kayhan.ir

رمز الخبر: 64206
تأريخ النشر : 2017October02 - 20:42

البرزاني ومخاطر لعبة الأمم: الأكراد نحو مآسي الحاضر والمستقبل؟!


محمد علي جعفر

في وقت تُرحب فيه تل أبيب ودولة الإمارات بطرح اقليم كردستان الاستفتاء كمقدمة للانفصال، فيما تعارضه أغلب الدول، يجري الحديث اليوم عن أهمية الحدث في ما يخص مستقبل العراق والمنطقة، ما يستوجب قراءة الواقع على حقيقته. فالمسألة أكبر من تحقيق حلمٍ بالانفصال، وتتخطى ذلك لتصل الى مرحلة جعل الأكراد ضحية ورقة تتقاذفها قوى إقليمية ودولية تسعى لمصالحها، في ظل تغيُّر وتبدُّل موازين القوى الإقليمية. فماذا في رهانات البرزاني وتاريخه المليء بالعمل ضد مصلحة الأكراد؟ وكيف يجعلهم ضحية لعبة الأمم؟

البرازاني: تاريخ من الرهانات والعمل ضد مصلحة الأكراد

لم يكن مسعود البرزاني يوماً ساعياً لمصلحة الأكراد كما يُحاول تقديم نفسه. بل إن التاريخ يذكر كم تآمر ضد مصلحة أبناء عرقه، لأسباب خاصة تتعلق بالزعامة وتوريثها. ولعل ذلك هو السبب الذي يدفع البرزاني اليوم للمضي قُدماً في مطالب يجد فيها الكثير من حكماء السياسة حتى الأكراد منهم، انتحاراً للمطلب الكردي، في ظل وضوح ردة الفعل الإقليمية من الدول التي يُشكل موقفها أهمية لأسبابٍ تتعلق بالجغرافيا السياسية لوجود المكون الكردي.

ولعل البرزاني يسعى لتثبيت نفسه كمُحققٍ لحلم الأكراد في المنطقة، خصوصاً أنه بدا أكثر المقتنعين بعدم القدرة على تحقيق الانفصال بل يبدو واضحاً أنه أدخل الورقة الكردية في الحسابات الإقليمية والدولية، مع إيمانه بأن كل ما يسعى له لن يتجاوز في نتائجه العملية حصول الاستفتاء. وهو ما قد يصب في صالحه لجهة تقوية موقعه التفاوضي مع الحكومة المركزية في العراق من جهة، في ظل اعترافه العلني بأن الحوار مع بغداد قد يستمر لسنوات، ما يعني يقينه بأنه لن يُحقق شيئاً عملياً من الاستفتاء الذي حصل، وأيضاً محاولته دعم الطرف الكردي في تركيا والذي قد يستغل مخاوف أنقرة.

وهنا تتقاطع مصالح البرزاني، مع مصالح بعض الغرب، وتحديداً واشنطن، والتي تُعلن رفضها للطرح الكردي الحالي لأسباب لا تتجاوز تخوُّفها من نتائج القبول بهذا الطرح حالياً وأثر ذلك على الانتخابات العراقية. في حين تُدرك واشنطن أن هذه الورقة تُفيدها في تأديب تركيا المشاكسة وابتزاز إيران الصاعدة، وضرب الانتصار الذي تُحققه كل من العراق وسوريا.

البرزاني أدخل الورقة الكردية في الحسابات الإقليمية والدولية

القراءة الإستراتيجية: بين أهداف الدول والأطراف وجعل الأكراد الضحية

قد لا يبدو واضحاً للبعض كيف أدخل البرزاني الأكراد في نفقٍ مجهول، قد يقضي على أي حلمٍ مستقبلي. في حين ليس غريباً أن يكون الدعم الإسرائيلي للمطلب الكردي واضحاً. وهنا نُشير للتالي:

أولاً: يحتاج الغرب اليوم الى إعادة تحريك العصب الطائفي أو القومي بعد أن سقط التأثير الذي يُمثله تنظيم داعش والذي أصبح عبئاً على الدول الأوروبية وأمريكا وبعض الدول الإقليمية التي ساهمت في دعمه وصعوده، ليُشكِّل مسار الأزمة الكردية نفس المسار الذي سعت هذه الدول لاستخدامه من أجل حصار محور المقاومة، بهدف عزله وإيجاد واقع استنزاف له.

ثانياً: في ظل الضعف الذي يعيشه الكيان الإسرائيلي، لا بد من السعي لإيجاد كيان (ولو مجرد طرح ذلك الآن) يتناغم في مصالحه مع تل أبيب وهو ما يبدو أنه يتناسب مع طرح الأكراد الداعين للانفصال، والذين يتمتعون بعلاقات اقتصادية وعسكرية مع الكيان، الأمر الذي قد يحرف النظر - بحسب رأي البعض ولو ظرفياً - عن الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية.

ثالثا: لا يجب التعاطي مع الحدث الحالي بشكل مُفاجئ، في ظل وجود تصور اسرائيلي يهدف لتحقيق حلم "من الفرات الى النيل"، وهو ما لا يخدمه إلا إفراغ الدول التي تُجاور الكيان الإسرائيلي من قيمها الاجتماعية والوطنية والدفع نحو تفعيل العصبيات على حساب الإيمان بالدولة والعيش المشترك وهو ما قد يخدمه حدث اليوم من خلال الرهان عليه لتحريك شهية (حق تقرير المصير) لدى الأقليات عموماً والأكراد خصوصاً في الدول التي يتواجدون فيها، ما يُساهم في تفتُّت بنية هذه الدول وبالتالي تفوق الوجود الإسرائيلي عليها.

رابعاً: لا تغيب الأهداف الاقتصادية والتي يجب لحاظها مع كل خطوة عسكرية أو سياسية حيث إن العوامل الاقتصادية تأخذ طابعاً أساسياً في تقرير سياسات الدول. فالعراق يُنتج من النفط ما يزيد عن 625 الف برميل يومياً في حين تنتج كركوك وحدها 150 ألف برميل، وهو ما تسعى بعض الأطراف لاستغلاله حتى في الصفقات السياسية كتل أبيب التي تحلم بإحياء خط نفط كركوك - حيفا.

إذاً، يبدو واضحاً أن نتائج الاستفتاء لن تتخطى الأثر السياسي حالياً. في حين يبدو واضحاً أكثر أنها لا تصب في صالح الأكراد الذين تُجبرهم جغرافيتهم السياسية على بناء أفضل الروابط مع المكونات التي تحيط بهم، وليس بناء أرضية العداوة. بينما تحتاج هذه القراءة الى وجود قيادة حكيمة، قد يفتقدها بعض المعنيين اليوم. وفي ظل وضوح المشهد الحالي والمستقبلي، يمكن التساؤل حول التالي: لماذا يُقدِم البرزاني على هكذا خطوة؟ وما هي نتائج ما يجري؟

الجواب واضح ومُختصر، لم يكن البرزاني يوماً ساعياً لأكثر من زعامته فهو نفسه من تحالف مع صدام حسين ضد جلال طالباني في بداية التسعينيات. وما يجري لن يُحقق أي حلم كردي، بل قد يكون السبب في دفن أحلامهم، خصوصاً أن لعب البعض في ساحة لعبة الأمم، قد لا ينتج عنه إلا جعلهم الضحية!