوري حمودة صباغ، ونظيره الأردني عاطف الطراونة، على هامش اجتماع «الاتحاد البرلماني الدولي» في سانت بطرسبورغ الروسية. وأشارت وسائل إعلام أردنية إلى أن الحكومة طلبت من المنظمات الأممية والدولية تنسيق عمليات الإغاثة في الركبان مع دمشق، لكون المخيم يقع ضمن الأراضي السورية، وتقع مسؤوليته على عاتق الحكومة السورية. ويتسق هذا مع مطالبات روسية سابقة للأمم المتحدة بتسيير مساعدات إلى المدنيين القاطنين في المخيم، مع وعود بتسهيلات خلال نقلها من دمشق عبر البادية.