kayhan.ir

رمز الخبر: 58239
تأريخ النشر : 2017June11 - 21:29

أحد أهم التحوّلات في الحرب السورية و مفاعيل كبيرة على صعيد المنطقة..


جمال شعيب

أثبت التقدم الجديد للجيش السوري وحلفائه ووصولهم إلى الحدود العراقية شمال شرق معبر التنف الحدودي، أن القدرات اللوجستية والتشكيلات القتالية التي تم وضعها بتصرف قيادة عمليات «الفجر الكبرى»، وخلال فترة زمنية لا تتعدى الشهرين، قد تفوقت على ما عمل الأميركي على بنائه في البادية السورية لجهة الأردن والعراق خلال عامين وأكثر، كما بينت أن إرادة القتال الصلبة لدى الجيش السوري والحلفاء كما لدى الحشد الشعبي، يقابلها في الجانب الآخر انهيار وجُبن وفقدان كامل لكل ما يمكن أن يحفز المقاتل على خوض حرب ضروس في صحراء شاسعة دون أهداف حقيقية بالنسبة له.

بما يخص طبيعة الانجاز، فمن المؤكد أن هذا التقدم له حساباته العسكرية كما السياسية، وما بعده لن يكون كما قبله، ولكن الأمر الأهم في هذا المتغير الميداني كان طبيعة الإعلان عنه ووسيلتها، وهذا أمر يجب أخذه في الحسبان بالدرجة الأولى، فأن يعلن الروسي عن هذا الانجاز ومن مقر العمليات في وزارة الدفاع الروسية عارضاً خلفه خريطة التقدم المنجز.. هو أمر يجب التوقف عنده.. وقراءته جيداً.

ارادة القتال تتفوق.. التقدم نحو الحدود

أثبتت المجاميع الارهابية فشلها من درعا (عمليات عواصف الجنوب) إلى «مطار الحمدان»، واعادة تنظيمها في تشكيلات جديدة بعد انهيار ما يسمى «جيش سوريا الجديد» لم تنفع في دفعها للثبات في مواقعها والدفاع عنها. هذا ما أدركته قيادة عمليات الجيش السوري والحلفاء، فدفعت بقواتها باتجاه التنف دون تردد أو التفات إلى التهديدات الأميركية، فيما كانت تعد العدة وتجهز القوات لعملية أخرى على خط مواز للالتفاف باتجاه «جبل غراب» انطلاقاً من شرق «الشحيمي» وجنوب «الهلبا»، وشق طريق بعرض 20 كلم وصولاً إلى الحدود العراقية.

ساعة الصفر للانطلاق كانت قد حددت مع فجر يوم الجمعة التاسع من حزيران، ولكن تطورات ميدانية استدعت تسريع العمليات (الاحتكاك الجوي الأخير) فتقدمت قوات النخبة في مجموعات منفصلة وبسطت سيطرتها على التلال المحاذية لجبل غراب وثبتت مواقع تأمين لمجنبات القوات التي ستكمل طريقها باتجاه الحدود، يرافقها عدد كبير من طائرات الاستطلاع المجهزة بوسائل قتالية هجومية، وبدأت عملية التقدم السريع التي لم تواجهها أي موانع ميدانية على طول خط التقدم سوى في نقطتين سارع المسلحون المدعومون أميركياً إلى إخلاء إحداها مع وصول طلائع القوات إليها، فيما دارت اشتباكات عنيفة في النقطة الأخرى التي يتمركز فيها عناصر من داعش قبل أن يتمكن الجيش السوري والقوات الرديفة من حسم الموقف فيها ومواصلة التقدم حتى الساتر الترابي على المعبر غير الرسمي في المنطقة والذي يحاذيه من الجانب العراقي صحراء الرطبة (منطقة «القصر») إلى خط الحدود.

إدارة أميركية فاشلة للمعركة

ميدانياً ولجهة الإدارة الأميركية للمعركة، والتي كانت ولسنوات متقدمة لجهة الأدوات (الفصائل) والقدرات (التسليح الذي صرفت دول الخليج الفارسي العربية أرقاماً خيالية لتأمينه) وتملك من الخطط والبرامج ما يعطيها أفضلية على الجيش السوري وحلفائها، فيبدو أنها قد استنزفت في معارك «الممرات» و«المدن» ونفذت خرائطها كما نفذت عزائم تابعيها، واستطاع قادة محور المقاومة الميدانيون انتزاع المبادرة منها الواحدة تلو الأخرى، من حلب إلى تدمر إلى ارياف دمشق والقلمون، وباتت خططها وبرامجها مفككة وعاجزة عن التصدي، وتفتقد للكثير من عناصر القوة، الأمر الذي ادى إلى انكفائها، فيما لم تنفع محاولات الترهيب التي قامت بها طائرات التحالف في وقف الاندفاعة الكبيرة للجيش السوري وحلفائه، لا بل سقطت الإدارة الأميركية للمعركة في فخ أعد سلفاً لها عند التنف وأعدمت خياراتها أمام تشدد القيادة السورية وعزمها على يسط سيطرتها على المنطقة، فأنشغلت «القواعد الأميركية» بين التنف وحميمية، كما ينشغل قناص مبتدئ بـ«فزاعة» وضعها من يرصده استعداداً للالتفاف عليه وتعطيل «نيرانه».

ماذا بعد الوصول إلى الحدود؟

يفتح هذا التقدم الكبير والواسع للجيش السوري باتجاه الحدود العراقية، الاحتمالات على خيارات واسعة أمام القيادة العسكرية للعمليات، فهي بوصولها إلى هذه المنطقة تقطع الطريق بين القاعدة الأميركية في التنف والنقاط التي قامت بتثبيتها ثم انسحبت منها في حميمية، وتؤمن للجيش السوري خاصرة وخلفية «صلبة ومتينة» للتقدم باتجاه «البوكمال»، كما أنها تسمح له بفتح محاور إضافية باتجاه مناطق سيطرة داعش في كل من الميادين وجنوب تدمر وصولاً إلى دير الزور وتجبر مسلحي داعش على إعادة الانتشار في المنطقة المحيطة بدير الزور، تحسباً لأي هجوم قد يشنه الجيش السوري من مواقعه الجديدة بالتوازي مع تقدم قواته شرق تدمر باتجاه آراك والسخنة.

لن نستطرد كثيراً في نقاش خيارات الجيش السوري، أولا لعلمنا بأن الخطط الموضوعة من قبل القيادة العسكرية للعمليات متعددة ومتنوعة، وهي لا زالت تحتفظ بالكثير من المفاجآت، وثانياً ليقيننا بأن متغيرات الميدان من جانب العدو سواء على الجبهة مع القوات المدعومة أميركياً أو مع داعش، ستفرض نفسها لاحقاً وسترسم منحى جديداً قد يفرض على قوات الجيش السوري وحلفائه الذهاب إلى خيارات صعبة لكنها ليست مستحيلة.