دعوات كردية للبارزاني للتخلي عن السلطة.. وتحذيرات من تفاقم أزمة الإقليم
عادل الجبوري
بينما يعيش الشارع الكردي حالة توجس واضطراب، جراء الإفرازات السياسية والاقتصادية للاستفتاء الذي أجري في الخامس والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، تعالت أصوات كردية تطالب رئيس الاقليم المنتهية ولايته منذ عامين، مسعود البارزاني بالتخلي عن السلطة، وفسح المجال لتفعيل خيارات التهدئة واحتواء الأزمة.
وفي أول ظهور إعلامي له بعد وفاة والده الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وجه بافل، النجل الاكبر للطالباني انتقادات حادة ولاذعة للبارزاني، محملا إياه مسؤولية ما يمر به الشعب الكردي من أوضاع صعبة وخطيرة، قائلا "ان هذا ليس منهج والدي في رعاية وصيانة مصالح الشعب الكردي".
في الوقت نفسه، دعا الطالباني الابن -الذي يبدو أنه الأوفر حظا لخلافة والده في زعامة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني- الى اختيار محافظ بديل لكركوك بدل المحافظ المقال نجم الدين كريم، وشدد على ضرورة اللجوء الى أسلوب الحوار والتهدئة لتجنيب كركوك حربا أهلية تلحق الضرر بالجميع.
الى ذلك، دعا اراس شيخ جنكي السكرتير الشخصي للرئيس الراحل جلال الطالباني وابن شقيقه، رئيس الاقليم المنتهية ولايته الى التخلي عن السلطة.
ووجه شيخ جنكي رسالة الى البارزاني، هي الثانية خلال شهر واحد، قال له فيها،"ان هذه هي المرة الثانية التي أكتب إليك رسالة مخلصة أدعوك فيها الى استغلال فرصة صغيرة بقيت أمامنا لحل الأزمة الراهنة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، ما يهمني الآن وفي هذه الساعة هو التهديدات التي تواجه المناطق المسماة بالمتنازع عليها، فأنا أسمع هنا وهناك أحاديث تشير بأننا سوف نخسر هذه المناطق بعودة قوات الحكومة الاتحادية والسيطرة عليها، وخصوصا المناطق النفطية التي تسيطر عليها القوى الكردية، وأعتقد بأنه إذا حدث ذلك فإن كل شيء سينتهي".
شيخ جنكي طالب البارزاني بتحمل مسؤوليته عن تبعات ما حصل واستغلال الفرصة الضئيلة المتبقية لانقاذ ما يمكن انقاذه، من التداعيات الخطيرة لإجراء الاستفتاء، بوصفه المسؤول الأول عن هذه الكارثة، قائلا، "لقد حان الوقت لتتقدم بخطوة تاريخية من خلال تقديمك للإستقالة من منصبك والتضحية لأجل الشعب، وأنا على يقين بأن التاريخ سيحسب لك هذا الموقف وسيروي للأجيال المقبلة بأنك ضحيت بمنصبك من أجل مصلحة المواطن وإنقاذه من المحنة التي يعيشها الأن وفي هذه الساعة الان".
من جانبها وجهت النائب في مجلس النواب العراقي عن التحالف الكردستاني، الاء طالباني انتقادات شديدة اللهجة للاطراف السياسية الكردية وآليّة تعاملها مع التطورات والقرارات التي اتخذتها الحكومة الاتحادية، مشيرة الى ان عدم وجود رؤية سياسية واضحة لدى القيادة الكردستانية لمرحلة ما بعد الاستفتاء، والعزلة التي وضعت نفسها فيه، جعل النواب الاكراد في مجلس النواب العراقي في حيرة وتخبط تجاه ما يحصل في بغداد، وتعاملهم مع التطورات السياسية وردود فعل الحكومة الاتحادية التي اعقبت اجراء الاستفتاء على استقلال الاقليم.
وأشارت طالباني الى ان القرارات التي صدرت عن مجلس النواب والحكومة الاتحادية اعتمدت صيغًا وأسسًا قانونية ودستورية، واذا كان للكرد وممثليهم اعتراضات عليها فعليهم ان يحاولوا عبر ممثيلهم وهم على شتى المستويات في الدولة العراقية الغائها عبر الصيغ القانونية والدستورية.
وتتحدث مصادر خاصة قريبة من اوساط الحزب الديمقراطي الكردستاني، ان نقاشات ساخنة تدور في داخل مراكز القرار العليا، وضمن دائرة العائلة البارزانية، حول اختيار شخصية مناسبة لخلافة مسعود البارزاني في رئاسة الاقليم، وزعامة الحزب.
وبينما تتجه الانظار لنجله الاكبر مسرور البارزاني(47 عاما)، الذي يشغل منصب مستشار امن الاقليم، يذهب فريق اخر الى دعم رئيس الحكومة الكردية الحالي نيجرفان البارزاني(51 عاما)، ما يرفع وتيرة الصراع والتنافس بين نجل البارزاني وصهره، وبالتالي يؤزم الاوضاع بدرجة اكبر.
في غضون ذلك أكد القيادي المنشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، والذي اسس مؤخرا كيانا سياسيا تحت عنوان "التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة"، "ان الوضع يغلي في محافظة كركوك ومأزوم وفيه مؤشرات غير واضحة"
وأشار صالح في تصريحات صحفية الى "اننا نمر بلحظة خطيرة وعصيبة تتطلب من عقلاء القوم التوافق من أجل منع الصدام المسلح فالمعلومات المتوفرة لدي ان رئيس الجمهورية فؤاد معصوم سيلتقي بقيادة الإقليم، لبحث دعوة المرجع الديني الأعلى اية الله العظمى السيد علي السيستاني في الاحتكام الى الدستور".. مضيفا "حصلت الكثير من السجالات ويجب الاحتكام الى الدستور والذهاب الى بغداد لاستمرار الحوار، فالامر الحالي غير مقبول من قبل الطرفين فهذا لا يفيد الكرد و لا العرب".
وشدد القيادي الكردي على "ان الحل والتوافق يجب ان يكون في بغداد، فهناك مشكلة ازلية بين الإقليم والمركز ومن الضروري الابتعاد عن تأجيج هذا الموقف، لان الحروب عادة ما تبدأ بشرارة صغيرة وتنتهي الى كوارث كبيرة.
ويبدو ان انعكاسات الاستفتاء الكردي راحت تتبلور في جانب كبير منها من خلال اتساع الهوه بين الفرقاء الاكراد، وتزايد حجم الضغوطات والانتقادات للبارزاني وحزبه، لاسيما مع وجود مؤشرات عديدة على نية الحكومة الاتحادية بسط سلطتها على المناطق التي استخوذت عليها قوات البيشمركة الكردية خلال الاعوام الثلاثة الماضية، وإحكام سيطرتها على المنشآت النفطية في المناطق المتنازع عليها وكذلك على كافة المنافذ البرية والجوية الواقعة ضمن حدود الاقليم.
وفي الوقت الذي حذر نيجرفان البارزاني من اندلاع حرب اهلية في كركوك، ودعا الحكومة الاتحادية مجددا الى الحوار، ابدى ساسة اكراد تخوفهم من تكرار السيناريو الاميركي الذي رسمه واشرف على تنفيذه وزير الخارجية الاسبق هنري كيسنحر في عام 1975 ضد اكراد العراق بالاتفاق مع شاه ايران في حينه محمد رضا بهلوي ونظام حزب البعث في بغداد.